ان من آثار التهجير الجماعي للمسلمين من الأندلس
ونزوح أعداد كبيرة منهم إلى الشمال الأفريقي حدوث العديد من المشكلات
الاجتماعية والاقتصادية في ولايات الشمال الأفريقي.
ولما كان من بين
المسلمين النازحين إلى هذه المناطق أعداد وفيرة من البحارة ، فكان من
الضروري أن تبحث عن الوسائل الملائمة لاستقرارها ، إلا أن بعض العوامل قد
توافرت لتدفع بأعداد من هؤلاء البحارة إلى طريق الجهاد ضد القوى المسيحية
في البحر المتوسط ، ويأتي في مقدمة هذه الأسباب الدافع الديني بسبب الصراع
بين الإسلام والنصرانية وإخراج المسلمين من الأندلس ومتابعة الأسبان
والبرتغال للمسلمين في الشمال والأفريقي.
وقد ظلت حركات الجهاد
الإسلامي ضد الأسبان والبرتغاليين غير منظمة حتى ظهور الأخوان خير الدين
وعروج بربروسا واستطاعا تجميع القوات الإسلامية في الجزائر وتوجيها نحو
الهدف المشترك لصد أعداء الإسلام عن التوسع في موانئ ومدن الشمال الأفريقي.
وقد
اعتمدت هذه القوة الإسلامية الجديدة في جهادها أسلوب الكر والفر في البحر
بسبب عدم قدرتها في الدخول في حرب نظامية ضد القوى المسيحية من الأسبان
والبرتغاليين وفرسان القديس يوحنا ، وقد حقق هؤلاء المجاهدين نجاحاً أثار
قلق القوى المعادية ، ثم رأوا بنظرهم الثاقب أن يدخلوا تحت سيادة الدولة
العثمانية لتوحيد جهود المسلمين ضد النصارى الحاقدين.
وقد حاول
المؤرخون الأوروبيون التشكيك في طبيعة الحركة الجهادية في البحر المتوسط
ووصفوا دورها بالقرصنة وكذلك شككوا في أصل أهم قادتها وهما خير الدين
وأخوه عروج الأمر الذي يفرض ضرورة إلقاء الضوء على دور الأخوين وأصلهما ،
وأثر هذه الحركة على الدور الصليبي في البحر المتوسط في زمن السلطان سليم
والسلطان سليمان القانوني.
أولاً : أصل الأخوين عروج وخير الدين :
يرجع
أصل المجاهدين إلى الأتراك المسلمين وكان والدهما يعقوب بن يوسف من بقايا
الفاتحين المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة مدللي إحدى جزر
الأرخبيل. وأمهم سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على أولادها في تحويل
نشاطهم شطر بلاد الأندلس التي كانت تئن في ذلك الوقت من بطش الأسبان
والبرتغاليين. وكان لعروج وخير الدين أخوان مجاهدان هما إسحاق ومحمد إلياس.
إن
ما ذكر عن الدور الذي لعبه الأخوان يؤكد حرصهما على الجهاد في سبيل الله
ومقاومة أطماع أسبانيا والبرتغال في الممالك الإسلامية في شمالي أفريقيا
ولقد أبدع الأخوان في الجهاد البحري ضد النصارى وأصبح لحركة الجهاد البحري
في القرن السادس عشر مراكز مهمة في شرشال ووهران والجزائر ودلي وبجاية
وغيرها في أعقاب طرد المسلمين من الأندلس ، وقد قويت بفعل انضمام المسلمين
الفارين من الأندلس والعارفين بالملاحة وفنونها والمدربين على صناعة السفن.
ثانياً : دور الأخوين في الجهاد ضد الغزو النصراني :
اتجه
الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر ، ووجها نشاطهما في
البداية إلى بحر الأرخبيل المحيط بمسقط رأسهما حوالي سنة 1510م ، لكن
ضراوة الصراع بين القوى المسيحية في بلاد الأندلس وفي شمالي أفريقيا بين
المسلمين هناك ، والذي اشتد ضراوة في مطلع القرن السادس عشر ، قد استقطب
الأخوين لينقلا نشاطهما إلى هذه المناطق وبخاصة بعد أن تمكن الأسبان
والبرتغاليون من الاستيلاء على العديد من المراكز والموانئ البحرية في
شمالي أفريقيا.
وقد حقق الأخوان العديد من الانتصارات على القراصنة
المسيحيين الأمر الذي أثار إعجاب القوى الإسلامية الضعيفة في هذه المناطق
، ويبدو ذلك من خلال منح السلطان "الحفصي" لهم حق الاستقرار في جزيرة جربة
التونسية وهو أمر عرضه لهجوم أسباني متواصل اضطره لقبول الحماية الأسبانية
بالضغط والقوة ، كما يبدو من خلال استنجاد أهالي هذه البلاد بهما ،
وتأثيرهم داخل بلدهم مما أسهم في وجود قاعدة شعبية لهما تمكنهما من حكم
الجزائر وبعض المناطق المجاورة. ويرى بعض المؤرخين أن دخول "عروج" وأخيه
الجزائر وحكمهما لها لم يكن بناءً على رغبة السكان ، ويستند هؤلاء إلى
وجود بعض القوى التي ظلت تترقب الفرص لطرد الأخوين والأتراك والمؤيدين
لهما ، لكن البعض الآخر يرون أن وصول "عروج" وأخيه كان بناءاً على استدعاء
من سكانها لنجدتهم من الهجوم الأسباني الشرس ، وأن القوى البسيطة التي
قاومت وجودهما كانت تتمثل في بعض الحكام الذين أبعدوا عن الحكم أمام
محاولات الأخوين الجادة في توحيد البلاد حيث كانت قبل وصولهما أشبه بدولة
ملوك الطوائف في الأندلس ، وقد سائد أغلب أهل البلاد محاولات الأخوين
واشتركت أعداد كبيرة منهم في هذه الحملات ، كما ساندهما العديد من الحكام
المحليين الذين شعروا بخطورة الغزو الصليبي الأسباني.
ويظهر دور
الأخوين المجاهدين بمحاولة تحرير بجاية من الحكم الأسباني سنة 1512م، وقد
نقلا – لهذا الغرض – قاعدة عملياتها ضد القوات الأسبانية في ميناء جيجل
شرقي الجزائر بعد أن تمكنا من دخولها وقتل حماتها الجنوبيين سنة 1514م لكي
تكون محطة تقوية لتحرير بجاية من جهة ولمحاولة مساعدة مسلمي الأندلس من
جهة أخرى ، ويبدو أن الأخوين قد واجها تحالفاً قوياً نتج عنه العديد من
المعارك النظامية وهو أمر لم يتعودوه لكن أجبروا عليه بفعل الاستقرار في
حكم الجزائر ، وزاد من حرج الموقف قتل "عروج" في إحدى المعارك سنة 1518م
مما اضطر خير الدين للبحث عن تحالف يعينه على الاستقرار والمقاومة سواء
لدورها البارز في ساحة البحر المتوسط أم لأن القوى المحلية في الشمال
الأفريقي كانت متعاطفة معها.
وتتابع انتصاراتها على الساحة الأوروبية
منذ فتح القسطنطينية وأن الاتجاه لمخالفتها سيسكب دور خير الدين مزيداً من
التأييد من قبل هذه القوى ، وإلى جانب ذلك فإن الدولة العثمانية قد أبدت
استجابة للمساعدة حين طلب منها الأخوان ذلك ، كما أبدت رغبتها في مزيد من
المساعدات لدوره وكذلك لبقايا المسلمين في الأندلس ، ومن منظور ديني أسهم
في إكساب دورها تأييداً جماهيرياً وجعل محاولة التقرب منهما أو التحالف
معهما عملاً مرغوباً.
ومن جهة أخرى كانت الظروف في الدولة العثمانية
على عهد السلطان سليم الأول مهيأة لقبول هذا التحالف وبخاصة بعد أن اتجهت
القوات العثمانية إلى الشرق العربي ، وكان من أبرز أهدافها في هذا الاتجاه
هو التصدي لدور البرتغاليين والأسبان وفرسان القديس يوحنا في المنطقة ،
وكان من المنطقي التحالف مع أي من القوى المحلية التي تعينها على تحقيق
هذه الأهداف.
ثالثاً : التحالف مع العثمانيين :
اختلف علماء التاريخ
حول بداية التحالف بين العثمانيين والأخوين عروج وخير الدين ، فتذكر بعض
المراجع أن السلطان سليم الأول كان وراء إرسالهم إلى الساحل الأفريقي
تلبية لطلب المساعدة من سكان الشمال الأفريقي وعملاً على تعطيل أهداف
البرتغاليين والأسبان في منطقة البحر المتوسط. وعلى الرغم من عدم تداول
هذه الرواية بين المؤرخين إلا أنها توضح أن العثمانيين لم يكونوا بمعزل عن
الأحداث التي تدور على مساحة البحر المتوسط.
ويرجع بعض المؤرخين
التحالف بين الجانبين إلى سنة 1514م في أعقاب فتح عروج وخير لميناء "جيجل"
حيث أرسل الأخوان إلى السلطان سليم الأول مجموعة من النفائس التي استوليا
عليها بعد فتح المدينة ، فقبلها السلطان ورد لهما الهدية بإرسال أربع عشر
سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود ، وكان هذا الرد من السلطان العثماني
يعكس رغبته في استمرار نشاط دور الأخوين ودعمه. على أن بعض المؤرخين
يذكرون أن الدعم العثماني لهذه الحركة كان في أعقاب وفاة "عروج" سنة 1518م
وبعد عودة السلطان العثماني من مصر إلى استانبول سنة 1519م.
على أن
الرأي الأكثر ترجيحاً أن الاتصالات بين العثمانيين وهذه الحركة كان سابقاً
لوفاة عروج وقبل فتح العثمانيين للشام ومصر ، وذلك يرجع إلى أن الأخوين
كانا في أمس الحاجة لدعم أو تحالف مع العثمانيين بعد فشلهما في فتح
(بجاية) ، كما أنهما حوصروا في "جيجيل" بين الحفصيين الذين أصبحوا من
أتباع الأسبان وبين (سالم التومي) حاكم الجزائر الذي ارتكز حكمه على دعم
الأسبان له هو الآخر ، فضلاً عن قوة الأسبان وفرسان القديس يوحنا التي
تحاصرهما في البحر ، فكان لوصول الدعم العثماني أثره على دعم دورهما
وشروعهما في دخول الجزائر برغم هذه العوامل حيث اتفق العثمانيون مع
الأخوين على ضرورة الإسراع بدخولهما قبل القوات الأسبانية لموقعها الممتاز
من ناحية ولكي يسبقوا الأسبان إليها ، لاتخاذها قاعدة لتخريب الموانئ
الإسلامية الواقعة تحت الاحتلال الأسباني كبجاية وغيرها من ناحية أخرى.
وقد
تمكن عروج من دخول الجزائر بفضل هذا الدعم وقتل حاكمها بعد أن تأكد من
مساعيه للاستعانة بالقوات الأسبانية ، كما تمكن من دخول ميناء شرشال ،
واجتمع له الأمر في الجزائر وبويع في نفس السنة التي هزمت فيها القوات
المملوكية أمام القوات العثمانية في الشام سنة 1516م في موقعة مرج دابق.
ولم
يكن من الممكن للأخوين أن يقوما بهذه الفتوحات لولا تشجيع السلطان
العثماني ودعمه إلى جانب دعم شعوب المنطقة وقد سبق أن فشلا في دخول بجاية
أمام نفس القوات المعادية.
بعد أن بويع "خير الدين" في الجزائر في
أعقاب ما حققه من انتصارات على الأسبان والزعماء المحليين المتحالفين معهم
أصبح محط آمال كثير من الولايات والموانئ التي كانت ما زالت خاضعة سواء
للأسبان أو لعملائهم ، وكان أول الذين طلبوا نصرته أهل تلمسان. ومع أن
استنجاد الأهالي كان من الممكن أن يكون كافياً لتدخل "خير الدين" إلا أن
موقع تلمسان الاستراتيجي الذين كان يجعل وجود "خير الدين" في الجزائر غير
مستتب قد جعله يفكر في التدخل قبل أن يطلب الأهالي نجدته ، وأن مطالبهم قد
دعته للتعجيل بذلك.
وأعد "خير الدين" جيشاً كبيراً زحف به إلى تلمسان
سنة 1517م ، وأمن الطريق إليها ، وبعد أن نجح في السيطرة عليها تمكن
الأسبان ، وعملاؤهم من بني حمود ، من استعادتها ولقي أحد إخوة (خير الدين)
حتفه وهو "إسحاق" ، كما قتل "عروج" وكثيرون من رجاله أثناء حصارهم للمدينة
ذلك الحصار الذي امتد لستة أشهر أو يزيد ، امتد حتى سنة 1518م.
وقد
تركت هذه الأحداث أثراً بالغاً في نفس خير الدين مما دفعه إلى التفكير في
ترك الجزائر لولا أن أهلها ألحوا عليه بالبقاء. وكانت موافقته على البقاء
تفرض عليه ضرورة بذل المزيد من الجهد خشية أن يهاجمه الأسبان ومؤيدوهم ،
كما أن ذلك قد أدى إلى اتجاهه إلى مزيد من الارتباط بالدولة العثمانية ،
وبخاصة بعد أن والت لها مصر والشام ، فكان ذلك يؤكد احتياج الجانين إلى
مزيد من الارتباط بالأخر.
رابعاً : سكان مدينة الجزائر يرسلون رسالة استغاثة للسلطان سليم الأول :
قام
الأستاذ الدكتور عبدالجليل التميمي بترجمة وثيقة تركية محفوظة في دار
المحفوظات التاريخية باستنبول – طوب قابي سيراى – تحت رقم 4656 ، وهذه
الوثيقة عبارة عن رسالة موجهة من سكان بلدة الجزائر على اختلاف مستوياتهم
ومؤرخة في أوائل شهر ذي القعدة عام 925م ، في الفترة من 26 من شهر أكتوبر
(تشرين الأول) إلى 3 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1519م ، وكتب بأمر
من خير الدين إلى السلطان سليم بعد عودته من مصر والشام إلى استانبول ،
وكان الغرض تلك الرسالة ربط الجزائر بالدولة العثمانية ، وجاء في الرسالة
أن خير الدين كان شديد الرغبة في أن يذهب بنفسه إلى استانبول ليعرض على
السلطان سليم الأول شخصياً إبعاد قضية الجزائر ، ولكن زعماء مدينة الجزائر
توسلوا إليه أن يبقى فيها كي يستطيع مواجهة الأعداء إذا تحركوا ، وطلبوا
منه أن يرسل سفارة تقوم بالنيابة عنه ، وكانت الرسالة التي حملتها البعثة
موجهة باسم القضاة والخطباء والفقهاء والأئمة والتجار والأعيان وكافة سكان
مدينة الجزائر العامرة ، وهي تفيض بالولاء العميق للدولة العثمانية وكان
الذي يتزعم السفارة (الفقيه العالم الأستاذ أبو العباس احمد بن قاضي) ،
وكان من أكبر علماء الجزائر ، كما كان قائداً عسكرياً وزعيماً سياسياً
وكان بمقدوره أن يصور أوضاع بلاده والأخطار التي تحيط بها من كل جانب.
لقد
أشاد الوفد بجهاد بابا عروج في مدافعة الكفار وكيف كان ناصراً للدين
وحامياً للمسلمين وتكلموا عن جهاده حتى وقع شهيداً في حصار الأسبانيين
لمدينة تلمسان وكيف خلفه أخوه المجاهد في سبيل الله أبو التقى خير الدين.
وكان له خير خلف فقد دافع عنا ، ولم نعرف منه إلا العدل والإنصاف واتباع
الشرع النبوي الشريف ، وهو ينظر إلى مقامكم العالي بالتعظيم والإجلال ،
ويكرس نفسه وماله للجهاد لرضاء رب العباد وإعلاء كلمة الله ومناط آماله
سلطنتكم العالية مظهراً إجلالها وتعظيمها، على أن محبتنا له خالصة ونحن
معه ثابتون ونحن وأميرنا خدام أعتابكم العالية. وأهالي إقليم بجاية والغرب
والشرق في خدمة مقامكم العالي ، وإن المذكور حامل الرسالة المكتوبة سوف
يعرض على جلالتكم ما يجري في هذه البلاد من الحوادث والسلام.
إن الرسالة السابقة تبين للباحث آراء الجزائريين تجاه الدولة العثمانية وكان من تلك الآراء :
-
أن خير الدين يمثل الحاكم المسلم الأمثل في شمال افريقية ، فهو يحترم
وينفذ مبادئ الشريعة الإسلامية ويتخذ من العدل شرعة ومنهاجاً له في الحكم.
- أن نشاطه يتركز في قيادة عمليات الجهاد ضد النصارى.
- أنه يكن للدول العثمانية وسلطانها كل تقدير واحترام.
- تدل الرسالة على تماسك الجبهة الداخلية ووضوح الهدف أمام مسلمي الجزائر.
ونزوح أعداد كبيرة منهم إلى الشمال الأفريقي حدوث العديد من المشكلات
الاجتماعية والاقتصادية في ولايات الشمال الأفريقي.
ولما كان من بين
المسلمين النازحين إلى هذه المناطق أعداد وفيرة من البحارة ، فكان من
الضروري أن تبحث عن الوسائل الملائمة لاستقرارها ، إلا أن بعض العوامل قد
توافرت لتدفع بأعداد من هؤلاء البحارة إلى طريق الجهاد ضد القوى المسيحية
في البحر المتوسط ، ويأتي في مقدمة هذه الأسباب الدافع الديني بسبب الصراع
بين الإسلام والنصرانية وإخراج المسلمين من الأندلس ومتابعة الأسبان
والبرتغال للمسلمين في الشمال والأفريقي.
وقد ظلت حركات الجهاد
الإسلامي ضد الأسبان والبرتغاليين غير منظمة حتى ظهور الأخوان خير الدين
وعروج بربروسا واستطاعا تجميع القوات الإسلامية في الجزائر وتوجيها نحو
الهدف المشترك لصد أعداء الإسلام عن التوسع في موانئ ومدن الشمال الأفريقي.
وقد
اعتمدت هذه القوة الإسلامية الجديدة في جهادها أسلوب الكر والفر في البحر
بسبب عدم قدرتها في الدخول في حرب نظامية ضد القوى المسيحية من الأسبان
والبرتغاليين وفرسان القديس يوحنا ، وقد حقق هؤلاء المجاهدين نجاحاً أثار
قلق القوى المعادية ، ثم رأوا بنظرهم الثاقب أن يدخلوا تحت سيادة الدولة
العثمانية لتوحيد جهود المسلمين ضد النصارى الحاقدين.
وقد حاول
المؤرخون الأوروبيون التشكيك في طبيعة الحركة الجهادية في البحر المتوسط
ووصفوا دورها بالقرصنة وكذلك شككوا في أصل أهم قادتها وهما خير الدين
وأخوه عروج الأمر الذي يفرض ضرورة إلقاء الضوء على دور الأخوين وأصلهما ،
وأثر هذه الحركة على الدور الصليبي في البحر المتوسط في زمن السلطان سليم
والسلطان سليمان القانوني.
أولاً : أصل الأخوين عروج وخير الدين :
يرجع
أصل المجاهدين إلى الأتراك المسلمين وكان والدهما يعقوب بن يوسف من بقايا
الفاتحين المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة مدللي إحدى جزر
الأرخبيل. وأمهم سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على أولادها في تحويل
نشاطهم شطر بلاد الأندلس التي كانت تئن في ذلك الوقت من بطش الأسبان
والبرتغاليين. وكان لعروج وخير الدين أخوان مجاهدان هما إسحاق ومحمد إلياس.
إن
ما ذكر عن الدور الذي لعبه الأخوان يؤكد حرصهما على الجهاد في سبيل الله
ومقاومة أطماع أسبانيا والبرتغال في الممالك الإسلامية في شمالي أفريقيا
ولقد أبدع الأخوان في الجهاد البحري ضد النصارى وأصبح لحركة الجهاد البحري
في القرن السادس عشر مراكز مهمة في شرشال ووهران والجزائر ودلي وبجاية
وغيرها في أعقاب طرد المسلمين من الأندلس ، وقد قويت بفعل انضمام المسلمين
الفارين من الأندلس والعارفين بالملاحة وفنونها والمدربين على صناعة السفن.
ثانياً : دور الأخوين في الجهاد ضد الغزو النصراني :
اتجه
الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر ، ووجها نشاطهما في
البداية إلى بحر الأرخبيل المحيط بمسقط رأسهما حوالي سنة 1510م ، لكن
ضراوة الصراع بين القوى المسيحية في بلاد الأندلس وفي شمالي أفريقيا بين
المسلمين هناك ، والذي اشتد ضراوة في مطلع القرن السادس عشر ، قد استقطب
الأخوين لينقلا نشاطهما إلى هذه المناطق وبخاصة بعد أن تمكن الأسبان
والبرتغاليون من الاستيلاء على العديد من المراكز والموانئ البحرية في
شمالي أفريقيا.
وقد حقق الأخوان العديد من الانتصارات على القراصنة
المسيحيين الأمر الذي أثار إعجاب القوى الإسلامية الضعيفة في هذه المناطق
، ويبدو ذلك من خلال منح السلطان "الحفصي" لهم حق الاستقرار في جزيرة جربة
التونسية وهو أمر عرضه لهجوم أسباني متواصل اضطره لقبول الحماية الأسبانية
بالضغط والقوة ، كما يبدو من خلال استنجاد أهالي هذه البلاد بهما ،
وتأثيرهم داخل بلدهم مما أسهم في وجود قاعدة شعبية لهما تمكنهما من حكم
الجزائر وبعض المناطق المجاورة. ويرى بعض المؤرخين أن دخول "عروج" وأخيه
الجزائر وحكمهما لها لم يكن بناءً على رغبة السكان ، ويستند هؤلاء إلى
وجود بعض القوى التي ظلت تترقب الفرص لطرد الأخوين والأتراك والمؤيدين
لهما ، لكن البعض الآخر يرون أن وصول "عروج" وأخيه كان بناءاً على استدعاء
من سكانها لنجدتهم من الهجوم الأسباني الشرس ، وأن القوى البسيطة التي
قاومت وجودهما كانت تتمثل في بعض الحكام الذين أبعدوا عن الحكم أمام
محاولات الأخوين الجادة في توحيد البلاد حيث كانت قبل وصولهما أشبه بدولة
ملوك الطوائف في الأندلس ، وقد سائد أغلب أهل البلاد محاولات الأخوين
واشتركت أعداد كبيرة منهم في هذه الحملات ، كما ساندهما العديد من الحكام
المحليين الذين شعروا بخطورة الغزو الصليبي الأسباني.
ويظهر دور
الأخوين المجاهدين بمحاولة تحرير بجاية من الحكم الأسباني سنة 1512م، وقد
نقلا – لهذا الغرض – قاعدة عملياتها ضد القوات الأسبانية في ميناء جيجل
شرقي الجزائر بعد أن تمكنا من دخولها وقتل حماتها الجنوبيين سنة 1514م لكي
تكون محطة تقوية لتحرير بجاية من جهة ولمحاولة مساعدة مسلمي الأندلس من
جهة أخرى ، ويبدو أن الأخوين قد واجها تحالفاً قوياً نتج عنه العديد من
المعارك النظامية وهو أمر لم يتعودوه لكن أجبروا عليه بفعل الاستقرار في
حكم الجزائر ، وزاد من حرج الموقف قتل "عروج" في إحدى المعارك سنة 1518م
مما اضطر خير الدين للبحث عن تحالف يعينه على الاستقرار والمقاومة سواء
لدورها البارز في ساحة البحر المتوسط أم لأن القوى المحلية في الشمال
الأفريقي كانت متعاطفة معها.
وتتابع انتصاراتها على الساحة الأوروبية
منذ فتح القسطنطينية وأن الاتجاه لمخالفتها سيسكب دور خير الدين مزيداً من
التأييد من قبل هذه القوى ، وإلى جانب ذلك فإن الدولة العثمانية قد أبدت
استجابة للمساعدة حين طلب منها الأخوان ذلك ، كما أبدت رغبتها في مزيد من
المساعدات لدوره وكذلك لبقايا المسلمين في الأندلس ، ومن منظور ديني أسهم
في إكساب دورها تأييداً جماهيرياً وجعل محاولة التقرب منهما أو التحالف
معهما عملاً مرغوباً.
ومن جهة أخرى كانت الظروف في الدولة العثمانية
على عهد السلطان سليم الأول مهيأة لقبول هذا التحالف وبخاصة بعد أن اتجهت
القوات العثمانية إلى الشرق العربي ، وكان من أبرز أهدافها في هذا الاتجاه
هو التصدي لدور البرتغاليين والأسبان وفرسان القديس يوحنا في المنطقة ،
وكان من المنطقي التحالف مع أي من القوى المحلية التي تعينها على تحقيق
هذه الأهداف.
ثالثاً : التحالف مع العثمانيين :
اختلف علماء التاريخ
حول بداية التحالف بين العثمانيين والأخوين عروج وخير الدين ، فتذكر بعض
المراجع أن السلطان سليم الأول كان وراء إرسالهم إلى الساحل الأفريقي
تلبية لطلب المساعدة من سكان الشمال الأفريقي وعملاً على تعطيل أهداف
البرتغاليين والأسبان في منطقة البحر المتوسط. وعلى الرغم من عدم تداول
هذه الرواية بين المؤرخين إلا أنها توضح أن العثمانيين لم يكونوا بمعزل عن
الأحداث التي تدور على مساحة البحر المتوسط.
ويرجع بعض المؤرخين
التحالف بين الجانبين إلى سنة 1514م في أعقاب فتح عروج وخير لميناء "جيجل"
حيث أرسل الأخوان إلى السلطان سليم الأول مجموعة من النفائس التي استوليا
عليها بعد فتح المدينة ، فقبلها السلطان ورد لهما الهدية بإرسال أربع عشر
سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود ، وكان هذا الرد من السلطان العثماني
يعكس رغبته في استمرار نشاط دور الأخوين ودعمه. على أن بعض المؤرخين
يذكرون أن الدعم العثماني لهذه الحركة كان في أعقاب وفاة "عروج" سنة 1518م
وبعد عودة السلطان العثماني من مصر إلى استانبول سنة 1519م.
على أن
الرأي الأكثر ترجيحاً أن الاتصالات بين العثمانيين وهذه الحركة كان سابقاً
لوفاة عروج وقبل فتح العثمانيين للشام ومصر ، وذلك يرجع إلى أن الأخوين
كانا في أمس الحاجة لدعم أو تحالف مع العثمانيين بعد فشلهما في فتح
(بجاية) ، كما أنهما حوصروا في "جيجيل" بين الحفصيين الذين أصبحوا من
أتباع الأسبان وبين (سالم التومي) حاكم الجزائر الذي ارتكز حكمه على دعم
الأسبان له هو الآخر ، فضلاً عن قوة الأسبان وفرسان القديس يوحنا التي
تحاصرهما في البحر ، فكان لوصول الدعم العثماني أثره على دعم دورهما
وشروعهما في دخول الجزائر برغم هذه العوامل حيث اتفق العثمانيون مع
الأخوين على ضرورة الإسراع بدخولهما قبل القوات الأسبانية لموقعها الممتاز
من ناحية ولكي يسبقوا الأسبان إليها ، لاتخاذها قاعدة لتخريب الموانئ
الإسلامية الواقعة تحت الاحتلال الأسباني كبجاية وغيرها من ناحية أخرى.
وقد
تمكن عروج من دخول الجزائر بفضل هذا الدعم وقتل حاكمها بعد أن تأكد من
مساعيه للاستعانة بالقوات الأسبانية ، كما تمكن من دخول ميناء شرشال ،
واجتمع له الأمر في الجزائر وبويع في نفس السنة التي هزمت فيها القوات
المملوكية أمام القوات العثمانية في الشام سنة 1516م في موقعة مرج دابق.
ولم
يكن من الممكن للأخوين أن يقوما بهذه الفتوحات لولا تشجيع السلطان
العثماني ودعمه إلى جانب دعم شعوب المنطقة وقد سبق أن فشلا في دخول بجاية
أمام نفس القوات المعادية.
بعد أن بويع "خير الدين" في الجزائر في
أعقاب ما حققه من انتصارات على الأسبان والزعماء المحليين المتحالفين معهم
أصبح محط آمال كثير من الولايات والموانئ التي كانت ما زالت خاضعة سواء
للأسبان أو لعملائهم ، وكان أول الذين طلبوا نصرته أهل تلمسان. ومع أن
استنجاد الأهالي كان من الممكن أن يكون كافياً لتدخل "خير الدين" إلا أن
موقع تلمسان الاستراتيجي الذين كان يجعل وجود "خير الدين" في الجزائر غير
مستتب قد جعله يفكر في التدخل قبل أن يطلب الأهالي نجدته ، وأن مطالبهم قد
دعته للتعجيل بذلك.
وأعد "خير الدين" جيشاً كبيراً زحف به إلى تلمسان
سنة 1517م ، وأمن الطريق إليها ، وبعد أن نجح في السيطرة عليها تمكن
الأسبان ، وعملاؤهم من بني حمود ، من استعادتها ولقي أحد إخوة (خير الدين)
حتفه وهو "إسحاق" ، كما قتل "عروج" وكثيرون من رجاله أثناء حصارهم للمدينة
ذلك الحصار الذي امتد لستة أشهر أو يزيد ، امتد حتى سنة 1518م.
وقد
تركت هذه الأحداث أثراً بالغاً في نفس خير الدين مما دفعه إلى التفكير في
ترك الجزائر لولا أن أهلها ألحوا عليه بالبقاء. وكانت موافقته على البقاء
تفرض عليه ضرورة بذل المزيد من الجهد خشية أن يهاجمه الأسبان ومؤيدوهم ،
كما أن ذلك قد أدى إلى اتجاهه إلى مزيد من الارتباط بالدولة العثمانية ،
وبخاصة بعد أن والت لها مصر والشام ، فكان ذلك يؤكد احتياج الجانين إلى
مزيد من الارتباط بالأخر.
رابعاً : سكان مدينة الجزائر يرسلون رسالة استغاثة للسلطان سليم الأول :
قام
الأستاذ الدكتور عبدالجليل التميمي بترجمة وثيقة تركية محفوظة في دار
المحفوظات التاريخية باستنبول – طوب قابي سيراى – تحت رقم 4656 ، وهذه
الوثيقة عبارة عن رسالة موجهة من سكان بلدة الجزائر على اختلاف مستوياتهم
ومؤرخة في أوائل شهر ذي القعدة عام 925م ، في الفترة من 26 من شهر أكتوبر
(تشرين الأول) إلى 3 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1519م ، وكتب بأمر
من خير الدين إلى السلطان سليم بعد عودته من مصر والشام إلى استانبول ،
وكان الغرض تلك الرسالة ربط الجزائر بالدولة العثمانية ، وجاء في الرسالة
أن خير الدين كان شديد الرغبة في أن يذهب بنفسه إلى استانبول ليعرض على
السلطان سليم الأول شخصياً إبعاد قضية الجزائر ، ولكن زعماء مدينة الجزائر
توسلوا إليه أن يبقى فيها كي يستطيع مواجهة الأعداء إذا تحركوا ، وطلبوا
منه أن يرسل سفارة تقوم بالنيابة عنه ، وكانت الرسالة التي حملتها البعثة
موجهة باسم القضاة والخطباء والفقهاء والأئمة والتجار والأعيان وكافة سكان
مدينة الجزائر العامرة ، وهي تفيض بالولاء العميق للدولة العثمانية وكان
الذي يتزعم السفارة (الفقيه العالم الأستاذ أبو العباس احمد بن قاضي) ،
وكان من أكبر علماء الجزائر ، كما كان قائداً عسكرياً وزعيماً سياسياً
وكان بمقدوره أن يصور أوضاع بلاده والأخطار التي تحيط بها من كل جانب.
لقد
أشاد الوفد بجهاد بابا عروج في مدافعة الكفار وكيف كان ناصراً للدين
وحامياً للمسلمين وتكلموا عن جهاده حتى وقع شهيداً في حصار الأسبانيين
لمدينة تلمسان وكيف خلفه أخوه المجاهد في سبيل الله أبو التقى خير الدين.
وكان له خير خلف فقد دافع عنا ، ولم نعرف منه إلا العدل والإنصاف واتباع
الشرع النبوي الشريف ، وهو ينظر إلى مقامكم العالي بالتعظيم والإجلال ،
ويكرس نفسه وماله للجهاد لرضاء رب العباد وإعلاء كلمة الله ومناط آماله
سلطنتكم العالية مظهراً إجلالها وتعظيمها، على أن محبتنا له خالصة ونحن
معه ثابتون ونحن وأميرنا خدام أعتابكم العالية. وأهالي إقليم بجاية والغرب
والشرق في خدمة مقامكم العالي ، وإن المذكور حامل الرسالة المكتوبة سوف
يعرض على جلالتكم ما يجري في هذه البلاد من الحوادث والسلام.
إن الرسالة السابقة تبين للباحث آراء الجزائريين تجاه الدولة العثمانية وكان من تلك الآراء :
-
أن خير الدين يمثل الحاكم المسلم الأمثل في شمال افريقية ، فهو يحترم
وينفذ مبادئ الشريعة الإسلامية ويتخذ من العدل شرعة ومنهاجاً له في الحكم.
- أن نشاطه يتركز في قيادة عمليات الجهاد ضد النصارى.
- أنه يكن للدول العثمانية وسلطانها كل تقدير واحترام.
- تدل الرسالة على تماسك الجبهة الداخلية ووضوح الهدف أمام مسلمي الجزائر.
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin