بسم الله الرحمن الرحيم
حوار معالمقوقس:
حين تسلمالمقوقس رسالة النبي r جمع بطارقته مع (حاطب) ووجه إليه أسئلة تتعلق بالنبي r وقومه، كما سأله (حاطب) t - عما يتعلق بعيسى - u 0 مع بني إسرائيل.
قالالمقوقس: هلم أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيًا؟
قال حاطب:بلى هو رسول الله.
قالالمقوقس: فما له حيث كان هكذا الم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟!
أجاب حاطب:عيسى بن مريم ألست تشهد أنه رسول الله؟
قالالمقوقس: بلى!
قال حاطب:فما باله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه.. ألا يكون دعا عليهم؟!
ردالمقوقس: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم وكان مما قاله حاطب للمقوقس:
أنه قد كانقبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فرعون فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثمانتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك، وأضاف حاطب:
إن هذاالنبي r دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منهالنصارى.. ولعمري ما بشارة موسى بعيسى – عليهما السلام – إلا كبشارة عيسى بمحمدوما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدركقومًا منهم أمته وبالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عندين المسيح - u - ولكن نؤمك به.
فأجابهالمقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عنمرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ووجدت معه آله النبوة بإخراجالخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر.
ولكنه لمينظر بل ظل موقفه من نصرانته لكنه كان رفيقًا مهذبًا، فأرسل ردًا على رسالة النبي r يقول فيه:
بسم الله الرحمنالرحيم
لمحمد بنعبد الله من المقوقس عظيم القبط
سلام عليكوبعد:
فقد قرأتكتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيًا قد بقي وقد كنت أظن أنهيخرج بالأميين وقد أكرمت رسولك وبعثنا لك بجاريتين (مارية وأختها سيرين) لهما مكانفي القبط العظيم وأهديت لك بغلة لتركبها.
نسبها:
كانتالهدايا جاريتين من جواري المقوقس هما مارية وأختها سيرين، وألف مثقال ذهب وعشرينثوبًا لينًا وبغلة اسمها (دلدل) وحمارًا اسمه (عفير) أو (يعفور) وخصيًا يقال له (مابور)وكان شيخًا طاعنًا في السن.
ولقد كانوالد مارية من خيار القبط في مصر ويدعى (شمعون) أما أمها فقد كانت رومية الأصل..لذا كانت مارية – رضي الله عنها – بيضاء جعدة، تحمل من سحنة أمها الرومية بياضالبشرة ومن كينونة أبيها جعد الشعر وكانت جميلة حسنة الوجه والقد ويقال إن اسمبلدتها (أنصنا) في صعيد مصر.
في الطريقإلى المدينة:
خرجتامارية من الإسكندرية مع أختها (سيرين) والخصي (مابور) في حراسة حاطب بن أبي بلتعةوهي لا تدري من أمر مستقبلها شيئًا أو ما تدخر لها الأيام من خير.
سارتوكأنها تسير إلى المجهول، لا تعرف إلى أين ستنتهي، تظهر على محياها سيماء الحزنوالتفكر العميق والهموم والوجوم، وأدرك حاطب ما يعتمل في نفسها وما يجيش في خاطرهافأقبل عليها مواسيًا ومحدثًا، وما زال بها حتى سرى عنها ما بها من ألم وحزن، كمااستطاع - t - بما أوتيه من حذاقة ولباقة أن يقنعها بالإسلام فأمنت بالله ربًاوبمحمد r نبيًا ورسولاً؛ وكانت أختها (سيرين) لا تفارقها فتستمع لما يقولهحاطب عن الإسلام وما يحدث عن شخص رسول الله r، فشهدت هي الآخرى أيضًا لله – تعالى – بالوحدانية ولمحمد r بالرسالة إلا (مابور الخصي) فإنه أصر على دينه وعقيدته ولم يُسلمحتى قدم على رسول الله r بالمدينة، وهكذا ما دخلت مارية وأختها سيرين – رضي الله عنها –المدينة إلا مسلمتين مؤمنتين وهذه واقعة تاريخية في حياتها تستلفت النظر وتستوقفالباحث.
فقد آمنت –رضي الله عنها – برسول الله r قبل أن تراه وصدقت برسالته قبل أن تسمعه، وأعجبت بشخصه الشريف قبلأن تعاشره رغم أنها كانت قد علمت مقامه ومركزه ومن هن أزواجه.
فيالمدينة:
وصل الركبالمؤمن إلى المدينة وسلم حاطب رسالة المقوقس وهداياه إلى النبي، فاستقبلهم ورحببهم وأكرم قدومهم وبالغ في ذلك حين واسى مارية باتخاذها سرية (وهي الأمة يطؤها الرجلبملك اليمين) له.
كما أنزلهافي مكان يسمى العالية (يعرف اليوم بالعوالي) من ضواحي المدينة وكان يختلف إليهابالزيارة بين الحين والحين ويطؤها بملك اليمين ويرعاها ويعطف عليها ولقيت منه –صلوات الله وسلامه عليه – كل عناية ومحبة ولم تكن تبدي انزعاجًا أو غيرة من زوجاتهr.
وسيرين:
أقبل يومًاحسان بن ثابت شاعر الأنصار وشاعر رسول الله r يخطب سيرين من النبي r فزوجه إياها فأعرس بها وعاش معها أجمل أيام حياته وأسعدها وولدتله ولده (عبد الرحمن بن حسان) الذي خلف أباه في شاعريته الفذة.
أمإبراهيم:
وفي أوائلالعام الثامن من الهجرة أخذت مارية تحس بآلام الحمل بعد أن ظهرت عليها عوارضهفازداد إقبال النبي r عليها.
ومع نهايةالعام وضعت ولدها (إبراهيم) ففرح به r فرحًا شديدًا ووهب لمن بشره بمولد إبراهيم مملوكًا ودفع به(إبراهيم) إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن النجار لترضعه.
وبلغت غبطةالنبي r بولده مبلغها فإذا هو شديد اللصوق به، كثير التطلع في وجهه الصغيردائم الحمل له بين ذراعيه في كل مكان يذهب إليه حتى بيوت نسائه الآخريات فيقربهمنهن، ويقول في عطف وإعجاب: «انظريه إلا ترينه صورة مني؟».
وكان منشأن (إبراهيم) أن تحررت أمه مارية – رضي الله عنها – إذ قال رسول الله r: «لقد أعتقها ولدها».
ماريةالصابرة:
ولقد أثارالوضع الجديد غيرة أمهات المؤمنين وحسدنها إذ أصبح النبي r أكثر لصوقًا بمارية دونهن كما أنها أنجبت الولد دونهن جميعًا.
فعلى الرغممن كل حسد اعتمل في نفوس زوجات النبي وكل غيرة أظهرنها، ظلت هي على رزانتهاوحيائها وسكينتها.. حتى عندما اجتمعت (حفصة وعائشة) فاضطر رسول الله r إلى أن يقول: «لقد حرمت مارية على نفسي». لم يزدها ذلك إلاتبسمًا ورضى وصبرًا، ثم أنزل الله – تعالى – قوله: }يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُلَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) { [التحريم: 1].
الحكمةالربانية:
كان مولد(إبراهيم) عزاء وسلوى ورجاء وأملاً واستمرت الفرحة ستة عشر شهرًا في بيت ماريةولكن هذه الآمال لم تدم طويلاً إذ مرض الطفل مرضًا شديدًا، فقامت مارية وأختهاسيرين على تمريضه ورعايته.. لكن المرض اشتد ولم يمهله.. وظهرت عليه ذات يوم علائمالاحتضار فبلغ النبي r فحزن حزنًا شديدًا وتألم ألمًا بالغًا وأحس بضيق لم يحسه من قبلفأتى داره معتمدًا على أحد الصحابة لشدة ما أحس به من ألم وما أصابه من إعياء فوجد(إبراهيم) في حجر أمه الباكية يجود بآخر أنفاسه، فأخذه منها برفق ووضعه في حجرهوضمه إلى صدره ليهدأ القلب المضطرب والصدر اللاهث.. ثم غمره r حزن شديد وألم دام وقال: «إنا يا إبراهيم لا نغني عنك من اللهشيئًا» ثم تساقطت عبراته ودموعه – صلوات الله وسلامه عليه – وسكتت أمه متألمةوصاحت أختها سيرين باكية ولم ينههما الرسول عن ذلك وأخذ ينظر إلى جثمان فلذة كبدهالمسجي في حجره ولا حراك به ولا حياة ينبض بها وتبددت الآمال التي أشرقت يوممولده، وذهبت شعاعًا مع روحه التي استردها ربها فقال r: «يا إبراهيم لولا أنه أمُر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحقبأولنا لحزنا عليك أشد من هذا».
قال فيرواية أخرى: «القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإناإليه راجعون».
وكأنه بهذهالكلمات r يواسي مارية الأم المسكينة وقد أحس في أعماق ذاته الشريفة مديمرارتها ومبلغ تألمها ومسح r وجفف عبراته وهو يقول: «العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلاما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم وعليك لمحزونون».
الموكبالحزين:
رسول الله r يحمل جثمان ولده بين يديه وعمه العباس بن عبد المطلب وعمر بنالخطاب – رضي الله عنهما – إلى جانبه وطائفة من كبار الصحابة يحيطون به.
وامتلأ قلب مارية همًا وغمًا لفراق أملها الوحيد ثم وصل الموكب إلى البقيعحيث دفن إبراهيم بعد أن صلى عليه رسول الله r.
الرسولالأمين:
وحدث أنكسفت الشمس يوم وفاة إبراهيم ووجد بعض الناس في ذلك معجزة فقال قائلهم: لقد انكسفتالشمس لموت إبراهيم مشاركة للنبي r في مشاعره وأحاسيسه، لكن هذه المقولة التي رددها بعض الناس نبهتالنبي r إذ لم يكن لينسى رسالته أبدًا وأمانته عليها ولو في أحلك الساعاتوأشدها حرجًا وأدق المواقف وأصعبها.. فقال r للناس: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان ولاتكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله بالصلاة...».
فأعظم بهمن جلد وأعظم به من صبر وأعظم به من نبي أمين – صلوات ربي وسلامه عليه -.
ماريةالمؤمنة الصابرة:
عاد النبيإلى دار مارية مواسيًا ومعزيًا ولم يكن – عليه الصلاة والسلام – ليغفلها أويتجاهلها بعد أن فقدت ولدها إذ كان يتردد عليها كعادته السابقة وسلمت ماريةالمؤمنة أمرها إلى الله – تعالى -.
فهو الذيأعطى وهو الذي أخذ وكل شيء عنده – سبحانه – بمقدار ولم تكن – رضي الله عنها –لتملك أن ترد دموعها الصامتة كلما لاحت ذكري إبراهيم في نفسها.
ولم تحملبعد إبراهيم ولم تضع، وكانت حياتها في سعادتها وشقائها بلاءً وامتحانًا وأثبتتخلالها أنها من المسلمات المؤمنات الصادقات اللاتي يقتدى بهن ويحتذى بسلوكهن وينسجعلى منوالهن.
بعد النبي r:
بعد أن لحقالنبي بالرفيق الأعلى، كان خلفاؤه من بعده يحفظون لمارية مكانتها ويخصونهابأعطياتها من بيت المال، وينفقون عليها ويزورونها.. سواء في عهد أبي بكر أو في عهدعمر – رضي الله عنهما – إذ كانا يأتيانها سائلين عن أحوالها ويواسيانها وفاء منهملنبيهما العظيم r.
الوفاة:
ولما كانالعام السادس عشر من الهجرة النبوية الشريفة مرضت واشتدت عليها وطأة الحمى، ثمأسلمت الروح، فحزن المسلمون عليها حزنًا شديدًا وشهد عمر أمير المؤمنين t جنازتها وهو حشد الناس وصلى عليها ودفنت بالبقيع.
رحمها اللهرحمة واسعة ورضي عنها وأكرم نزلها ومثواها.
حوار معالمقوقس:
حين تسلمالمقوقس رسالة النبي r جمع بطارقته مع (حاطب) ووجه إليه أسئلة تتعلق بالنبي r وقومه، كما سأله (حاطب) t - عما يتعلق بعيسى - u 0 مع بني إسرائيل.
قالالمقوقس: هلم أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيًا؟
قال حاطب:بلى هو رسول الله.
قالالمقوقس: فما له حيث كان هكذا الم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟!
أجاب حاطب:عيسى بن مريم ألست تشهد أنه رسول الله؟
قالالمقوقس: بلى!
قال حاطب:فما باله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه.. ألا يكون دعا عليهم؟!
ردالمقوقس: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم وكان مما قاله حاطب للمقوقس:
أنه قد كانقبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فرعون فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثمانتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك، وأضاف حاطب:
إن هذاالنبي r دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منهالنصارى.. ولعمري ما بشارة موسى بعيسى – عليهما السلام – إلا كبشارة عيسى بمحمدوما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدركقومًا منهم أمته وبالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عندين المسيح - u - ولكن نؤمك به.
فأجابهالمقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عنمرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ووجدت معه آله النبوة بإخراجالخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر.
ولكنه لمينظر بل ظل موقفه من نصرانته لكنه كان رفيقًا مهذبًا، فأرسل ردًا على رسالة النبي r يقول فيه:
بسم الله الرحمنالرحيم
لمحمد بنعبد الله من المقوقس عظيم القبط
سلام عليكوبعد:
فقد قرأتكتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيًا قد بقي وقد كنت أظن أنهيخرج بالأميين وقد أكرمت رسولك وبعثنا لك بجاريتين (مارية وأختها سيرين) لهما مكانفي القبط العظيم وأهديت لك بغلة لتركبها.
نسبها:
كانتالهدايا جاريتين من جواري المقوقس هما مارية وأختها سيرين، وألف مثقال ذهب وعشرينثوبًا لينًا وبغلة اسمها (دلدل) وحمارًا اسمه (عفير) أو (يعفور) وخصيًا يقال له (مابور)وكان شيخًا طاعنًا في السن.
ولقد كانوالد مارية من خيار القبط في مصر ويدعى (شمعون) أما أمها فقد كانت رومية الأصل..لذا كانت مارية – رضي الله عنها – بيضاء جعدة، تحمل من سحنة أمها الرومية بياضالبشرة ومن كينونة أبيها جعد الشعر وكانت جميلة حسنة الوجه والقد ويقال إن اسمبلدتها (أنصنا) في صعيد مصر.
في الطريقإلى المدينة:
خرجتامارية من الإسكندرية مع أختها (سيرين) والخصي (مابور) في حراسة حاطب بن أبي بلتعةوهي لا تدري من أمر مستقبلها شيئًا أو ما تدخر لها الأيام من خير.
سارتوكأنها تسير إلى المجهول، لا تعرف إلى أين ستنتهي، تظهر على محياها سيماء الحزنوالتفكر العميق والهموم والوجوم، وأدرك حاطب ما يعتمل في نفسها وما يجيش في خاطرهافأقبل عليها مواسيًا ومحدثًا، وما زال بها حتى سرى عنها ما بها من ألم وحزن، كمااستطاع - t - بما أوتيه من حذاقة ولباقة أن يقنعها بالإسلام فأمنت بالله ربًاوبمحمد r نبيًا ورسولاً؛ وكانت أختها (سيرين) لا تفارقها فتستمع لما يقولهحاطب عن الإسلام وما يحدث عن شخص رسول الله r، فشهدت هي الآخرى أيضًا لله – تعالى – بالوحدانية ولمحمد r بالرسالة إلا (مابور الخصي) فإنه أصر على دينه وعقيدته ولم يُسلمحتى قدم على رسول الله r بالمدينة، وهكذا ما دخلت مارية وأختها سيرين – رضي الله عنها –المدينة إلا مسلمتين مؤمنتين وهذه واقعة تاريخية في حياتها تستلفت النظر وتستوقفالباحث.
فقد آمنت –رضي الله عنها – برسول الله r قبل أن تراه وصدقت برسالته قبل أن تسمعه، وأعجبت بشخصه الشريف قبلأن تعاشره رغم أنها كانت قد علمت مقامه ومركزه ومن هن أزواجه.
فيالمدينة:
وصل الركبالمؤمن إلى المدينة وسلم حاطب رسالة المقوقس وهداياه إلى النبي، فاستقبلهم ورحببهم وأكرم قدومهم وبالغ في ذلك حين واسى مارية باتخاذها سرية (وهي الأمة يطؤها الرجلبملك اليمين) له.
كما أنزلهافي مكان يسمى العالية (يعرف اليوم بالعوالي) من ضواحي المدينة وكان يختلف إليهابالزيارة بين الحين والحين ويطؤها بملك اليمين ويرعاها ويعطف عليها ولقيت منه –صلوات الله وسلامه عليه – كل عناية ومحبة ولم تكن تبدي انزعاجًا أو غيرة من زوجاتهr.
وسيرين:
أقبل يومًاحسان بن ثابت شاعر الأنصار وشاعر رسول الله r يخطب سيرين من النبي r فزوجه إياها فأعرس بها وعاش معها أجمل أيام حياته وأسعدها وولدتله ولده (عبد الرحمن بن حسان) الذي خلف أباه في شاعريته الفذة.
أمإبراهيم:
وفي أوائلالعام الثامن من الهجرة أخذت مارية تحس بآلام الحمل بعد أن ظهرت عليها عوارضهفازداد إقبال النبي r عليها.
ومع نهايةالعام وضعت ولدها (إبراهيم) ففرح به r فرحًا شديدًا ووهب لمن بشره بمولد إبراهيم مملوكًا ودفع به(إبراهيم) إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن النجار لترضعه.
وبلغت غبطةالنبي r بولده مبلغها فإذا هو شديد اللصوق به، كثير التطلع في وجهه الصغيردائم الحمل له بين ذراعيه في كل مكان يذهب إليه حتى بيوت نسائه الآخريات فيقربهمنهن، ويقول في عطف وإعجاب: «انظريه إلا ترينه صورة مني؟».
وكان منشأن (إبراهيم) أن تحررت أمه مارية – رضي الله عنها – إذ قال رسول الله r: «لقد أعتقها ولدها».
ماريةالصابرة:
ولقد أثارالوضع الجديد غيرة أمهات المؤمنين وحسدنها إذ أصبح النبي r أكثر لصوقًا بمارية دونهن كما أنها أنجبت الولد دونهن جميعًا.
فعلى الرغممن كل حسد اعتمل في نفوس زوجات النبي وكل غيرة أظهرنها، ظلت هي على رزانتهاوحيائها وسكينتها.. حتى عندما اجتمعت (حفصة وعائشة) فاضطر رسول الله r إلى أن يقول: «لقد حرمت مارية على نفسي». لم يزدها ذلك إلاتبسمًا ورضى وصبرًا، ثم أنزل الله – تعالى – قوله: }يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُلَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) { [التحريم: 1].
الحكمةالربانية:
كان مولد(إبراهيم) عزاء وسلوى ورجاء وأملاً واستمرت الفرحة ستة عشر شهرًا في بيت ماريةولكن هذه الآمال لم تدم طويلاً إذ مرض الطفل مرضًا شديدًا، فقامت مارية وأختهاسيرين على تمريضه ورعايته.. لكن المرض اشتد ولم يمهله.. وظهرت عليه ذات يوم علائمالاحتضار فبلغ النبي r فحزن حزنًا شديدًا وتألم ألمًا بالغًا وأحس بضيق لم يحسه من قبلفأتى داره معتمدًا على أحد الصحابة لشدة ما أحس به من ألم وما أصابه من إعياء فوجد(إبراهيم) في حجر أمه الباكية يجود بآخر أنفاسه، فأخذه منها برفق ووضعه في حجرهوضمه إلى صدره ليهدأ القلب المضطرب والصدر اللاهث.. ثم غمره r حزن شديد وألم دام وقال: «إنا يا إبراهيم لا نغني عنك من اللهشيئًا» ثم تساقطت عبراته ودموعه – صلوات الله وسلامه عليه – وسكتت أمه متألمةوصاحت أختها سيرين باكية ولم ينههما الرسول عن ذلك وأخذ ينظر إلى جثمان فلذة كبدهالمسجي في حجره ولا حراك به ولا حياة ينبض بها وتبددت الآمال التي أشرقت يوممولده، وذهبت شعاعًا مع روحه التي استردها ربها فقال r: «يا إبراهيم لولا أنه أمُر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحقبأولنا لحزنا عليك أشد من هذا».
قال فيرواية أخرى: «القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإناإليه راجعون».
وكأنه بهذهالكلمات r يواسي مارية الأم المسكينة وقد أحس في أعماق ذاته الشريفة مديمرارتها ومبلغ تألمها ومسح r وجفف عبراته وهو يقول: «العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلاما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم وعليك لمحزونون».
الموكبالحزين:
رسول الله r يحمل جثمان ولده بين يديه وعمه العباس بن عبد المطلب وعمر بنالخطاب – رضي الله عنهما – إلى جانبه وطائفة من كبار الصحابة يحيطون به.
وامتلأ قلب مارية همًا وغمًا لفراق أملها الوحيد ثم وصل الموكب إلى البقيعحيث دفن إبراهيم بعد أن صلى عليه رسول الله r.
الرسولالأمين:
وحدث أنكسفت الشمس يوم وفاة إبراهيم ووجد بعض الناس في ذلك معجزة فقال قائلهم: لقد انكسفتالشمس لموت إبراهيم مشاركة للنبي r في مشاعره وأحاسيسه، لكن هذه المقولة التي رددها بعض الناس نبهتالنبي r إذ لم يكن لينسى رسالته أبدًا وأمانته عليها ولو في أحلك الساعاتوأشدها حرجًا وأدق المواقف وأصعبها.. فقال r للناس: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان ولاتكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله بالصلاة...».
فأعظم بهمن جلد وأعظم به من صبر وأعظم به من نبي أمين – صلوات ربي وسلامه عليه -.
ماريةالمؤمنة الصابرة:
عاد النبيإلى دار مارية مواسيًا ومعزيًا ولم يكن – عليه الصلاة والسلام – ليغفلها أويتجاهلها بعد أن فقدت ولدها إذ كان يتردد عليها كعادته السابقة وسلمت ماريةالمؤمنة أمرها إلى الله – تعالى -.
فهو الذيأعطى وهو الذي أخذ وكل شيء عنده – سبحانه – بمقدار ولم تكن – رضي الله عنها –لتملك أن ترد دموعها الصامتة كلما لاحت ذكري إبراهيم في نفسها.
ولم تحملبعد إبراهيم ولم تضع، وكانت حياتها في سعادتها وشقائها بلاءً وامتحانًا وأثبتتخلالها أنها من المسلمات المؤمنات الصادقات اللاتي يقتدى بهن ويحتذى بسلوكهن وينسجعلى منوالهن.
بعد النبي r:
بعد أن لحقالنبي بالرفيق الأعلى، كان خلفاؤه من بعده يحفظون لمارية مكانتها ويخصونهابأعطياتها من بيت المال، وينفقون عليها ويزورونها.. سواء في عهد أبي بكر أو في عهدعمر – رضي الله عنهما – إذ كانا يأتيانها سائلين عن أحوالها ويواسيانها وفاء منهملنبيهما العظيم r.
الوفاة:
ولما كانالعام السادس عشر من الهجرة النبوية الشريفة مرضت واشتدت عليها وطأة الحمى، ثمأسلمت الروح، فحزن المسلمون عليها حزنًا شديدًا وشهد عمر أمير المؤمنين t جنازتها وهو حشد الناس وصلى عليها ودفنت بالبقيع.
رحمها اللهرحمة واسعة ورضي عنها وأكرم نزلها ومثواها.
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin