تدرجت
علوم الحديث عبر التاريخ ، ومرت بمراحل وأطوار متعددة حتى عصرنا الحاضر ،
وأول هذه المراحل والأدوار دور النشأة ، وذلك في عصر الصحابة الممتد إلى
نهاية القرن الأول الهجري .
وقد توفرت للصحابة رضي الله عنهم عوامل عدة ، كانت من أهم الأسباب والدواعي لحفظ الحديث ، ومن هذه العوامل :
صفاء أذهانهم وقوة قرائحهم ؛ فقد كانت العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ، والأمي يعتمد على ذاكرته لتسعفه حين الحاجة .
ومنها
قوة الدافع لهم على حفظ الحديث ، حيث أيقنوا أن هذا الدين هو سبب سعادتهم
وعزهم في الدنيا ، وفوزهم في الآخرة ، فتلقفوه بغاية الحرص والاهتمام ،
وزاد من هذا الدافع في نفوسهم تحريضه صلى الله عليه وسلم على حفظ حديثه
وأدائه إلى الناس في أحاديث كثيرة تدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بذلك
وتكرار الوصية به ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) أخرجه أبو داود وغيره .
ومن
العوامل الوسائل التربوية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبعها في
إلقاء الحديث على الصحابة مما سهل عليهم حفظه ، فلم يكن يسرد الحديث سردًا
متتابعًا ، بل يتأنى في إلقاء الكلام ليتمكن من الذهن ، ولم يكن يطيل
الأحاديث ، بل كان كلامه قصدًا ، وكثيرًا ما كان يعيد الحديث لتعيه الصدور
.
ومن
أهم الوسائل المهمة التي سلكها الصحابة في حفظ الحديث الكتابة ، على الرغم
مما وقع فيها من اختلاف الروايات ، وتباين الوجهات ، حتى صُنّفت فيها
التآليف في القديم والحديث .
وخلاصة ذلك أن تقييد الحديث وكتابته مر بمرحلتين :
المرحلة
الأولى : مرحلة جمع الحديث في صحف خاصةٍ بمن يكتب ، دون أن تتداول بين
الناس ، وهذه بدأت منذ عهده صلى الله عليه وسلم وبإذنه .
المرحلة
الثانية : الكتابة التي تكون مرجعًا يُعْتَمَد عليه ، ويتداولها الناس
فيما بينهم ، وهذه بدأت من القرن الثاني للهجرة ، وفي كلٍّ من هاتين
المرحلتين كانت الكتابة مجرد جمع للأحاديث في الصحف من غير مراعاة لتبويب
أو ترتيب معين ، ثم جاء دور التصنيف الذي اتخذت فيه الكتابة طابع التبويب
والترتيب من منتصف القرن الثاني ، وبلغ أوجه وذروته في القرن الثالث
المعروف بعصر التدوين كما سيأتي في مواضيع لا حقة .
ومما ورد كتابته من الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
1. الصحيفة الصادقة : التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد انتقلت هذه الصحيفة إلى حفيده عمرو بن شعيب ، وأخرج الإمام أحمد في مسند عبد الله بن عمرو من كتابه المسند قسمًا كبيرًا من أحاديث هذه الصحيفة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
2. صحيفة علي بن أبي طالب : وهي صحيفة صغيرة تشتمل على العقل - أي مقادير الديات - وعلى أحكام فكاك الأسير.
أخرج نبأها البخاري وغيره عن أبي جحيفة قال
: قلت هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم
أو ما في هذه الصحيفة . قال قلت : فما في هذه الصحيفة ؟ قال العقل ، وفكاك
الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر.
3.صحيفة سعد بن عبادة ، فقد أخرج الترمذي في سننه ، عن ابن سعد بن عبادة قوله : وجدنا في كتاب سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين والشاهد .
4.كتبه
صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه وعماله ، فيما يتعلق بتدبير شؤون الأقاليم
الإسلامية وأحوالها ، وبيان أحكام الدين ، وهي كتب كثيرة تشتمل على مهمات
أحكام الإسلام وعقائده ، وبيان الأنصبة والمقادير الشرعية للزكاة ،
والديات والحدود والمحرمات وغير ذلك ، ومن هذه الكتب :
أ.كتاب الزكاة والديات الذي كاتب به أبو بكر الصديق وأخرجه البخاري في صحيحه ، فقد روى أبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه حتى قبض .
ب. كتابه لعمرو بن حزم عامله على اليمن ، بين فيه أصول الإسلام ، وطريق الدعوة إليه ، والعبادات وأنصبة الزكاة والجزية والديات .
ج.كتابه إلى وائل بن حجر لقومه في حضرموت ، وفيه الأصول العامة للإسلام ، وأهم المحرمات .
5. كتبه
صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ككتابه
إلى هرقل ملك الروم ، وإلى المقوقس بمصر ، وغيرهم .
6. عقوده
ومعاهداته التي أبرمها مع الكفار ، كصلح الحديبية ، وصلح تبوك ، وصحيفة
المعاهدة التي أُبرمت في المدينة بين المسلمين وبين من جاورهم من اليهود
وغيرهم .
7.كتب أمر بها صلى الله عليه وسلم لأفراد من أصحابه لمناسبات ومقتضيات مختلفة ، مثل كتابة خطبته لأبي شاهٍ اليماني .
وغير
ذلك مما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم مما لم نحصه هنا ، أو لم نحط به
علمًا ، وهو كاف لإثبات تواتر الكتابة في عهده صلى الله عليه وسلم وإثبات
أن ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم تناول قسمًا كبيرًا من حديثه ، هو
أهم هذه الأحاديث وأدقها لاشتمالها على أمهات الأمور ، وعلى أحكام دقيقة
تتعلق بالأرقام تحتاج إلى ضبط دقيق ، مما يجعل الكتابة عنصرًا هامًا في
حفظ الصحابة للحديث ، ينضم إلى العوامل الأخرى ليدعمها ويؤازرها في تحقيق
تحمل الصحابة للحديث النبوي تحملاً حافظًا أمينًا كافلاً بأن يؤدوه بعد
ذلك كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المرجع:
منهج النقد في علوم الحديث د.نور الدين عتر بتصرف
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin