[size=21]الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
بقلم الشيخ مشهور حسن آل سلمان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه سطور في التعريف بإمام من أئمة الدعّوة السّلفية، نفع الله بهكثيراً، وعالج العديد من المسائل والأمور في شتى ميادين الحياة، وأصَّلمبادئ دعويّة كثيرة، وتكلم عن قضايا منهجيّة هي الآن حديث السّاعة، وأثارتنزاعاً شديداً بين طلبة العلم، ومرادنا من هذه السطور التعريف بهذا العلممن النّاحية الشخصيّة إلقاء الضوء على شخصيّته الدّعويّة من خلال تعرّضه للأمور التّاليّة:
أولاً: الدعوة السّلفيّة والسّياسة وفقه الواقع.
ثانياً: الدعوة السّلفيّة والانتخابات.
ثالثاً: الدعوة السّلفيّة والعلم.
* شخصيّة محمد البشير الإبراهيمي:
- ولد الشيخ قسنطينة بالجزائر عام 1306 هجرية في الثالث عشر من شهر شوال، الموافق سنة 1889 ميلاديّة.
- وهو سليل قبيلة أولاد إبراهيم بن يحيى بن مُساهل التي يرتفع فيها إلىإدريس بن عبد الله الجدّ الأول للأشراف الأدراسة، ويدعى إدريس الأكبر مؤسسدولة الأدارسة في المغرب الأقصى، وترجع إليه أنساب الأشراف الحسنيِّين فيالمغربين الأقصى والأوسط.
- اتجه -رحمه الله- إلى الدراسة الدينيّة، وكان يتمتع بحافظة عجيبة وذاكرةقويّة، أكمل حفظ القرآن وهو في سن التاسعة، وتعلّم في هذه السِّن قواعدالنحو والبلاغة، ودرس الفقه والعلوم الشرعيّة في سن مبكِّرة، وعندما بلغالعشرين من العمر هاجر على المدينة النبويّة ملتحقاً بأبيه، ومرَّبالقاهرة ومكث فيها ثلاثة أشهر كان يتردّد أثناءها على الدرس بالأزهرالشريف، سافر بعد ذلك على المدينة النبويّة، وفيها درس على أيدي مشايخالحرم النبوي الشريف، وكان يقوم بتدريس الفقه واللغة والأدب.
- عند قيام الحرب العالميّة الأولى استوطن مع والده دمشق، بعد أن أرغمتهالدولة العثمانيةّ على الخروج من المدينة، وهناك اشتغل بالتّعليم الحر،ثمّ عُيّنَ أُستاذاً للآداب العربيّة في المدرسة السلطانيّة الأولى، وبعدانتهاء الحرب عاد إلى الجزائر وعمل بالتدريس أيضاً.
- قام في الجزائر مع الشيخ هبد الحميد بن باديس بوضع مخطّط لمحاربةالاستعمار الفرنسي في الجزائر، وأنشأ جمعيّة علماء الجزائر سنة 1931م فيالجزائر العاصمة.
- كان يهدف بهذه الجمعيّة إلى نشر تعاليم الإسلام الصّحيح المصفّى من البدع والخرافات، وإحياء اللغة العربيّة.
- كان -رحمه الله- خطيباً مفوّهاً، يتحدّث ببلاغة وصراحة وجرأة، وكانمجاهداً، صاحب همّة عالية لا تعرف الملل، وعالماً لا يخشى في الحقّ لومةلائم، كان يحفظ من عيون الشعر والأدب الأندلسي والمغربي، ويُلقي أُمّاتالقصائد عن ظهر قلب، وكان عالماً في مصطلح الحديث والفقه والنحو والصرفوالمنطق والأصول وغيرها من العلوم.
- لم يكن الشيخ الإبراهيمي إقليمياً يناضل من أجل حريّة واستقلال بلادهالجزائر فقط، إنّما كان شخصيّة إسلاميّة معروفة في العالم الإسلامي بجهادهوكفاحه من أجل نشر الإسلام.
- كان -رحمه الله- سيفاً مصلتاً على المشعوذين، وبقايا السمسارين؛ الذينيتاجرون بالدّين، وتميّز --رحمه الله- بصراحته في الدعوة إلى العقيدةالصحيحة، والالتزام بالكتاب والسنّة، ومنهج السّلف الصّالح.
- توفي الشيخ في التاسع عشر من أيار سنة (1965م) -رحمه الله تعالى-، وأسكنه فسيح جنّاته.
* سلفيّة الشيخ محمد الإبراهيمي -رحمه الله تعالى-:
نستطيع أن نلخص الركائز التي قامت عليها دعوة الشيخ الإبراهيمي في النقاط التالية:
أولاً: إصلاح عقيدة الجزائريّين، فقد كانتجمعيّة العلماء تركز عملها بصفة عامّة على مقاومة الخرافات والبدع التيشوَّهت عقيدة المسلمين، وتطهير عقيدتهم من مظاهر الشرك، سواء العلني منهاأو الخفي.
كان -رحمه الله- يرى أن العقائد السليمة هي قاعدة الإصلاح في المجتمع، وهوينادي بأن حالة التدهور العام التي وصل إليها المسلمون في القرون الأخيرةإنّما تعود إلى تدهور العقيدة لدى الفرد المسلم وتطرُّق الشرك الخفي إليها.
ثانياً: مقاومة الصوفيّة المبتدعة.
ترتبط مقاومة الصّوفيّة المبتدعة بإصلاح العقيدة ارتباطاً وثيقاً،وقد كشف الإبراهيمي -رحمه الله- عن مخازي هؤلاء وحاربهم بشدّة، وعاملهمبما يستحقّون لأنهم تاجروا باسم الدّين، وزجّت بهم فرنسا في أتون المعركة،فأصغ إليه وهو يقول: «في أيام الحملة الكبرى على الحكومة الفرنسيّة ظهرهؤلاء بمظهر مناقض للدّين، فكشفوا الستر عن حقيقتهم المستوردة، ووقفوا فيصفِّ الحكومة مؤيِّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حريّته مطالبينبتأييد استعباده، عاملين بكل جهدهم على بقائه بيد حكومة مسيحية تخرِّبهبأيديهم، وتشوّه حقائقه بألسنتهم، وتلوث محاربيه ومنابره بضلالتهم»،ويقول: «وقد أخذوا في الزمن الأخير ببعض مظاهر العصر، وتسلّموا بعضأسلحتهم بإملاء من الحكومة للدفاع عن الباطل، فكوّنوا جمعيّة، وأنشأوامجلة، وجهّزوا كتيبة من الكتاب يقودها أعمى -خذلاناً من الله- ليشنركعاقلهم وسفيههم في هذه المخزيات، وبحكم العموميّة في الجمعيّة، والاشتراكفي المجلّة، ولو في دائرته الضيّقة ومن أهله وجيرانه... دافعناهم -عندماظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم، فتسامحنا قليلاً إبقاءً على حرمة(المحراب) و (المنبر) التي انتهكوها، فشدّدوا إبقاء على حرمة (الخبزة)!!فكشفنا عن بعضنا الحقائق المستورة فلجّوا وخاضوا، وثاروا وخاروا، فلمّاعتوا من أمر ربهم رميناهم بالآبدة... وهي أنّ الصلاة خلفهم باطلة، لأنَّإمامتهم باطلة... لأنهم جواسيس»!!
وقد عدّ الشيخ الإبراهيمي الصّوفية داءً عضالاً يجب التخلص منه، لتحرّرعقيدة المسلم من التّشويش، وتطلق لعقله العنان في التَّشيُّع وفهمالشريعة، فتراه يصرح بقوله: «إننا علمنا حقّ العلم بعد التّروي والتّثبتودراسة أحوال الأمّة ومناشئ أمراضها أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هيسبب تفرُّق المسلمين، ونعلم أننا حين نقاومها نقاوم كلّ شر، إنّ هذه الطرقلم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام، وإنَّها تختلف في التّعاليم والرّسوموالمظاهر كثيراً، ولا تختلف في الآثار النّفسيّة إلا قليلاً، وتجتمع كلهافي نقطة واحدة وهي التّخدير والإلهاء عن الدّين والدّنيا».
ويتابع شارحاً مخاطر الطرقيّة وبدعها، حيث تعلٌّ كثيرٌ من المسلمين بطقوسطريقتهم، وبطروحات مشايخهم، ولم يعودوا على اتّصال مباشر مع الكتاب وصحيحالسّنّة، بل أصبحت هذه الطرق حاجزاً بينهم وبين مصادر الشريعة، وكأنها دينجديد، لقد أصبحت بعض الطرق -كما يرى الإبراهيمي- في بلاد العرب والمسلمين،وفي الجزائر بخاصّة، إضافة جديدة إلى محاولات الدّس التي قان بها أعداءكثيرون للإسلام، إن كان بنحل الأحاديث، أو بالتّأويلات المزوِّرة للحقيقة،أو ما شاع عند العديد من الحركات الباطنيّة، ولكن يعود ليؤكد أن هذه كانخطره أقل بكثير من خطر هذه الطَّريقة، فيقول: «أما والله ما بلغ الوضّاعونللحديث، ولا بلغت الجمعيّات السريّة ولا العلنيّة الكائدة للإسلام من هذاالدّين عشر معشار ما بلغته من هذه الطُّريق المشؤومة... إنّ هذه الهوَّةالعميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمّة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيّين».
ويقول مقرِّعاً الصوفيّة والطّرقيَّة وفهمهم الخاطئ للإسلام: «... فكلراقص صوفي، وكل ضارب بالطبل صوفي، وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ماجنخليع صوفي، وكل مسلوب العقل صوفي، وكل آكلٍ للدّنيا بالدّين صوفي، وهلُّمسحباً، أفَيَجْمُلُ بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضُّلالوتؤويه، أم يجب عليهم أن يَحملوا عليها حملةً صادقةً شعارهم: (لا صوفيّةفي الإسلام) حتى يدكُّوها دكّاً، وينسفوها نسفاً، ويذروها خاوية علىعروشها».
وقد كان -رحمه الله تعالى- في محاربته للصوفية وخرافاتهم وترَّهاتهممتأثراً بتعاليم حركة الشيخ محمد عبد الوهاب الإصلاحيّة، ويتضح ذلك عندمانراه يعلل هجوم المتاجرين بالدّين على هذه الدّعوة السُّنّية الإصلاحيّةفي البلاد الحجازيّة التي سمَّاها خصومها بـ (الوهَّابية) -تنفيراًوتشويهاً- لأنها قضت على بدعهم، وحاربت خرافاتهم، فيقول: «إنهم موتورونلهذه الوهَّابية التي هدمت أنصابهم، ومحت بدعها فيما وقع تحت سلطانها منأرض الله، وقد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجّض هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة،فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقّإلا نواحاً مردّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابية».
تكلّمنا في الحلقة الأولى عن شخصية هذا العلم وعن سلفيّته، وقلنا: إن دعوته قامت على ركائز، نستطيع حصرها فيما يلي:
أولاً: إصلاح العقيدة.
ثانياً: مقاومة الصوفيّة المبتدعة.
ونتابع في هذه الحلقة الكلام عن ركائز دعوته، فنقول:
ومنها أيضاً:
ثالثاً: محاربة الفهم الخاطئ للإسلام:
يرى الشيخ الإبراهيمي أن المتاجرين باسم الدين كان لهم أسوأ الأثرعلى عقول النّاس، حيث خدّروها بالأوهام، وملأوها بالخرافات والإدّعاءاتالتي ليست من الدين الحنيف في شيء، فكان فعلهم مشوّشاً للإيمان عندالعامّة مانعاً للتّفاعل الرّوحي المتعقّل من تعاليم الإسلام.
ومكمن خطر هؤلاء أنّ رأس مالهم التدجيل والتحريف، وبضاعتهم في هذه الأمّةالمسكينة التي أحكموا الحيلة في تخديرها بالرؤى والمنامات، وزعزعواعقيدتها بالله بما أثبتوه لأنفسهم من التّصرف في الكون أحياءً وأمواتاً،ومن مشارك الخالق فيما تفرُّد به من الأمر والخلق، وأفسدوا فطرتهاالدينيّة بما ابتدعوه لها من عبادات (ميكانيكيّة) هي إمّا زيادة في الدينأو نقص فيه.
وظهرت آثار هذه المحاربة في التّركيز أولاً على إصلاح عقيدة النّاس، وعلى محاربة الصوفيّة المبتدعة التي كانت منتشرة آنذاك.
ومن آثارها أيضاً:
محاربة التّعصب المذهبي المقيت: وكان الإبراهيمي يركز على هذا أشدّالتركيز، وكان يعدّث التعصب المذهبي سبباً من أسباب تفرُّق المسلمين، فهاهو يقول وهو يتكلم بهذا الصدّد: «هذه العصبيّة العمياء التي حدثت بعدهم-أي: الفقهاء والأئمة الأربعة على وجه الخصوص- للمذهب والتي نعتقد أنهم لوبُعثوا من جديد لأنكروها على أتباعهم.
ويقول: «وقد طغت شرور العصبيّة للمذاهب الفقهيّة في جميع الأقطارالإسلاميّة، وكان لها أوسوأ الأثر في تفريق كلمة المسلمين، وإن في وجهالتّاريخ الإسلامي منها لندوباً».
ويرى شيخنا الإبراهيمي أنّ سبب الوحدة الحقيقي هو الدّين، وأن ما يجتمععليه النّاس من غيره آفاق ضيّقة! هفا هو يقول: «الأوطان تجمع الأبدان،واللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلِّفها ويصل بين نكراتالقلوب فيعرفها هو الدّين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيّقة، ولكنالتمسوها في الدّين، والتمسوها في القرآن، تجدوا الأفق الأوسع، والدّارأجمع، والعديد أكثر، والقوى أوفر».
ويرى الشيخ الإبراهيمي أيضاً أنّ ابتعاد النّاس عن المفهوم الحقيقيللإسلام يجلب لهم لا محالة التّفرق والتشرذم، ومن مستلزمات ذلك الاعتمادعلى أسس ما أنزل الله بها من سلطان، فتجد هؤلاء المبتدعين يعتمدون تارةعلى علم الكلام، ويقدّسون (العقل)، وتجد بعهم الآخر ينخلع تماماً عن ذلك،ويغرق في الكلام عن الرّوح، فها هو يصرح بأن الجدل وعلم الكلام: «هو مبدأالتفرق الحقيقي في الدّين، لأن المتكلمين يزعمون أن علومهم هي أساسالإسلام، والصوفيّة يقولون: أن علومهم هي لباب الشريعة وحقيقتها».
فهو -رحمه الله تعالى- عالج جميع الأسباب التي يجتمع عليها فئات منالنّاس، ويتّخذونها أساساً فيما بينهم على الالتقاء على شارة ما، أو اسممعين، أو مذهب فقهيّ، أو عقليّ، أو روحيّ ، ولذا ترى عنده من السّماحة،وبُعد الأفق؛ وسعة الصّدر، ما هو حقيقٌ بمثله، بحيث كان مصلحاً حقّاً،بعيداً عن التّعصُّبات المقيتة، نابذاً القوالب الحزبيّة الضيّقة، فهو لايعمل لاسمٍ أو رسمٍ، وإنّما للإسلام ذات الإسلام بفهم سلف الأمّة الصالحين.
وكان -رحمه الله تعالى- إيجابيّاً في دعوته، انطلق من أسس راسخة فيالإصلاح، وأوجز مهام هذا بقوله: «إيصال النّفع والخير إلى الأمّة، ورفعالأميّة والجهل عنها، وحثّها على العمل وتنفيرها من البطالة والكسل،وتصحيح فهمها للحياة وتنظيف أفكارها وعقولها من التّخريف، وتنظيم التّعاونبين أفرادها وتمتين الصّلة والثّقة بين العامة والخاصّة منها، وتعليمهممعاني الخير والرّحمة والإحسان لجميع الخلق».
والإصلاح عند الإبراهيمي له جوانب عديدة، ومرتكزات كثيرة وميادين شتّى، نتكلم عليها في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
شبكة المنهاج ...
اللهم انصر دينك و كتابك و سنّة نبيّك و عبادك المؤمنين ...
اللهم الفردوس الأعلى[/size]
بقلم الشيخ مشهور حسن آل سلمان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه سطور في التعريف بإمام من أئمة الدعّوة السّلفية، نفع الله بهكثيراً، وعالج العديد من المسائل والأمور في شتى ميادين الحياة، وأصَّلمبادئ دعويّة كثيرة، وتكلم عن قضايا منهجيّة هي الآن حديث السّاعة، وأثارتنزاعاً شديداً بين طلبة العلم، ومرادنا من هذه السطور التعريف بهذا العلممن النّاحية الشخصيّة إلقاء الضوء على شخصيّته الدّعويّة من خلال تعرّضه للأمور التّاليّة:
أولاً: الدعوة السّلفيّة والسّياسة وفقه الواقع.
ثانياً: الدعوة السّلفيّة والانتخابات.
ثالثاً: الدعوة السّلفيّة والعلم.
* شخصيّة محمد البشير الإبراهيمي:
- ولد الشيخ قسنطينة بالجزائر عام 1306 هجرية في الثالث عشر من شهر شوال، الموافق سنة 1889 ميلاديّة.
- وهو سليل قبيلة أولاد إبراهيم بن يحيى بن مُساهل التي يرتفع فيها إلىإدريس بن عبد الله الجدّ الأول للأشراف الأدراسة، ويدعى إدريس الأكبر مؤسسدولة الأدارسة في المغرب الأقصى، وترجع إليه أنساب الأشراف الحسنيِّين فيالمغربين الأقصى والأوسط.
- اتجه -رحمه الله- إلى الدراسة الدينيّة، وكان يتمتع بحافظة عجيبة وذاكرةقويّة، أكمل حفظ القرآن وهو في سن التاسعة، وتعلّم في هذه السِّن قواعدالنحو والبلاغة، ودرس الفقه والعلوم الشرعيّة في سن مبكِّرة، وعندما بلغالعشرين من العمر هاجر على المدينة النبويّة ملتحقاً بأبيه، ومرَّبالقاهرة ومكث فيها ثلاثة أشهر كان يتردّد أثناءها على الدرس بالأزهرالشريف، سافر بعد ذلك على المدينة النبويّة، وفيها درس على أيدي مشايخالحرم النبوي الشريف، وكان يقوم بتدريس الفقه واللغة والأدب.
- عند قيام الحرب العالميّة الأولى استوطن مع والده دمشق، بعد أن أرغمتهالدولة العثمانيةّ على الخروج من المدينة، وهناك اشتغل بالتّعليم الحر،ثمّ عُيّنَ أُستاذاً للآداب العربيّة في المدرسة السلطانيّة الأولى، وبعدانتهاء الحرب عاد إلى الجزائر وعمل بالتدريس أيضاً.
- قام في الجزائر مع الشيخ هبد الحميد بن باديس بوضع مخطّط لمحاربةالاستعمار الفرنسي في الجزائر، وأنشأ جمعيّة علماء الجزائر سنة 1931م فيالجزائر العاصمة.
- كان يهدف بهذه الجمعيّة إلى نشر تعاليم الإسلام الصّحيح المصفّى من البدع والخرافات، وإحياء اللغة العربيّة.
- كان -رحمه الله- خطيباً مفوّهاً، يتحدّث ببلاغة وصراحة وجرأة، وكانمجاهداً، صاحب همّة عالية لا تعرف الملل، وعالماً لا يخشى في الحقّ لومةلائم، كان يحفظ من عيون الشعر والأدب الأندلسي والمغربي، ويُلقي أُمّاتالقصائد عن ظهر قلب، وكان عالماً في مصطلح الحديث والفقه والنحو والصرفوالمنطق والأصول وغيرها من العلوم.
- لم يكن الشيخ الإبراهيمي إقليمياً يناضل من أجل حريّة واستقلال بلادهالجزائر فقط، إنّما كان شخصيّة إسلاميّة معروفة في العالم الإسلامي بجهادهوكفاحه من أجل نشر الإسلام.
- كان -رحمه الله- سيفاً مصلتاً على المشعوذين، وبقايا السمسارين؛ الذينيتاجرون بالدّين، وتميّز --رحمه الله- بصراحته في الدعوة إلى العقيدةالصحيحة، والالتزام بالكتاب والسنّة، ومنهج السّلف الصّالح.
- توفي الشيخ في التاسع عشر من أيار سنة (1965م) -رحمه الله تعالى-، وأسكنه فسيح جنّاته.
* سلفيّة الشيخ محمد الإبراهيمي -رحمه الله تعالى-:
نستطيع أن نلخص الركائز التي قامت عليها دعوة الشيخ الإبراهيمي في النقاط التالية:
أولاً: إصلاح عقيدة الجزائريّين، فقد كانتجمعيّة العلماء تركز عملها بصفة عامّة على مقاومة الخرافات والبدع التيشوَّهت عقيدة المسلمين، وتطهير عقيدتهم من مظاهر الشرك، سواء العلني منهاأو الخفي.
كان -رحمه الله- يرى أن العقائد السليمة هي قاعدة الإصلاح في المجتمع، وهوينادي بأن حالة التدهور العام التي وصل إليها المسلمون في القرون الأخيرةإنّما تعود إلى تدهور العقيدة لدى الفرد المسلم وتطرُّق الشرك الخفي إليها.
ثانياً: مقاومة الصوفيّة المبتدعة.
ترتبط مقاومة الصّوفيّة المبتدعة بإصلاح العقيدة ارتباطاً وثيقاً،وقد كشف الإبراهيمي -رحمه الله- عن مخازي هؤلاء وحاربهم بشدّة، وعاملهمبما يستحقّون لأنهم تاجروا باسم الدّين، وزجّت بهم فرنسا في أتون المعركة،فأصغ إليه وهو يقول: «في أيام الحملة الكبرى على الحكومة الفرنسيّة ظهرهؤلاء بمظهر مناقض للدّين، فكشفوا الستر عن حقيقتهم المستوردة، ووقفوا فيصفِّ الحكومة مؤيِّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حريّته مطالبينبتأييد استعباده، عاملين بكل جهدهم على بقائه بيد حكومة مسيحية تخرِّبهبأيديهم، وتشوّه حقائقه بألسنتهم، وتلوث محاربيه ومنابره بضلالتهم»،ويقول: «وقد أخذوا في الزمن الأخير ببعض مظاهر العصر، وتسلّموا بعضأسلحتهم بإملاء من الحكومة للدفاع عن الباطل، فكوّنوا جمعيّة، وأنشأوامجلة، وجهّزوا كتيبة من الكتاب يقودها أعمى -خذلاناً من الله- ليشنركعاقلهم وسفيههم في هذه المخزيات، وبحكم العموميّة في الجمعيّة، والاشتراكفي المجلّة، ولو في دائرته الضيّقة ومن أهله وجيرانه... دافعناهم -عندماظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم، فتسامحنا قليلاً إبقاءً على حرمة(المحراب) و (المنبر) التي انتهكوها، فشدّدوا إبقاء على حرمة (الخبزة)!!فكشفنا عن بعضنا الحقائق المستورة فلجّوا وخاضوا، وثاروا وخاروا، فلمّاعتوا من أمر ربهم رميناهم بالآبدة... وهي أنّ الصلاة خلفهم باطلة، لأنَّإمامتهم باطلة... لأنهم جواسيس»!!
وقد عدّ الشيخ الإبراهيمي الصّوفية داءً عضالاً يجب التخلص منه، لتحرّرعقيدة المسلم من التّشويش، وتطلق لعقله العنان في التَّشيُّع وفهمالشريعة، فتراه يصرح بقوله: «إننا علمنا حقّ العلم بعد التّروي والتّثبتودراسة أحوال الأمّة ومناشئ أمراضها أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هيسبب تفرُّق المسلمين، ونعلم أننا حين نقاومها نقاوم كلّ شر، إنّ هذه الطرقلم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام، وإنَّها تختلف في التّعاليم والرّسوموالمظاهر كثيراً، ولا تختلف في الآثار النّفسيّة إلا قليلاً، وتجتمع كلهافي نقطة واحدة وهي التّخدير والإلهاء عن الدّين والدّنيا».
ويتابع شارحاً مخاطر الطرقيّة وبدعها، حيث تعلٌّ كثيرٌ من المسلمين بطقوسطريقتهم، وبطروحات مشايخهم، ولم يعودوا على اتّصال مباشر مع الكتاب وصحيحالسّنّة، بل أصبحت هذه الطرق حاجزاً بينهم وبين مصادر الشريعة، وكأنها دينجديد، لقد أصبحت بعض الطرق -كما يرى الإبراهيمي- في بلاد العرب والمسلمين،وفي الجزائر بخاصّة، إضافة جديدة إلى محاولات الدّس التي قان بها أعداءكثيرون للإسلام، إن كان بنحل الأحاديث، أو بالتّأويلات المزوِّرة للحقيقة،أو ما شاع عند العديد من الحركات الباطنيّة، ولكن يعود ليؤكد أن هذه كانخطره أقل بكثير من خطر هذه الطَّريقة، فيقول: «أما والله ما بلغ الوضّاعونللحديث، ولا بلغت الجمعيّات السريّة ولا العلنيّة الكائدة للإسلام من هذاالدّين عشر معشار ما بلغته من هذه الطُّريق المشؤومة... إنّ هذه الهوَّةالعميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمّة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيّين».
ويقول مقرِّعاً الصوفيّة والطّرقيَّة وفهمهم الخاطئ للإسلام: «... فكلراقص صوفي، وكل ضارب بالطبل صوفي، وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ماجنخليع صوفي، وكل مسلوب العقل صوفي، وكل آكلٍ للدّنيا بالدّين صوفي، وهلُّمسحباً، أفَيَجْمُلُ بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضُّلالوتؤويه، أم يجب عليهم أن يَحملوا عليها حملةً صادقةً شعارهم: (لا صوفيّةفي الإسلام) حتى يدكُّوها دكّاً، وينسفوها نسفاً، ويذروها خاوية علىعروشها».
وقد كان -رحمه الله تعالى- في محاربته للصوفية وخرافاتهم وترَّهاتهممتأثراً بتعاليم حركة الشيخ محمد عبد الوهاب الإصلاحيّة، ويتضح ذلك عندمانراه يعلل هجوم المتاجرين بالدّين على هذه الدّعوة السُّنّية الإصلاحيّةفي البلاد الحجازيّة التي سمَّاها خصومها بـ (الوهَّابية) -تنفيراًوتشويهاً- لأنها قضت على بدعهم، وحاربت خرافاتهم، فيقول: «إنهم موتورونلهذه الوهَّابية التي هدمت أنصابهم، ومحت بدعها فيما وقع تحت سلطانها منأرض الله، وقد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجّض هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة،فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقّإلا نواحاً مردّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابية».
تكلّمنا في الحلقة الأولى عن شخصية هذا العلم وعن سلفيّته، وقلنا: إن دعوته قامت على ركائز، نستطيع حصرها فيما يلي:
أولاً: إصلاح العقيدة.
ثانياً: مقاومة الصوفيّة المبتدعة.
ونتابع في هذه الحلقة الكلام عن ركائز دعوته، فنقول:
ومنها أيضاً:
ثالثاً: محاربة الفهم الخاطئ للإسلام:
يرى الشيخ الإبراهيمي أن المتاجرين باسم الدين كان لهم أسوأ الأثرعلى عقول النّاس، حيث خدّروها بالأوهام، وملأوها بالخرافات والإدّعاءاتالتي ليست من الدين الحنيف في شيء، فكان فعلهم مشوّشاً للإيمان عندالعامّة مانعاً للتّفاعل الرّوحي المتعقّل من تعاليم الإسلام.
ومكمن خطر هؤلاء أنّ رأس مالهم التدجيل والتحريف، وبضاعتهم في هذه الأمّةالمسكينة التي أحكموا الحيلة في تخديرها بالرؤى والمنامات، وزعزعواعقيدتها بالله بما أثبتوه لأنفسهم من التّصرف في الكون أحياءً وأمواتاً،ومن مشارك الخالق فيما تفرُّد به من الأمر والخلق، وأفسدوا فطرتهاالدينيّة بما ابتدعوه لها من عبادات (ميكانيكيّة) هي إمّا زيادة في الدينأو نقص فيه.
وظهرت آثار هذه المحاربة في التّركيز أولاً على إصلاح عقيدة النّاس، وعلى محاربة الصوفيّة المبتدعة التي كانت منتشرة آنذاك.
ومن آثارها أيضاً:
محاربة التّعصب المذهبي المقيت: وكان الإبراهيمي يركز على هذا أشدّالتركيز، وكان يعدّث التعصب المذهبي سبباً من أسباب تفرُّق المسلمين، فهاهو يقول وهو يتكلم بهذا الصدّد: «هذه العصبيّة العمياء التي حدثت بعدهم-أي: الفقهاء والأئمة الأربعة على وجه الخصوص- للمذهب والتي نعتقد أنهم لوبُعثوا من جديد لأنكروها على أتباعهم.
ويقول: «وقد طغت شرور العصبيّة للمذاهب الفقهيّة في جميع الأقطارالإسلاميّة، وكان لها أوسوأ الأثر في تفريق كلمة المسلمين، وإن في وجهالتّاريخ الإسلامي منها لندوباً».
ويرى شيخنا الإبراهيمي أنّ سبب الوحدة الحقيقي هو الدّين، وأن ما يجتمععليه النّاس من غيره آفاق ضيّقة! هفا هو يقول: «الأوطان تجمع الأبدان،واللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلِّفها ويصل بين نكراتالقلوب فيعرفها هو الدّين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيّقة، ولكنالتمسوها في الدّين، والتمسوها في القرآن، تجدوا الأفق الأوسع، والدّارأجمع، والعديد أكثر، والقوى أوفر».
ويرى الشيخ الإبراهيمي أيضاً أنّ ابتعاد النّاس عن المفهوم الحقيقيللإسلام يجلب لهم لا محالة التّفرق والتشرذم، ومن مستلزمات ذلك الاعتمادعلى أسس ما أنزل الله بها من سلطان، فتجد هؤلاء المبتدعين يعتمدون تارةعلى علم الكلام، ويقدّسون (العقل)، وتجد بعهم الآخر ينخلع تماماً عن ذلك،ويغرق في الكلام عن الرّوح، فها هو يصرح بأن الجدل وعلم الكلام: «هو مبدأالتفرق الحقيقي في الدّين، لأن المتكلمين يزعمون أن علومهم هي أساسالإسلام، والصوفيّة يقولون: أن علومهم هي لباب الشريعة وحقيقتها».
فهو -رحمه الله تعالى- عالج جميع الأسباب التي يجتمع عليها فئات منالنّاس، ويتّخذونها أساساً فيما بينهم على الالتقاء على شارة ما، أو اسممعين، أو مذهب فقهيّ، أو عقليّ، أو روحيّ ، ولذا ترى عنده من السّماحة،وبُعد الأفق؛ وسعة الصّدر، ما هو حقيقٌ بمثله، بحيث كان مصلحاً حقّاً،بعيداً عن التّعصُّبات المقيتة، نابذاً القوالب الحزبيّة الضيّقة، فهو لايعمل لاسمٍ أو رسمٍ، وإنّما للإسلام ذات الإسلام بفهم سلف الأمّة الصالحين.
وكان -رحمه الله تعالى- إيجابيّاً في دعوته، انطلق من أسس راسخة فيالإصلاح، وأوجز مهام هذا بقوله: «إيصال النّفع والخير إلى الأمّة، ورفعالأميّة والجهل عنها، وحثّها على العمل وتنفيرها من البطالة والكسل،وتصحيح فهمها للحياة وتنظيف أفكارها وعقولها من التّخريف، وتنظيم التّعاونبين أفرادها وتمتين الصّلة والثّقة بين العامة والخاصّة منها، وتعليمهممعاني الخير والرّحمة والإحسان لجميع الخلق».
والإصلاح عند الإبراهيمي له جوانب عديدة، ومرتكزات كثيرة وميادين شتّى، نتكلم عليها في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
شبكة المنهاج ...
اللهم انصر دينك و كتابك و سنّة نبيّك و عبادك المؤمنين ...
اللهم الفردوس الأعلى[/size]
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin