بسمالله الرحمن الرحيم
زيد بن محمد:
هو زيد بن حارثة بن شرحبيل، وقصته طريفة ترتبط ارتباطًاوثيقًا بحياة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- وكذلك برسول الله r.
كان طفلاً صغيرًا وقع في السبي، حينأغارت طائفة من قطاع الطرق والصعاليك على القافلة التي كان زيد فيها مع أمه، وقدقصدت زيارة أهلها فأخذ منها وبيع في أسواق مكة، واستقر في بيت خديجة وحين تزوجهارسول الله r أهدته إليه.
وأخذ أهله يبحثون عنه في كل مكان ثمعرفوا أنه عند محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في مكة فجاءوا لفدائه والعودة به.
فلما دخلوا الدار عرفوا بأنفسهم وغرضهموأثنوا على طيب عنصر النبي r وكريم خلقه، فأخرج إليه زيدًا ثم سأله: أتعرف هؤلاء؟
قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي.
ثم قال لهما رسول الله r: «أتريدونخيرًا مما تطلبون؟».
قالوا: وما هو؟
قال r: «أخيّره.. فإن أختاركم فهو حر لوجه الله -تعالى-،وإن اختارني فأشهدوا أنه مني بمنزلة الولد يرثني وأرثه».
فقالوا: لقد أنصفت.
وحين خير زيد في ذلك قال: أنا ليستبالذي أختار عليك أحدًا فخرج أهله من عند محمد r وهم مطمئنون واثقون من حسن اختياره وطيب مقامه.
وكان ذلك قبل البعثة النبوية، ولقدأشهد رسول الله r على ذلك أهل مكة إذ نادى به على الملأ من قريش عندالكعبة، ليعرف القاصى والداني ذلك ومن ذلك الحين أصبح زيد بن حارث يعرف بزيد بنمحمد وكانت عادة التبني سارية وعرفًا متبعًا في الجاهلية واستمر الأمر على ذلكزمنًا حتى أنزل الله – تعالى – حكمه في كتابه العزيز: }ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَأَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِيالدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ{ [الأحزاب: 5].
فعاد زيد إلى نسبه الأصلي الأول وظل على ولائه
لرسول الله r مخلصًا محبًا وفيًا أمينًا مسلمًا مؤمنًا تقيًاوالنسبة للآباء أولى وأجدى وأضمن لسلامة الأحساب والأنساب في المجتمعات الإنسانيةحتى لا تضيع أو تضل في متاهات الصلات البشرية.
زينب فتاة قريش:
وكانت زينب بنت جحش بن رئاب المخزومية،وأمها أمية بنت عبد المطلب الهاشمية عمة رسول الله r، وكانت زينب زينة فتيات مكة تتباهي بأصالة أرومتهاوطيب عنصرها فقد جمعت المجد من طرفيه قمة في فصاحة اللسان، وذروة في الفضائلوالأخلاق.
أسلمت وآمنت وبايعت وظلت عزباء، إذ ردتكثيرًا من الأيدي التي تقدمت لها، لأنها لا تجد فيمن رغب بالزواج منها تكافؤًااجتماعيًا.
زوجها من زيد المولى:
بعد أن هاجر المسلمون من مكة إلىالمدينة، أراد النبي r أن يبني المجتمع المدني على أسس جديدة فيها الثورةعلى كل الأعراف الجاهلية وقيمها الزائفة، أراد أن يبني المجتمع على قاعدة صلبة فيالإخاء الإنساني في الله، بحيث تكون بشرية الإنسان والفرد وتقواه مع الله هيمؤهلاته فقط.. لا ماله ولا حسبه ولا نسبه ولا سلطانه.
بدأت الأخوة في الله تأخذ سبيلها وتمضينحو غايتها، ويروى أن رسول الله r قال لزينب بنت عمته: «إني أريد أن تتزوجي من زيدبن حارثة» وفاجأها الطلب وهز كيانها كله.
فقالت: يا رسول الله لا أرضاه لنفسيوأنا أيم قريش فقال – عليه الصلاة والسلام -: «أما أنا فقد رضيته لك».
وكان القول الفصل فما دام رسول الله r هو الذي ارتضىزيدًا لزينب فمعنى ذلك حكمة ما بعدها حكمة، وتم زواج المولى زيد بن حارثة منالفتاة القرشية ذات الحسب والنسب (زينب بنت جحش)، ولم يعد هناك من فرق بينالزوجين؛ لأن الإسلام سوى بينهما فأكرمهما عند الله اتقاهما.
حتى كان المفترق:
جاء ذات يوم رسول الله r إلى دار زيديسأل عنه لحاجة يريدها فلما علمت زينب بمقدم رسول الله r خرجت مسرعة، وأخبرت رسول الله r بعدم وجود زيد ثم دعته إلى الدخول فأبى -عليه الصلاةوالسلام- رغم إلحاحها ثم غض بصره وأدار ظهره، وتمتم ببعض كلمات لم تسمعها زينب ولمتفهمها سوى أنها سمعته يقول: «سبحان الله سبحان مصرف القلوب».
قلب الرسول البشر:
}قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا{ [الإسراء: 93] لقد كان رسول الله r بشرًا يحسإحساسهم ويتفاعل في كيانه عوامل البشرية الإنسانية.
عاد زيد إلى الدار فأخبرته زينب بكلالوقائع من سؤال
النبي r عنه حتى منصرفه عن باب الدار إلى ما كان يردده منقول وهو في طريق الأوبة؛ عندئذ أسرع زيد إلى رسول الله r ولبى حاجته التي جاء من أجلها، ثم دار الحوار بينزيد وبين رسول الله r في شأن زينب فرد عليه الرسول الكريم قائلاً: «أمسكعليك زوجك» ردد العبارة أكثر من مرة في عزم وتصميم واستمساك بحبل الله المتين؛لأنه كانت من عادة الجاهلية أن يمتنع المتبني عن الزواج من قريبة من تبناه، لأنهكان بمنزلة الولد فلما جاء الإسلام وأبطل عادة التبني ورد الأمر إلى أصوله وجذوره.قال تعالى: }ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْتَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ{ [الأحزاب: 5].
أراد أن يحق الحق بكلماته ويبطل تلكالعادة كلية بأصولها وفروعها وأن يكون رسول الله r هو القدوة في هذا الشأن: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْكَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ [الأحزاب: 21].
ودبر الأمر – سبحانه – على الكيفيةوالصورة المثالية ثم أعقبها بحكمه الشرعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه: }لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِأَدْعِيَائِهِمْ{ [الأحزاب: 37].
استحكم الخلاف بين زيد وزينب وذلك فيشأن من شئون الدنيا ومتاع الحياة وغرض منزلي وهو يرى رأيًا وهي ترى رأيًا آخر.
فكان t يأتي رسول الله طالبًا أن يساعده في الخلاص من زينبوالتفريق بينهما ليأخذ طريقه في الحياة، فيردد النبي r بقوله: «أمسك عليك زوجك» وتكرر الطلب من زيدكما تكرر الرد من رسول الله r وأخيرًا جاء الأمر من السماء بالتفريق وبزواجه r من زينب، يقولالله – عز وجل – في كتابه الكريم: }فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَاوَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيأَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُاللَّهِ مَفْعُولًا{ [الأحزاب: 37].
الزواج:
فلما انقضت عدتها من زيد، أرسل رسولالله r خادمته سلمى لتخبر زينب برغبته – عليه الصلاةوالسلام – بالزواج منها، فلما سمعت زينب بذلك خرت ساجدة وقد استبدت بها الفرحة ثمفأعطت الخادمة التي بشرتها هدايا قيمة ثمينة جزاء ما أخبرتها الخبر الطيب، الخبرالذي كانت تنتظره منذ أمد بعيد كي تنال الحظوة والشرف العظيم وتدخل في عداد أمهاتالمؤمنين، وتتفيأ ظلال بيت النبوة الكريم.
أعظم الولائم وليمة العرس التي أولمهارسول الله r عند زواجه من زينب إذ ذبح فيها شاة ودعا إلى الوليمةما يزيد عن سبعين رجلاً من جلة أصحابه وكبار إخوانه حتى قيل إنه لم يبق في المسجديومها أحد إلا وحضر الطعام وأكلوا جميعًا باسم الله.
الأمر بالحجاب:
مكث الحاضرون المدعوون في بيت رسولالله r وقتًا طويلاً أطول من اللازم ومن المألوف يتحدثونويتسامرون ورسول الله r مشغول بينهم وبين زوجته زينب حتى إنه تأذى من ذلك ولكنهأخفاه في نفسه وفي هذا نزل قوله تعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَالنَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ...{ [الأحزاب: 53].
فرحة زينب – رضي الله عنها -:
قالت زينب – رضي الله عنها -: لما جاءالرسول بتزويج رسول الله إياي جعلت لله علي صوم شهرين.
فلما دخل علي رسول الله r كنت لا أقدر أنأصومها في حضر ولا في سفر تصيبني فيه القرعة، فلما أصابتني القرعة في المقامصمتها، ولقد وصفتها أم سلمة أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقالت: كانت لرسول اللهمعجبة وكان يستكثر منها وكانت امرأة صالحة صوامة قوامه (تجيد الصناعة باليدكالخياطة والغزل وغير ذلك) تتصدق بذلك كله على الناس.
مفاخرتها نساء النبي r وإعجابها بنفسها:
كان فد سبق لنا القول عن إعجاب زينببنفسها في الجمال والمال والحسب، وكان ذلك من أعراف الجاهلية والسبب المباشر فيتأخر زواجها، ولقد كان من هموم النبي r في بناء الشخصية أن يقتلع من جذور النفوس تلكالرواسب وينقيها ويهذبها ويهديها سواء السبيل، كما أننا عرفنا أن من أسباب تزوجزينب – رضي الله عنها – من زيد بن حارثة المولى، كسر حدة تلك الظاهرة لدى زينب،لقد خفت ولكنها لم تنته وما اضطربت حياتها مع زيد t إلا بسبب ذلك، ثم بعد زواجها من رسول الله r وجدت نفسها ضمنمجموع من لآلئ العقد الثمين، ومن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – ولا تعدو أنتكون واحدة منهن لكن عامل الغيرة في الكيان الأنثوي يقبع إلى حين فإذا ما تبدت الفرصةتحرك وأعلن عن نفسه فيروى أنه جرت ذات يوم ملاحاة بينها وبين عائشة – رضي اللهعنها – التي كانت تغار منها غيرة شديدة.
فقالت زينب: إني والله ما أنا كأحد مننساء رسول الله r، إنهن زوجن بالمهور وزوجهن الأولياء، وزوجني اللهرسوله، وأنزل في الكتاب يقرأ به المسلمون لا يبدل ولا يغير.
المتصدقة بالأموال:
كانت شهرة زينب – رضي الله عنها – بشأنالصدقة أكثر منهن جميعًا فما كانت لترضى أن تبيت درهمًا في دارها قبل أن تتصدق بهعلى من هو بحاجة إليه، تنفق كل ما يصل إلى يدها من عطاء تقربًا إلى الله – تعالى –واقتداء بسيدنا رسول الله r.
يروى أن عمر بن الخطاب t أرسل إلى أمالمؤمنين زينب بالذي لها من الصلة والرزق فلما أدخل عليها قالت: غفر الله لعمرغيري من إخواني كان أقوى على قسم هذا مني، فقالوا: هذا كله لك قالت: سبحان الله،ثم استترت بثوب وقالت صبوه واطرحوا عليه ثوبًا وقالت لبرة بنت نافع: أدخلي يدكفاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من أهل رحمها وأيتامها حتىبقيت بقية تحت الثوب فقالت لها برة: يا أم المؤمنين غفر الله لك والله لقد كان لنافي هذا حق، فقالت: لكم ما تحت الثوب، قالت برة: فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهمًاثم رفعت زينب يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا.
ويروى أن عطاءها بلغ اثني عشر ألفدرهم، لم تأخذ إلا في عامها هذا وفرقته على اليتامي والمساكين والمحتاجين، لقدكانت جميع زوجاته r حريصات على البر بالمساكين والمحتاجين ولا يدخرن وسعًافي الإنفاق والبذل راجيات من الرب الكريم أن يتقبل صدقاتهن أحسن القبول.
المتصدقة بالأكفان:
ولما حضرتها الوفاة في العام العشرينمن الهجرة وكانت قد بلغت الثالثة والخمسين من عمرها أرسل لها عمر بن الخطاب t بخمسة أثواب منالخزائن يتخيرها ثوبًا ثوبًا، فكفنت فيها وتصدقت أختها (حمنة) عنها كما أوصيتبكفنها الذي أعدته لتكفن فيه، وبهذا التصرف تعطي زينب أم المؤمنين – رضي الله عنها– للمؤمنين والمؤمنات من بعدها خير المثل وأعظمه في احتساب ماديات الدنيا كلهاعرضًا زائلاً تبتغي به الدار الآخرة التي هي أخلد وأبقى.
والصلاة عليها ودفنها:
روى القاسم بن عبد الرحمن قال: لماتوفيت زينب بنت جحش أم المؤمنين – رضي الله عنها – وكانت أول نساء النبي لحوقًا به(وقد سبق أن قلنا أن سودة بنت زمعة هي أول نسائه لحوقًا به وهو أولى) فلما حملتإلى قبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني أرسلت إلى النسوة يعني أزواج النبيحين مرضت هذه المرأة: أن من يمرضها ويقوم عليها، فأرسلت إليهن حيث قبضت: من يغسلهاويحنطها وكفنها فأرسلن نحن فرأيت أن قد صدقن.
ثم أرسلت إليهن: من يدخل قبرها؟ فأرسلنمن كان يحل له الولوج عليها في حياتها فرأيت أن صدقن فاعتزلوا أيها الناس فنحاهمعن قبرها ثم أدخلها رجلان من أهل بيتها، وكان عمر t هو الذي صلى عليها وتبع جنازتها حتى البقيع، وانتظرحتى فرغ من حفر القبر تكرمة لها واعترافًا بفضلها ومكانتها رضي الله عن أمالمؤمنين وزوجة رسول رب العالمين.
زيد بن محمد:
هو زيد بن حارثة بن شرحبيل، وقصته طريفة ترتبط ارتباطًاوثيقًا بحياة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- وكذلك برسول الله r.
كان طفلاً صغيرًا وقع في السبي، حينأغارت طائفة من قطاع الطرق والصعاليك على القافلة التي كان زيد فيها مع أمه، وقدقصدت زيارة أهلها فأخذ منها وبيع في أسواق مكة، واستقر في بيت خديجة وحين تزوجهارسول الله r أهدته إليه.
وأخذ أهله يبحثون عنه في كل مكان ثمعرفوا أنه عند محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في مكة فجاءوا لفدائه والعودة به.
فلما دخلوا الدار عرفوا بأنفسهم وغرضهموأثنوا على طيب عنصر النبي r وكريم خلقه، فأخرج إليه زيدًا ثم سأله: أتعرف هؤلاء؟
قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي.
ثم قال لهما رسول الله r: «أتريدونخيرًا مما تطلبون؟».
قالوا: وما هو؟
قال r: «أخيّره.. فإن أختاركم فهو حر لوجه الله -تعالى-،وإن اختارني فأشهدوا أنه مني بمنزلة الولد يرثني وأرثه».
فقالوا: لقد أنصفت.
وحين خير زيد في ذلك قال: أنا ليستبالذي أختار عليك أحدًا فخرج أهله من عند محمد r وهم مطمئنون واثقون من حسن اختياره وطيب مقامه.
وكان ذلك قبل البعثة النبوية، ولقدأشهد رسول الله r على ذلك أهل مكة إذ نادى به على الملأ من قريش عندالكعبة، ليعرف القاصى والداني ذلك ومن ذلك الحين أصبح زيد بن حارث يعرف بزيد بنمحمد وكانت عادة التبني سارية وعرفًا متبعًا في الجاهلية واستمر الأمر على ذلكزمنًا حتى أنزل الله – تعالى – حكمه في كتابه العزيز: }ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَأَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِيالدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ{ [الأحزاب: 5].
فعاد زيد إلى نسبه الأصلي الأول وظل على ولائه
لرسول الله r مخلصًا محبًا وفيًا أمينًا مسلمًا مؤمنًا تقيًاوالنسبة للآباء أولى وأجدى وأضمن لسلامة الأحساب والأنساب في المجتمعات الإنسانيةحتى لا تضيع أو تضل في متاهات الصلات البشرية.
زينب فتاة قريش:
وكانت زينب بنت جحش بن رئاب المخزومية،وأمها أمية بنت عبد المطلب الهاشمية عمة رسول الله r، وكانت زينب زينة فتيات مكة تتباهي بأصالة أرومتهاوطيب عنصرها فقد جمعت المجد من طرفيه قمة في فصاحة اللسان، وذروة في الفضائلوالأخلاق.
أسلمت وآمنت وبايعت وظلت عزباء، إذ ردتكثيرًا من الأيدي التي تقدمت لها، لأنها لا تجد فيمن رغب بالزواج منها تكافؤًااجتماعيًا.
زوجها من زيد المولى:
بعد أن هاجر المسلمون من مكة إلىالمدينة، أراد النبي r أن يبني المجتمع المدني على أسس جديدة فيها الثورةعلى كل الأعراف الجاهلية وقيمها الزائفة، أراد أن يبني المجتمع على قاعدة صلبة فيالإخاء الإنساني في الله، بحيث تكون بشرية الإنسان والفرد وتقواه مع الله هيمؤهلاته فقط.. لا ماله ولا حسبه ولا نسبه ولا سلطانه.
بدأت الأخوة في الله تأخذ سبيلها وتمضينحو غايتها، ويروى أن رسول الله r قال لزينب بنت عمته: «إني أريد أن تتزوجي من زيدبن حارثة» وفاجأها الطلب وهز كيانها كله.
فقالت: يا رسول الله لا أرضاه لنفسيوأنا أيم قريش فقال – عليه الصلاة والسلام -: «أما أنا فقد رضيته لك».
وكان القول الفصل فما دام رسول الله r هو الذي ارتضىزيدًا لزينب فمعنى ذلك حكمة ما بعدها حكمة، وتم زواج المولى زيد بن حارثة منالفتاة القرشية ذات الحسب والنسب (زينب بنت جحش)، ولم يعد هناك من فرق بينالزوجين؛ لأن الإسلام سوى بينهما فأكرمهما عند الله اتقاهما.
حتى كان المفترق:
جاء ذات يوم رسول الله r إلى دار زيديسأل عنه لحاجة يريدها فلما علمت زينب بمقدم رسول الله r خرجت مسرعة، وأخبرت رسول الله r بعدم وجود زيد ثم دعته إلى الدخول فأبى -عليه الصلاةوالسلام- رغم إلحاحها ثم غض بصره وأدار ظهره، وتمتم ببعض كلمات لم تسمعها زينب ولمتفهمها سوى أنها سمعته يقول: «سبحان الله سبحان مصرف القلوب».
قلب الرسول البشر:
}قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا{ [الإسراء: 93] لقد كان رسول الله r بشرًا يحسإحساسهم ويتفاعل في كيانه عوامل البشرية الإنسانية.
عاد زيد إلى الدار فأخبرته زينب بكلالوقائع من سؤال
النبي r عنه حتى منصرفه عن باب الدار إلى ما كان يردده منقول وهو في طريق الأوبة؛ عندئذ أسرع زيد إلى رسول الله r ولبى حاجته التي جاء من أجلها، ثم دار الحوار بينزيد وبين رسول الله r في شأن زينب فرد عليه الرسول الكريم قائلاً: «أمسكعليك زوجك» ردد العبارة أكثر من مرة في عزم وتصميم واستمساك بحبل الله المتين؛لأنه كانت من عادة الجاهلية أن يمتنع المتبني عن الزواج من قريبة من تبناه، لأنهكان بمنزلة الولد فلما جاء الإسلام وأبطل عادة التبني ورد الأمر إلى أصوله وجذوره.قال تعالى: }ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْتَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ{ [الأحزاب: 5].
أراد أن يحق الحق بكلماته ويبطل تلكالعادة كلية بأصولها وفروعها وأن يكون رسول الله r هو القدوة في هذا الشأن: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْكَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ [الأحزاب: 21].
ودبر الأمر – سبحانه – على الكيفيةوالصورة المثالية ثم أعقبها بحكمه الشرعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه: }لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِأَدْعِيَائِهِمْ{ [الأحزاب: 37].
استحكم الخلاف بين زيد وزينب وذلك فيشأن من شئون الدنيا ومتاع الحياة وغرض منزلي وهو يرى رأيًا وهي ترى رأيًا آخر.
فكان t يأتي رسول الله طالبًا أن يساعده في الخلاص من زينبوالتفريق بينهما ليأخذ طريقه في الحياة، فيردد النبي r بقوله: «أمسك عليك زوجك» وتكرر الطلب من زيدكما تكرر الرد من رسول الله r وأخيرًا جاء الأمر من السماء بالتفريق وبزواجه r من زينب، يقولالله – عز وجل – في كتابه الكريم: }فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَاوَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيأَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُاللَّهِ مَفْعُولًا{ [الأحزاب: 37].
الزواج:
فلما انقضت عدتها من زيد، أرسل رسولالله r خادمته سلمى لتخبر زينب برغبته – عليه الصلاةوالسلام – بالزواج منها، فلما سمعت زينب بذلك خرت ساجدة وقد استبدت بها الفرحة ثمفأعطت الخادمة التي بشرتها هدايا قيمة ثمينة جزاء ما أخبرتها الخبر الطيب، الخبرالذي كانت تنتظره منذ أمد بعيد كي تنال الحظوة والشرف العظيم وتدخل في عداد أمهاتالمؤمنين، وتتفيأ ظلال بيت النبوة الكريم.
أعظم الولائم وليمة العرس التي أولمهارسول الله r عند زواجه من زينب إذ ذبح فيها شاة ودعا إلى الوليمةما يزيد عن سبعين رجلاً من جلة أصحابه وكبار إخوانه حتى قيل إنه لم يبق في المسجديومها أحد إلا وحضر الطعام وأكلوا جميعًا باسم الله.
الأمر بالحجاب:
مكث الحاضرون المدعوون في بيت رسولالله r وقتًا طويلاً أطول من اللازم ومن المألوف يتحدثونويتسامرون ورسول الله r مشغول بينهم وبين زوجته زينب حتى إنه تأذى من ذلك ولكنهأخفاه في نفسه وفي هذا نزل قوله تعالى: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَالنَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ...{ [الأحزاب: 53].
فرحة زينب – رضي الله عنها -:
قالت زينب – رضي الله عنها -: لما جاءالرسول بتزويج رسول الله إياي جعلت لله علي صوم شهرين.
فلما دخل علي رسول الله r كنت لا أقدر أنأصومها في حضر ولا في سفر تصيبني فيه القرعة، فلما أصابتني القرعة في المقامصمتها، ولقد وصفتها أم سلمة أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقالت: كانت لرسول اللهمعجبة وكان يستكثر منها وكانت امرأة صالحة صوامة قوامه (تجيد الصناعة باليدكالخياطة والغزل وغير ذلك) تتصدق بذلك كله على الناس.
مفاخرتها نساء النبي r وإعجابها بنفسها:
كان فد سبق لنا القول عن إعجاب زينببنفسها في الجمال والمال والحسب، وكان ذلك من أعراف الجاهلية والسبب المباشر فيتأخر زواجها، ولقد كان من هموم النبي r في بناء الشخصية أن يقتلع من جذور النفوس تلكالرواسب وينقيها ويهذبها ويهديها سواء السبيل، كما أننا عرفنا أن من أسباب تزوجزينب – رضي الله عنها – من زيد بن حارثة المولى، كسر حدة تلك الظاهرة لدى زينب،لقد خفت ولكنها لم تنته وما اضطربت حياتها مع زيد t إلا بسبب ذلك، ثم بعد زواجها من رسول الله r وجدت نفسها ضمنمجموع من لآلئ العقد الثمين، ومن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – ولا تعدو أنتكون واحدة منهن لكن عامل الغيرة في الكيان الأنثوي يقبع إلى حين فإذا ما تبدت الفرصةتحرك وأعلن عن نفسه فيروى أنه جرت ذات يوم ملاحاة بينها وبين عائشة – رضي اللهعنها – التي كانت تغار منها غيرة شديدة.
فقالت زينب: إني والله ما أنا كأحد مننساء رسول الله r، إنهن زوجن بالمهور وزوجهن الأولياء، وزوجني اللهرسوله، وأنزل في الكتاب يقرأ به المسلمون لا يبدل ولا يغير.
المتصدقة بالأموال:
كانت شهرة زينب – رضي الله عنها – بشأنالصدقة أكثر منهن جميعًا فما كانت لترضى أن تبيت درهمًا في دارها قبل أن تتصدق بهعلى من هو بحاجة إليه، تنفق كل ما يصل إلى يدها من عطاء تقربًا إلى الله – تعالى –واقتداء بسيدنا رسول الله r.
يروى أن عمر بن الخطاب t أرسل إلى أمالمؤمنين زينب بالذي لها من الصلة والرزق فلما أدخل عليها قالت: غفر الله لعمرغيري من إخواني كان أقوى على قسم هذا مني، فقالوا: هذا كله لك قالت: سبحان الله،ثم استترت بثوب وقالت صبوه واطرحوا عليه ثوبًا وقالت لبرة بنت نافع: أدخلي يدكفاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من أهل رحمها وأيتامها حتىبقيت بقية تحت الثوب فقالت لها برة: يا أم المؤمنين غفر الله لك والله لقد كان لنافي هذا حق، فقالت: لكم ما تحت الثوب، قالت برة: فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهمًاثم رفعت زينب يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا.
ويروى أن عطاءها بلغ اثني عشر ألفدرهم، لم تأخذ إلا في عامها هذا وفرقته على اليتامي والمساكين والمحتاجين، لقدكانت جميع زوجاته r حريصات على البر بالمساكين والمحتاجين ولا يدخرن وسعًافي الإنفاق والبذل راجيات من الرب الكريم أن يتقبل صدقاتهن أحسن القبول.
المتصدقة بالأكفان:
ولما حضرتها الوفاة في العام العشرينمن الهجرة وكانت قد بلغت الثالثة والخمسين من عمرها أرسل لها عمر بن الخطاب t بخمسة أثواب منالخزائن يتخيرها ثوبًا ثوبًا، فكفنت فيها وتصدقت أختها (حمنة) عنها كما أوصيتبكفنها الذي أعدته لتكفن فيه، وبهذا التصرف تعطي زينب أم المؤمنين – رضي الله عنها– للمؤمنين والمؤمنات من بعدها خير المثل وأعظمه في احتساب ماديات الدنيا كلهاعرضًا زائلاً تبتغي به الدار الآخرة التي هي أخلد وأبقى.
والصلاة عليها ودفنها:
روى القاسم بن عبد الرحمن قال: لماتوفيت زينب بنت جحش أم المؤمنين – رضي الله عنها – وكانت أول نساء النبي لحوقًا به(وقد سبق أن قلنا أن سودة بنت زمعة هي أول نسائه لحوقًا به وهو أولى) فلما حملتإلى قبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني أرسلت إلى النسوة يعني أزواج النبيحين مرضت هذه المرأة: أن من يمرضها ويقوم عليها، فأرسلت إليهن حيث قبضت: من يغسلهاويحنطها وكفنها فأرسلن نحن فرأيت أن قد صدقن.
ثم أرسلت إليهن: من يدخل قبرها؟ فأرسلنمن كان يحل له الولوج عليها في حياتها فرأيت أن صدقن فاعتزلوا أيها الناس فنحاهمعن قبرها ثم أدخلها رجلان من أهل بيتها، وكان عمر t هو الذي صلى عليها وتبع جنازتها حتى البقيع، وانتظرحتى فرغ من حفر القبر تكرمة لها واعترافًا بفضلها ومكانتها رضي الله عن أمالمؤمنين وزوجة رسول رب العالمين.
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin