سبق أن عرفنا نهي الدين عن التفرق، وذكرنا الأدلة من القرآن الكريم ومن
السنة النبوية على ذلك، كما تبين لنا كذلك الخطر الذي يكمن في طريق الأمة
الإسلامية، والذي يعوقها عن الوصول إلى الغاية التي أمرهم الله بها. وكيف
أنهم حينما يتفرقون ويصبحون أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون-يصبحون أمة
ضعيفة لا قيمة لها، كما هي سنة الله في الذين خَلَوا من قبل.
ويجري عليهم نفس المصير الذي جرى على الأمم قبلهم، لأنه لا نجاة ولا
عزة إلا بالتمسك بالإسلام الذي رفع الله به أقواماً قبلوه وأذل به آخرين
استكبروا عنه، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن الشقاء إلى
السعادة ومن الجهل إلى العلم، وعاش الناس في ظلاله عيشة في منتهى السعادة.
وقد مضت تلك الأيام غرة في جبين الدهر، ولسان حال المسلمين اليوم يقول:
وودّ بجدع الأنف لو عاد عهدها وعاد له فيها مصيف ومريع
تنكر للإسلام كثير ممن يتظاهر به، ويزعم أنه يسير على نهجه فألحق
بالمسلمين الذل بعد ذلك العز الذي غمر شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها،
وكان هؤلاء أشد على الإسلام والمسلمين من أعدائه الظاهرين حين أعرضوا عن
تعاليم الإسلام المشرقة، وصاروا صعاليك يستجدون موائد الشرق والغرب
القذرة، وعملوا ليلاً ونهاراً، سراً وإعلاناً على إضعاف المسلمين وتشكيكهم
في دينهم وتشتيت أمرهم.
وقد ساعدهم على ذلك أعداء الإسلام الذين يتربصون به الدوائر (عليهم دائرة السَّوء وغضب الله عليهم) والذين يمدونهم بكل ما لديهم من التشجيع المادي والمعنوي، فإذا بهم يتحولون إلى وحوش وسباع ضارية، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
لقد تربى هؤلاء على موائد الكفرة ودرسوا في مدارسهم، وأتقنوا مناهجه
ثم أظهروا أنفسهم أبطالاً فاتحين، واتخذوا لأنفسهم شعارات براقة خادعة وهم
ما بين ثوري اشتراكي شيوعي، أو بعثي زنديق حاقد، أو رأسمالي جشع حقود
حسود، أو ماسوني أينما يوجه لا يأت بخير، فابتلي المسلمون بهم أشد البلاء،
وتوالت عليهم المحن، وظهر الإلحاد، وتفرقت بسببهم الكلمة، وظهر قرن الشر،
وفشت الدعارة علانية، وصار المتمسكون بدينهم غرباء.
وبعد تلك المحن كلها مما لا يمكن وصفه امتن الله على المؤمنين، وظهرت
بوادر صحوة يتمنى كل مسلم أن تتم بخير، مع الخوف الشديد أن توجه تلك
الصحوات وجهة في غير مسارها الصحيح، فتنتكس الأمة انتكاساً ربما لا تقوم
لهم قائمة - لا سمح الله- إذا نجح هؤلاء النقلابيون على كل شيء حتى على
دينهم ورسالة نبيهم، لأنهم يريدون قلب كل شيء، وتحويل كل معتقد إلى
معتقداتهم الفاسدة، ثم السير بهم في تلك السبل التي تربوا عليها، وهي
السبل التي حذرنا الله من سلوكها، إن المتتبع لنشاط هؤلاء ودوافعهم تنكشف
له اللعب السياسية والاجتماعية الخطيرة التي تدفع بأتباعها من ظهورهم إلى
حيث لا يدرون، ومن حيث لا تمكنهم من معرفة ما هم واردون عليه.
قد أحاطوهم بصراخ وعويل أفقدوهم حتى مجرد اللحظة التي يفكرون فيها،
وبخبث ودهاء تظافرت جهودهم يصدق بعضها بعضاً، الجريدة، والمجلة، والكتاب،
والتلفزيون، والإذاعة، وإعلانات الشوارع، وندوات المجالس، ونثر ونظم،
وتمثيليات وفكاهات؛ فأحاطوهم من كل جهة، ودخلوا معهم في كل مجال من مجالات
الحياة.
وجعلوهم لا يفكرون إلا فيهم، وفي تنفيذ دعاياتهم في كل وقت -وهم
يمشون، أو على مكاتبهم، أو في بيوتهم، أو في اجتماعاتهم، أو في انفرادهم؛
حتى أخذوا منهم كل أوقاتهم، وخدعوهم عن كل ما يمت إلى تدبر أمرهم فأصبحوا
فريسة سهلة، لا حراك بها أمام هؤلاء سراق عقول البشر الذين يصطادون في
الماء العكر، قد دخلوا في المجتمعات المحافظة على سلامة عقيدتها كما تدخل
الجراثيم.
فأصبح الكثير من شباب الأمة الإسلامية - إلا من رحم الله- عقولهم
معهم وأيديهم تكتب عنهم وتمجدهم وأرجلهم تمشي إلى مجالسهم، وألسنتهم تنطق
بدعاياتهم وأكاذيبهم وحيلهم. ولا شك أن ثمن ذلك كله تفرق الكلمة وتشتت
الآراء تحت غطاء إصلاح وتقدم الأمة، والوصول إلى التطور والتجديد، أو غير
ذلك من الأكاذيب.
جندوا كل أولئك لهدف واحد هو محاربة الدين والعادات الإسلامية،
وتفكيك الروابط المتينة التي بناها الإسلام والتي تقف دون رغباتهم الجنسية
والاجتماعية والسياسية والثقافية.
وجنَّدوهم كذلك لقطع أوصال الأمة وإلقاء بذور الشقاق بينهم- على
طريقة فَرِّقْ تَسُد- ودربوهم على طريقة إلصاق التهم بالآخرين من أهل الحق
وتشويه سمعتهم، ثم ألقوا بينهم مختلف الآراء الفكرية شغلوا الأمة بها.
ولم يفلحوا في شيء مثلما أفلحوا في تفريق كلمة المسلمين، وإشاعة
الفرقة والعداوة بينهم، وبغي بعضهم على بعض، والتفنن في اللمز ورفع
الشعارات، وهذا ما يفسره لنا وَلَعُهُمْ بقيام الأحزاب المتناقضة في
الآراء لإلهاء الناس عن مراقبة ما يقومون به.
ونتج عن ذلك استحكام الفرقة، ونشوء الأحزاب والجماعات المتصارعة،
وإفساح المجال واسعاً لكل طامع في تفتيت الأمة، الذين هم كالجسد الواحد؟
إنهم يلهثون لاستعباد عقول الناس بأي ثمن كان، حتى ولو كان تفرقة أهل
البيت الواحد ما دام ذلك يحقق لهم مصالحهم، ويجعلهم قادة للقطعان الذين
يتبعونهم بغير تدبر ولا روية منخدعين بزخارف أقوال أولئك الذين فسدت
فطرهم، وانتكست مفاهيمهم، حتى أصبحوا يرون المعروف منكراً، والمنكر
معروفاً، والباطل حقاً، والحق باطلاً.
عقاب من الله لهم لانحرافهم عن النهج الرباني، وعن الصراط المستقيم،
والسبيل المبين إلى سبل وشبهات على رأس كل سبيل منها شيطان يدعو إليه كما
تقدم بيان المصطفى صلى الله عليه وسلم لهذا المسلك في الحديث الثابت عنه .
وبالبحث عن أسباب تفرق الأمة الإسلامية، قديماً وحديثاً، يتضح أن
أسباباً عديدة عملت مجتمعة على ذلك التفرق بعضها معلن وبعضها خفي، وهذا لا
يمنع أنه قد يوجد لكل طائفة من العوامل ما لا توجد عند الطوائف الأخرى،
ولهذا فإنه من الإطالة البحث عن الأسباب التي أدت إلى خروج كل طائفة من
الطوائف التي يموج بها العالم الإسلامي.
وتفصيل ذلك والتوسع فيه كل طائفة على حدة ودراسة تلك الأسباب
والمقارنة بينها وبين الأسباب للطوائف الأخرى فهذا يحتاج إلى دراسة خاصة،
تبدأ بذكر ما جرى بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحداث مروراً ببيان الخلاف الحاد الذي أنتجه أمر الخلافة لمن تكون وكيف
تمت في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، ومواقف الناس منها.
ثم بيان ما حصل من ابن سبأ من مؤامرات ومواقف خبيثة أدت إلى ارتكاب
جريمة مروعة في عصر الصحابة؛ وهي قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه
علانية، وما أعقب ذلك من مواجهة حربية بين علي رضي الله عنه وطلحة والزبير
ومن معهما في معركة الجمل بتأثير أعداء الله السبيئة.
ثم امتداد الفتنة بصورة شاملة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في
معركة صفين، وما نتج عنها بعد ذلك من أمر التحكيم الذي شطر جيش علي رضي
الله عنه إلى حزبين متضادين هما: الخوارج والشيعة، وما أحدثه هؤلاء من
أفكار نسبوها إلى الدين الإسلامي بعد ذلك.
وتلك الأحداث كانت بمثابة مرض ألمّ بجسم الأمة أفقده الكثير من
المناعة؛ فظهرت بوادر أمراض كثيرة فيه، فَبَزَغَ قرن الشيطان عند ذلك
وتوالت المصائب وأسباب التفرق المتعددة الأشكال، فظهرت العصبيات البغيضة،
والقوميات المتصارعة، والرغبة في السيطرة والزعامة، وتفاوتت المفاهيم
فظهرت المذاهب الفكرية للفرق المختلفة، من خوارج، ومعتزلة، وقدرية،
ومرجئة، وشيعة...إلخ، فأسسوا الآراء التي فرقت المسلمين، وغذوها
بالتأويلات الفاسدة اتباعاً لأهوائهم.
وظهر الغلو الممقوت نتيجة لتمجيد كل طائفة لآرائها ولرجالها وقويت الرغبة لدى كل طائفة للاستقلال بأتباعها.
ثم جاء دور التلاعب بالنصوص من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلة الله
عليه وسلم، وجرت كل طائفة مفاهيم تلك النصوص إلى ما يوافق ما أسسته من
مفاهيم سقيمة وعقائد خاطئة فاختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.
ولئن كانت دراسة كل تلك الأمور بالتفصيل والتوسع غير واردة هنا لما
قدمناه سابقاً فإنه يمكن الاقتصار والإشارة إلى أهم الأسباب التي أدت إلى
ذلك التفرق الحاصل في العالم الإسلامي بصورة إجمالية عامة، سواء كان ذلك
في الزمن القديم أو في الأزمان التي جاءت بعده.
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin