لمسات
بيانية في سورة الضحى
والضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
ما هي دلالة القسم في
قوله تعالى (والضحى)
يذكر أهل التفسير أن
الوحي أبطأ على رسول الله r أياماً
فشق ذلك عليه وقيل له : إن ربك قلاك ، فأنزل الله تعالى هذه السورة رداً على
المشركين وإكراماً للرسول r ،
فلماذا حزن الرسول الكريم وجزع لانقطاع الوحي مع ما يلقاه في سبيل الوحي من العنت
والجهد؟ في الحقيقة انه اختبار من الله تعالى للرسول الكريم: هل هو حريص على الوحي
وما فيه من مشقة أم انه سيرتاح من هذا الوحي الثقيل؟ وهذا فيه توجيه إلى الدعاة
أنه عليهم أن يصبروا ويثبتوا في الدعوة مهما لاقوا من مشقة وعنت في سبيل الدعوة
إلى الله.
الضحى في اللغة :
هو وقت ارتفاع الشمس بعد الشروق
سجى في اللغة :
لها ثلاث معاني ، فهي بمعنى سكن، أو اشتد ظلامه أو غطى مثل تسجية الميت.
أقسم الله تعالى
بالضحى والليل إذا سجى انه ما ودع رسوله وما قلاه، والضحى هنا يمثل نور الوحي
وإشراقه كما قال المفسرون ، والليل يمثل انقطاع الوحي وسكونه والدنيا من غير نور
الوحي ظلام ولذلك قدم سبحانه الضحى هنا لأنه ما سبق من نور الوحي وأخر الليل لما
يمثل من انقطاع الوحي. وقال بعض المفسرين أن القسم يشير أن الانقطاع يمثل
الاستجمام والسكون كما يرتاح الشخص المتعب في الليل ومن معاني سجى السكون وهو يمثل
الراحة وهو نعمة. فالقسم هنا جاء لما تستدعيه الحالة التي هو فيها.
ما اللمسة البيانية في
كلمة (سجى) وليست في كلمتي غشي او يسر ؟
كما في قوله (والليل
إذا يغشى) (والليل إذا يسر) سبق القول أن من معاني سجى: سكن وهذا يمثل سكون الوحي
وانقطاعه وهذا هو السكون، والانقطاع ظلمة وهذا المعنى الثاني لسجى فكلمة سجى جمعت
المعاني كلها التي تدل على انقطاع الوحي وسكونه. أما كلمة يغشى أو يسر فهما تدلان
على الحركة وهذا يناقض المعنى للقسم في هذه السورة. وعليه فان القسم (والضحى
والليل إذا سجى) هو انسب قسم للحالة التي هو فيها من نور الوحي وانقطاعه وكل
قسم في القرآن له علاقة بالمقسم به.
ما الحكم البياني في
استخدام كلمة (والضحى) بدل والفجر او النهار؟
الضحى هو وقت إشراق
الشمس أما النهار فهو كل الوقت من أول النهار إلى آخره ، والضحى يمثل وقت ابتداء
حركة الناس يقابله الليل إذا سجى وهو وقت السكون والراحة. والفجر هو أول دخول وقت
الفجر (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ولا
يكون هناك ضوء بعد أو نور كوقت الضحى بعد شروق الشمس.
- قوله (
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )
أين مفعول الفعل قلى؟
في هذه الآية الكريمة
ذكر مفعول الفعل ودع وهو (الكاف في ودعك) وحذف مفعول الفعل قلى (ولم يقل قلاك)
في اللغة عند العرب
التوديع عادة يكون بين المتحابين والأصحاب فقط ويكون عند فراق الأشخاص. اختلف
النحاة في سبب ذكر مفعول فعل التوديع وحذف مفعول فعل قلى منهم من قال لظهور المراد
بمعنى أن الخطاب واضح من الآيات انه لرسول الله r ومنهم من قال إنها مراعاة لفواصل الآيات في السورة (الضحى،
سجى، قلى، الأولى،...) لكن القرآن العظيم لا يفعل ذلك لفواصل الآيات وحدها على
حساب المعنى أبداً ولا يتعارض المعنى مع الفاصلة والمقام في القرآن كله. فلماذا
إذن هذا الحذف والذكر؟
الذكر من باب التكريم
والحذف من باب التكريم أيضاً. لم يقل الله تعالى قلاك لرسوله الكريم حتى لا ينسب
الجفاء للرسول r فلا يقال للذي
نحب ونجل ما أهنتك ولا شتمتك إنما من باب أدب المخاطبة يقال ما أهنت وما شتمت
فيحذف المفعول به إكراماً للشخص المخاطب وتقديرا لمنزلته وترفع عن ذكر ما يشينه
ولو كان بالنفي.
أما التوديع فالذكر
فيه تكريم للمخاطب فيحسن ذكر المفعول مع أفعال التكريم وحذفه مع أفعال السوء ولو
بالنفي. وهكذا يوجه الله تعالى المسلمين لأدب الكلام ويعلمنا كيف نخاطب الذين
نجلهم ونحترمهم. ولقد جمعت هذه الآية التكريم للرسول من ربه مرتين مرة بذكر
المفعول مع فعل التوديع ومرة بحذف المفعول مع الفعل قلى.
فلماذا قال تعالى "
ربك " ولم يقل " الله " ؟
هنا تكريم آخر من الله
تعالى لرسوله الكريم. فالرب هو المربي والموجه والقيم. وذكر الفاعل وهو الرب إكرام
آخر فلم يقل لم تودع ولم تقلى. والرب هو القيم على الأمر فكيف يودعك وهو ربك لا
يمكن أن يودع الرب عبده كما لا يمكن لرب البيت أن يودعه ويتركه ورب الشيء لا يودعه
ولا يتركه وإنما يرعاه ويحرص عليه. واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله لأن لفظ
الجلالة الله كلمة عامة للناس جميعا ولكن كلمة الرب لها خصوصية وهذا يحمل التطمين
للرسول الكريم من ربه الذي يرعاه ولا يمكن أن يودعه أو يتركه أبداً.
- قوله ( وَلَلْآخِرَةُ
خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى )
اختلف المفسرون في
معنى كلمة الآخرة فمنهم من قال : إنها ما هو غير الدنيا بمعنى الدار
الآخرة. وقسم قال انها كل ما يستقبل من الحياة على العموم كما جاء في قوله تعالى
(فإذا جاء وعد الآخرة ...) الآخرة هنا ليست في القيامة
الآخرة في سورة
الضحى جاءت مقابل الأولى ولم تأت مقابل الدنيا فلم يقل وللآخرة خير لك من الدنيا.
ومعنى الآية أن ما يأتي خير لك أيها الرسول مما مضى ؛ أي من الآن فصاعداً فيما
يستقبل من عمرك هو خير لك من الأولى وأكد ذلك باللام في كلمة وللآخرة. وقد
حصل هذا بالفعل فكل ما استقبل من حياته r خير له مما حصل .
فلماذا لم يقل خير لك
من الدنيا؟
لأنه لو قالها لما صحت
إلا في الآخرة فكأنما حصر الخير في الآخرة فقط ونفى حصول الخير فيما يستقبل من
حياته r وهذه الآية توكيد
لما سبقها في قوله تعالى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى.
ولماذا قال تعالى (لك)
ولم يقل وللآخرة خير من الأولى؟
هذه السورة وسورة
الشرح هما خاصتان بالرسول r وهو المخاطب
المباشر بهما ولو قال تعالى : "وللآخرة خير من الأولى" لما صح هذا القول
لأنه سيكون عاماً للناس جميعاً وهذا ما لا يحصل وعندها ستفيد الإطلاق ولا يصح على
عمومه لان بعض الناس آخرتهم شر لهم من أولاهم ولا يصح هذا الكلام على إطلاقه إنما
لا بد من أن يخصص المعنى وهو للرسول الكريم r بالذات ولهذا قال تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى)
- قوله ( وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )
ما هي علاقة هذه الآية
بما سبقها من الآيات؟
سوف دالة على
الاستقبال وقد سبق أن قال تعالى ( وللآخرة خير لك من الأولى ) وهي تدل أيضاً على
الاستقبال وجاء أيضاً باللام في (ولسوف) وأكده بنفس التوكيد باللام في (وللآخرة)
ولماذا لم يحدد العطاء
بشيء ما وإنما قال ولسوف يعطيك ربك فترضى؟
لقد أطلق سبحانه
العطاء ولم يحدده إنما شمل هذا العطاء كل شيء ولم يخصصه بشيء معين إكراماً للرسول
الكريم r وتوسيعاً للعطاء
وكذلك أطلق فعل الرضى كما أطلق العطاء فجعل العطاء عاماً وجعل الرضى عاماً وذكر
المعطي أيضاً وهو الرب وعلينا أن نتخيل كيف يكون عطاء الرب؟ والعطاء على قدر
المعطي وهذا كله فيه تكريم للرسول كذلك في إضافة ضمير الخطاب " الكاف " في
(ربك) تكريم آخر للرسول r
لماذا اختيار كلمة
(فترضى) ؟
اختيار هذه الكلمة
بالذات في غاية الأهمية ؛ فالرضى هو من أجل النعم على الإنسان وهو أساس الاستقرار
والطمأنينة وراحة البال فإن فقد الرضى حلت الهموم والشقاء ودواعي النكد على الإنسان.
وان فقد في جانب من جوانب الحياة فقد استقراره بقدر ذلك الجانب ولذا جعل الله
تعالى الرضى صفة أهل الجنة (فهو في عيشة راضية) (فارجعي إلى ربك راضية مرضية).
وعدم الرضى يؤدي إلى الضغط النفسي واليأس وقد يؤدي إلى الانتحار. والتعب مع الرضى
راحة والراحة من دونه نكد وتعب، والفقر مع الرضى غنى والغنى من دونه فقر، والحرمان
معه عطاء والعطاء من دونه حرمان. لذا فان اختيار الرضى هو اختيار نعمة من اجل
النعم ولها دلالتها في الحياة عامة وليست خاصة بالرسول الكريم r فإذا رضي الإنسان ارتاح وهدأ باله وسكن وان لم
يرض حل معه التعب والنكد والهموم والقلق مع كل ما أوتي من وسائل الراحة
والاستقرار.
لماذا قال يعطيك
ولم يقل يؤتيك؟
الإيتاء يكون لأمور
مادية وغيرها (الملك، الحكمة، الذكر) أما العطاء فهو خاص بالمادة. والإيتاء أوسع
من العطاء واعم والعطاء مخصص للمال. والإيتاء قد يشمله النزع والعطاء لا يشمله
النزع. (آتيناه آياتنا فانسلخ منها) (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء)
وقد لا يستوجب الإيتاء لشخص ما أن يتصرف بما أوتي ، أما العطاء فلصاحبه حرية
التصرف فيه بالوهب والمنح ولذا قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) لأن الكوثر
أصبح ملكاً للرسول r وكما قال الله
تعالى لسيدنا سليمان u (هذا عطاؤنا
فامنن أو امسك بغير حساب) أي له الحق بالتصرف فيه كما يشاء.
- قوله ( أَلَمْ
يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ( )
هذه الآيات مرتبطة
بالآيات السابقة (ما ودعك ربك وما قلى) (وللآخرة خير لك من الأولى) ومرتبطة
أيضاً بالقسم في أول السورة (والضحى والليل إذا سجى) والآية (ألم يجدك
يتيماً فآوى) تؤكد أن ربه لم يودعه ولم يقله وكذلك في ( وجدك ضالاً فهدى
) وهي كلها تصب في ( وللآخرة خير لك من الأولى) فالإيواء خير من اليتم ؛ والهداية
خير من الضلالة ؛ والاغناء خير من العيلة فكلها مرتبطة بالآية (ما ودعك ربك وما
قلى) وتؤكد معناها.
( وللآخرة خير لك من
الأولى
) فالله تعالى لم يترك رسوله r ليتمه أو لحاجته
أو للضلال هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى هي مرتبطة بالقسم فقد اقسم الله تعالى
بالضحى والليل وما سجى ؛ واليتم ظلمة والإيواء هو النور وكذلك الضلال ظلمة والهدى
نور (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) سورة البقرة، والحاجة والعيلة ظلمة أيضاً
والغنى نور وبهجة.
في هذه الآيات بدأ
سبحانه وتعالى بالظلمة ثم النور (اليتم ثم الايواء، الضلال ثم الهدى، العيلة ثم
الغنى وهذا ليناسب ويتوافق مع قوله تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى)
والأولى هي الظلمة أما الآخرة فهي النور وهي خير له من الأولى.
بيانية في سورة الضحى
والضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
ما هي دلالة القسم في
قوله تعالى (والضحى)
يذكر أهل التفسير أن
الوحي أبطأ على رسول الله r أياماً
فشق ذلك عليه وقيل له : إن ربك قلاك ، فأنزل الله تعالى هذه السورة رداً على
المشركين وإكراماً للرسول r ،
فلماذا حزن الرسول الكريم وجزع لانقطاع الوحي مع ما يلقاه في سبيل الوحي من العنت
والجهد؟ في الحقيقة انه اختبار من الله تعالى للرسول الكريم: هل هو حريص على الوحي
وما فيه من مشقة أم انه سيرتاح من هذا الوحي الثقيل؟ وهذا فيه توجيه إلى الدعاة
أنه عليهم أن يصبروا ويثبتوا في الدعوة مهما لاقوا من مشقة وعنت في سبيل الدعوة
إلى الله.
الضحى في اللغة :
هو وقت ارتفاع الشمس بعد الشروق
سجى في اللغة :
لها ثلاث معاني ، فهي بمعنى سكن، أو اشتد ظلامه أو غطى مثل تسجية الميت.
أقسم الله تعالى
بالضحى والليل إذا سجى انه ما ودع رسوله وما قلاه، والضحى هنا يمثل نور الوحي
وإشراقه كما قال المفسرون ، والليل يمثل انقطاع الوحي وسكونه والدنيا من غير نور
الوحي ظلام ولذلك قدم سبحانه الضحى هنا لأنه ما سبق من نور الوحي وأخر الليل لما
يمثل من انقطاع الوحي. وقال بعض المفسرين أن القسم يشير أن الانقطاع يمثل
الاستجمام والسكون كما يرتاح الشخص المتعب في الليل ومن معاني سجى السكون وهو يمثل
الراحة وهو نعمة. فالقسم هنا جاء لما تستدعيه الحالة التي هو فيها.
ما اللمسة البيانية في
كلمة (سجى) وليست في كلمتي غشي او يسر ؟
كما في قوله (والليل
إذا يغشى) (والليل إذا يسر) سبق القول أن من معاني سجى: سكن وهذا يمثل سكون الوحي
وانقطاعه وهذا هو السكون، والانقطاع ظلمة وهذا المعنى الثاني لسجى فكلمة سجى جمعت
المعاني كلها التي تدل على انقطاع الوحي وسكونه. أما كلمة يغشى أو يسر فهما تدلان
على الحركة وهذا يناقض المعنى للقسم في هذه السورة. وعليه فان القسم (والضحى
والليل إذا سجى) هو انسب قسم للحالة التي هو فيها من نور الوحي وانقطاعه وكل
قسم في القرآن له علاقة بالمقسم به.
ما الحكم البياني في
استخدام كلمة (والضحى) بدل والفجر او النهار؟
الضحى هو وقت إشراق
الشمس أما النهار فهو كل الوقت من أول النهار إلى آخره ، والضحى يمثل وقت ابتداء
حركة الناس يقابله الليل إذا سجى وهو وقت السكون والراحة. والفجر هو أول دخول وقت
الفجر (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ولا
يكون هناك ضوء بعد أو نور كوقت الضحى بعد شروق الشمس.
- قوله (
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )
أين مفعول الفعل قلى؟
في هذه الآية الكريمة
ذكر مفعول الفعل ودع وهو (الكاف في ودعك) وحذف مفعول الفعل قلى (ولم يقل قلاك)
في اللغة عند العرب
التوديع عادة يكون بين المتحابين والأصحاب فقط ويكون عند فراق الأشخاص. اختلف
النحاة في سبب ذكر مفعول فعل التوديع وحذف مفعول فعل قلى منهم من قال لظهور المراد
بمعنى أن الخطاب واضح من الآيات انه لرسول الله r ومنهم من قال إنها مراعاة لفواصل الآيات في السورة (الضحى،
سجى، قلى، الأولى،...) لكن القرآن العظيم لا يفعل ذلك لفواصل الآيات وحدها على
حساب المعنى أبداً ولا يتعارض المعنى مع الفاصلة والمقام في القرآن كله. فلماذا
إذن هذا الحذف والذكر؟
الذكر من باب التكريم
والحذف من باب التكريم أيضاً. لم يقل الله تعالى قلاك لرسوله الكريم حتى لا ينسب
الجفاء للرسول r فلا يقال للذي
نحب ونجل ما أهنتك ولا شتمتك إنما من باب أدب المخاطبة يقال ما أهنت وما شتمت
فيحذف المفعول به إكراماً للشخص المخاطب وتقديرا لمنزلته وترفع عن ذكر ما يشينه
ولو كان بالنفي.
أما التوديع فالذكر
فيه تكريم للمخاطب فيحسن ذكر المفعول مع أفعال التكريم وحذفه مع أفعال السوء ولو
بالنفي. وهكذا يوجه الله تعالى المسلمين لأدب الكلام ويعلمنا كيف نخاطب الذين
نجلهم ونحترمهم. ولقد جمعت هذه الآية التكريم للرسول من ربه مرتين مرة بذكر
المفعول مع فعل التوديع ومرة بحذف المفعول مع الفعل قلى.
فلماذا قال تعالى "
ربك " ولم يقل " الله " ؟
هنا تكريم آخر من الله
تعالى لرسوله الكريم. فالرب هو المربي والموجه والقيم. وذكر الفاعل وهو الرب إكرام
آخر فلم يقل لم تودع ولم تقلى. والرب هو القيم على الأمر فكيف يودعك وهو ربك لا
يمكن أن يودع الرب عبده كما لا يمكن لرب البيت أن يودعه ويتركه ورب الشيء لا يودعه
ولا يتركه وإنما يرعاه ويحرص عليه. واختيار كلمة الرب بدل كلمة الله لأن لفظ
الجلالة الله كلمة عامة للناس جميعا ولكن كلمة الرب لها خصوصية وهذا يحمل التطمين
للرسول الكريم من ربه الذي يرعاه ولا يمكن أن يودعه أو يتركه أبداً.
- قوله ( وَلَلْآخِرَةُ
خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى )
اختلف المفسرون في
معنى كلمة الآخرة فمنهم من قال : إنها ما هو غير الدنيا بمعنى الدار
الآخرة. وقسم قال انها كل ما يستقبل من الحياة على العموم كما جاء في قوله تعالى
(فإذا جاء وعد الآخرة ...) الآخرة هنا ليست في القيامة
الآخرة في سورة
الضحى جاءت مقابل الأولى ولم تأت مقابل الدنيا فلم يقل وللآخرة خير لك من الدنيا.
ومعنى الآية أن ما يأتي خير لك أيها الرسول مما مضى ؛ أي من الآن فصاعداً فيما
يستقبل من عمرك هو خير لك من الأولى وأكد ذلك باللام في كلمة وللآخرة. وقد
حصل هذا بالفعل فكل ما استقبل من حياته r خير له مما حصل .
فلماذا لم يقل خير لك
من الدنيا؟
لأنه لو قالها لما صحت
إلا في الآخرة فكأنما حصر الخير في الآخرة فقط ونفى حصول الخير فيما يستقبل من
حياته r وهذه الآية توكيد
لما سبقها في قوله تعالى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى.
ولماذا قال تعالى (لك)
ولم يقل وللآخرة خير من الأولى؟
هذه السورة وسورة
الشرح هما خاصتان بالرسول r وهو المخاطب
المباشر بهما ولو قال تعالى : "وللآخرة خير من الأولى" لما صح هذا القول
لأنه سيكون عاماً للناس جميعاً وهذا ما لا يحصل وعندها ستفيد الإطلاق ولا يصح على
عمومه لان بعض الناس آخرتهم شر لهم من أولاهم ولا يصح هذا الكلام على إطلاقه إنما
لا بد من أن يخصص المعنى وهو للرسول الكريم r بالذات ولهذا قال تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى)
- قوله ( وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )
ما هي علاقة هذه الآية
بما سبقها من الآيات؟
سوف دالة على
الاستقبال وقد سبق أن قال تعالى ( وللآخرة خير لك من الأولى ) وهي تدل أيضاً على
الاستقبال وجاء أيضاً باللام في (ولسوف) وأكده بنفس التوكيد باللام في (وللآخرة)
ولماذا لم يحدد العطاء
بشيء ما وإنما قال ولسوف يعطيك ربك فترضى؟
لقد أطلق سبحانه
العطاء ولم يحدده إنما شمل هذا العطاء كل شيء ولم يخصصه بشيء معين إكراماً للرسول
الكريم r وتوسيعاً للعطاء
وكذلك أطلق فعل الرضى كما أطلق العطاء فجعل العطاء عاماً وجعل الرضى عاماً وذكر
المعطي أيضاً وهو الرب وعلينا أن نتخيل كيف يكون عطاء الرب؟ والعطاء على قدر
المعطي وهذا كله فيه تكريم للرسول كذلك في إضافة ضمير الخطاب " الكاف " في
(ربك) تكريم آخر للرسول r
لماذا اختيار كلمة
(فترضى) ؟
اختيار هذه الكلمة
بالذات في غاية الأهمية ؛ فالرضى هو من أجل النعم على الإنسان وهو أساس الاستقرار
والطمأنينة وراحة البال فإن فقد الرضى حلت الهموم والشقاء ودواعي النكد على الإنسان.
وان فقد في جانب من جوانب الحياة فقد استقراره بقدر ذلك الجانب ولذا جعل الله
تعالى الرضى صفة أهل الجنة (فهو في عيشة راضية) (فارجعي إلى ربك راضية مرضية).
وعدم الرضى يؤدي إلى الضغط النفسي واليأس وقد يؤدي إلى الانتحار. والتعب مع الرضى
راحة والراحة من دونه نكد وتعب، والفقر مع الرضى غنى والغنى من دونه فقر، والحرمان
معه عطاء والعطاء من دونه حرمان. لذا فان اختيار الرضى هو اختيار نعمة من اجل
النعم ولها دلالتها في الحياة عامة وليست خاصة بالرسول الكريم r فإذا رضي الإنسان ارتاح وهدأ باله وسكن وان لم
يرض حل معه التعب والنكد والهموم والقلق مع كل ما أوتي من وسائل الراحة
والاستقرار.
لماذا قال يعطيك
ولم يقل يؤتيك؟
الإيتاء يكون لأمور
مادية وغيرها (الملك، الحكمة، الذكر) أما العطاء فهو خاص بالمادة. والإيتاء أوسع
من العطاء واعم والعطاء مخصص للمال. والإيتاء قد يشمله النزع والعطاء لا يشمله
النزع. (آتيناه آياتنا فانسلخ منها) (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء)
وقد لا يستوجب الإيتاء لشخص ما أن يتصرف بما أوتي ، أما العطاء فلصاحبه حرية
التصرف فيه بالوهب والمنح ولذا قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) لأن الكوثر
أصبح ملكاً للرسول r وكما قال الله
تعالى لسيدنا سليمان u (هذا عطاؤنا
فامنن أو امسك بغير حساب) أي له الحق بالتصرف فيه كما يشاء.
- قوله ( أَلَمْ
يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ( )
هذه الآيات مرتبطة
بالآيات السابقة (ما ودعك ربك وما قلى) (وللآخرة خير لك من الأولى) ومرتبطة
أيضاً بالقسم في أول السورة (والضحى والليل إذا سجى) والآية (ألم يجدك
يتيماً فآوى) تؤكد أن ربه لم يودعه ولم يقله وكذلك في ( وجدك ضالاً فهدى
) وهي كلها تصب في ( وللآخرة خير لك من الأولى) فالإيواء خير من اليتم ؛ والهداية
خير من الضلالة ؛ والاغناء خير من العيلة فكلها مرتبطة بالآية (ما ودعك ربك وما
قلى) وتؤكد معناها.
( وللآخرة خير لك من
الأولى
) فالله تعالى لم يترك رسوله r ليتمه أو لحاجته
أو للضلال هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى هي مرتبطة بالقسم فقد اقسم الله تعالى
بالضحى والليل وما سجى ؛ واليتم ظلمة والإيواء هو النور وكذلك الضلال ظلمة والهدى
نور (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) سورة البقرة، والحاجة والعيلة ظلمة أيضاً
والغنى نور وبهجة.
في هذه الآيات بدأ
سبحانه وتعالى بالظلمة ثم النور (اليتم ثم الايواء، الضلال ثم الهدى، العيلة ثم
الغنى وهذا ليناسب ويتوافق مع قوله تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى)
والأولى هي الظلمة أما الآخرة فهي النور وهي خير له من الأولى.
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin