اعتمد
الجيش الفرنسي
و قادته إستراتجية الحرب الشاملة في تعاملهم مع الشعب الجزائري ، و كلن
الهدف المنشود من راء هذه الاستراتيجية الإسراع في القضاء على تلك
المقاومة المستميتة التي أظهرتها مختلف فئات الشعب و على جميع الأصعدة
للهيمنة الأجنبية .و قد ازداد إصرار القادة الفرنسيون على انتهاج كل
أنواع القهر و الإبادة و التدمير دون مراعاة أي وازع إنساني أو ديني أو
حتى حضاري .وأزداد هذا الإصرار و تجذر في الوجدان الفرنسي مدني كان أو
عسكري ، حتى أضحت يوميات و تقارير الفرنسيين لا تخلو دون سرد المذابح و
الجرائم الفضيعة و الافتخار بها.
كما بقيت معالم الحرب الشاملة التي خاضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية
ضد الشعب الجزائري ماثلة بكل أوجهها، من إبادة للجنس البشري و طمس معالم
المجتمع الجزائري العربية و الإسلامية ،و هدم لمؤسساته الدينية و
الثقافية و شن الحملات العسكرية دون هوادة ضد القبائل الرافضة للاستيطان،
و ما ترتب عناه من أعمال تعسفية كالنفي و الإبعاد و التهجير و الحبس .و
قد كان قادة و حكام فرنسا من عسكريين و مدنيين الذين تولوا تسيير شؤون
الجزائر الأداة الفاعلة في تنفيذ هذه السياسة الوحشية ، مكرسين كل طاقتهم
من أجل تثبيت الاحتلال و ترسخ دعائمه
إبادة
العنصر البشري
يعترف أحد القادة العسكريين الفرنسيين في واحد من تقاريره، قائلا :"أننا
دمرنا تدميرا كاملا جميع القرى و الأشجار و الحقول و الخسائر التي ألحقها
فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر .إذا تساءل البعض ، هل كان عملنا خيرا أو
شرا ؟ فإني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان و حملهم على
الرحيل..."
فسر
الجنرال بيجو
عدم احترام الجيش الفرنسي للقواعد الإنسانية في تعامله مع الجزائريين إلى
احترام هذه القواعد يؤخر عملية احتلال الجزائر .و هذا اعتراف صريح على
ممارسة الجيش الفرنسي لأسلوب الإبادة و التدمير و النهب و التهجير تجاه
الجزائريين.
ومما لا شك فيه أن تلك العقلية العسكرية للجيش الفرنسي قد غلبت عليها
النزعة العدوانية الوحشية إلى درجة أن المرء لا يستغرب التسمية شبه
الرسمية التي أطلقها القائد السفاح مونتانيك على جنوده و هي مشاة الموت
كما أنه لا يستغرب إذ يجد كبار الضباط و المؤرخين يطلقون على طوابير
التخريب التي سلطها بيجو على الجزائر تسمية شبه رسمية هي الطوابير
الجهنمية .
ولا غرابة في افتخار
سانت أرنو في رسائله ، بأنه محا من
الوجود عدة قرى ، و أقام في طريقه جبالا من جثث القتلى . و لما لام
البرلمان الفرنسي الجنرال بيجو ، عن الجرائم التي مارسها ضباطه و جنوده
على الجزائر ، رد على وزير حربيته قائلا : " و أنا أرى بأن مراعاة
القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية " .
كانت البداية بمذبحة البليدة على عهد الجنرال
كلوزيل
، ثم
مذبحة العوفية
إلى عهد
الدوق
دي ريفيقو ، التي كشفت طبيعة الإبادة الجماعية ، كأسلوب سياسة
فرنسا في الجزائر .و تلتها من المذابح كان أشهرها مذبحة غار الفراشيش على
يد العقيد
بليسييه ، ناهيك عما اقترفه المجرم كافينياك في حق قبائل
الشلف ، و حيث طبق طريقة تشبه الإعدام عن طريق الاختناق ، فكانت
مجزرة قبائل السبيعة . ولم تنحصر عملية إبادة العنصر البشري
على منطقة محددة في الجزائر ، بل أصبحت هواية كل قائد عسكري فرنسي ، أو
كلت مهمة بسط نفوذ فرنسا و رسالتها الحضارية
هدم
المؤسسات الجزائرية لأملاك العامة و الخاصة
لم تكن معاهدة الاستسلام في 5 جويلية 1830 بين الكونت
دي بورمون
قائد جيوش الاحتلال الفرنسي و حاكم الجزائر
الداي حسين
إلاّ إخضاع الضعيف للقوي و المغلوب للغالب . وعلى الرغم من أنّ البند
الخامس منها ينص على عدم المساس بالدين الإسلامي و لا المساس بأملاك
الشعب الجزائري ، و لا تجارتهم و لا صناعتهم ، إلاّ أنّ الممتلكات الخاصة
تعرضت للسطو و النهب . لقد قام جنود الاحتلال من ضباط و جنود بطرد سكان
القصبة حيث مقر الداي حسين ، ثم بدءوا يحفرون الأراضي على أمل العثور على
كنوز الجزائر المدفونة و قد تمّ هدم الأسوار لنفس الغرض ، كما أجبر
الخواص على ترك أملاكهم و مساكنهم خوفا على أرواحهم ، وهذا حسب شهادة
حمدان خوجة نفسه . كذلك ضمت الأملاك الخاصة من أراض و مساكن إلى سلطة
الاحتلال ، حيث تم إفتكاك أكثر من 168 ألف هكتار في منطقة الجزائر و حدها
، يضاف إليها عملية تجميع القبائل و تجريدهم من أراضيهم في إطار قانون
كان قد أصدره الوالي العام
راندون ، وبدأ بتطبيقه ابتداء من عام
1863. و في شهادة
حمدان خوجة أن أغنياء مدينة الجزائر
أجبروا على مغادرة البلاد ، وترك أملاكهم عرضت للنهب و السلب ، وهذا ما
أثرّ سلبا على الطبقات الفقيرة التي سخطت على هذه السياسة .
كما استولى جنود العدو على أثاث السكان ، خاصة الأسلحة المرصعة بالذهب
والفضة و الأحجار الكريمة ، ومن المساكن التي تعرضت للسطو دار السيد
حمدان خوجة . كذلك تمّ الاستيلاء على كل الدور التي كانت بمدينة الجزائر
و المعدة للراحة.
إن الأملاك الخاصة التي أخذت بالقوة لم يتحصل أصحابها على أي تعويض، بل
كانت تخرب على مرأى و مسمع منهم فكانت الأبواب تهشم لتحرق و سياجات
الحديد تقلع لتباع ، أمّا أرضيات المساكن فكانت تحفر بحثا على الكنوز
الوهمية .
و إذا كانت الممتلكات الخاصة داخل العاصمة تعرضت للتخريب و الهدم فإن
ضواحيها لقيت نفس المصير فالضباط السامون كانوا يتسابقون لاختيار أجمل
المساكن و الحدائق ثم يقومون بتخريبها بعد الإقامة فيها .
كما أن المحلات التجارية سلبت من الجزائريين و أعطيت لليهود بالدرجة
الأولى ، وقد عبّر جانتي دي بو سي عن هذه السياسة بقوله :" إننا أخذنا
الجزائر ، فنحن أصحابها بلا منازع و سنعمل فيها كل ما يحلوا لنا سواء من
ناحية الهدم أو غيره:
و قد أكد تقرير فرنسي صدر سنة 1833 هذه السياسة القائمة على ا لهدم و
التخريب و مما جاء فيه ما يلي :" لقد حطمنا .. و جرّنا السكان الذين و
عدناهم بالاحترام .. و أخذنا ممتلكاتهم الخاصة بدون تعويض .."و هذا
المسلك اعتمده السفاح بيجو في مخططه الذي تضمن عدة أساليب جهنمية منها
تخريب القرى التي يسكنها الأهالي تخريبا تاما ، وهدم المؤسسات الدينية أو
بيعها للمستوطنين للأوربيين فهدموها و بنوا مكانها.
كما أنّ الاستيلاء على الأملاك الخاصة ألحق أضرارا بالغة بأصحابها و هذه
شهادة أحد الفرنسيين و هو السيد دلسبيس DELSPES و الذي قال :" الأهالي
المجردين من أملاكهم بدون أي تعويض بلغ بهم الشقاء إلى حدّ التسوّل.."
وحتى الصناعة التقليدية على اعتبار أنها محصورة في عدد معين من سكان
الجزائر فقد تعرضت إلى دفن و لم يصبح لها أي وجود ، أما الاملاك العامة
فهي تلك التركة التي تركها وراءه الداي حسين و كان في مقدمتها أموال
الجزائرية المودعة في الخزينة العامة للإيالة و التي قدرت بـ50 مليون
دولار ، فقد إستولت عليها سلطات الاحتلال و اعتبرتها ملكا لها . كذلك
الأوقاف الإسلامية التي تم الاستيلاء عليها بموجب أمر مؤرخ في 8 سبتمبر
1830 ثم تبعه أمرا ثانيا في 7 ديسمبر 1830 الذي يخول للحاكم العام حتى
التصرف في الاملاك الدينية بالتأجير أو بالكراء ، وبهذه الاوامر تم تأميم
الممتلكات العامة التي أصبحت تحت تصرف المعمرين فيما بعد ، حيث باعت لهم
الإدارة الفرنسية من أملاك الاوقات ما قيمته 4495839 فرنك ،كما امتدت
معاول الهدم إلى الممتلكات العامة في كل المدن الكبرى ، حيث لم يكتف جنود
الاحتلا بقطع الأشجار ، و ثقبوا أنابيب المياه
و هدموا سواقيها إلى جانب تغيير أسماء الشوارع و تهديم الاسواق التي راجت
آنذاك و حوّلت إلى ساحات عامة كما تم تهديم عدة منازل في العاصمة لإقامة
ساحة الحكومة وحوّلت هذه الأملاك كذلك إلى ملاهي و محافل دينية و مقاهي
على الطراز الفرنسي ، و في هذا المجال و حسب المصادر الفرنسية حول
الاملاك بصفة عامة نقل الدكتور سعد الله ما يلي :
- أملاك البايلك ( الدولة ) كان عددها 5000 ( خمسة آلاف ) ملكية ، تحوّلت
إلى الإدارة الاستعمارية ،و قد شملت عدة منشآت منها الثكنات و المباني
الرسمية و ممتلكات الحكام و الوزراء و كبار الموظفين في الحكومة
الجزائرية .
- أملاك بيت المال : و هي ما يعود إلى بيت المال من الاملاك التي يتم
إحتجازها و ليس لها وريث.
- الأملاك الخاصة : و هي متعددة منها العقار و نحوه.
- أملاك الاوقاف : على الرغم من كونها أملاكا عامة إلاّ أنها كانت على
انواع متعددة:
أولها : أوقاف مكة و المدينة و هي كثيرة وغنية ، و ثانيها : أوقاف
المساجد و الجوامع ، ثالثاها أوقاف الزوايا و الاضرحة ورابعها أوقاف
الاندلس ثم أوقاف الأشراف و سادسها أوقاف الانكشارية و سابعها أوقاف
الطرق العامة يضاف إليها أاوقاف عيون المياه
المؤسسات الثقافية و
الدينية
تعرضت المؤسسات الثقافية و الدينية إلى الهدم و التخريب و التدمير ، ذلك
في اطار سياسة استعمارية تدخل بدورها ضمن الحرب الشاملة . وقد ركزت
السياسة الاستعمارية معاول هدمها على المؤسسسات الدينية ، وعلى رأسها
المساجد و الجوامع و المدارس و الزوايا ، لما لهذه المؤسسات ،من دور في
الحفاض على مقومات الشعب الجزائري و إنتماءه الحضاري العربي الإسلامي .و
كان من نتائج سياسة الهدم هذه ، تدهور الثقافة و المستوى التعليمي في
المجتمع الجزائري ، مما مكن الإدارة الاستعمارية و المستوطنين . ومن بين
هذه المؤسسات نذكر ، المساجد و الجوامع كمثال عن الهمجية الفرنسية
البربرية.كانت مدينة الجزائر تضم و حدها 176 مسجدا قبل الاحتلال الفرنسي
لينخفض هذا العدد سنة 1899 ليصل إلى خمسة فقط ،و أهم المساجد التي عبث
بها الإحتلال نذكر :
- جامع القصبة تحول إلى كنيسة الصليب المقدس
- جامع علي بتشين تحول إلى كنسية سيدة النصر
- جامع كتشاوة حول إلى كنسية بعد أن أباد الجيش الفرنسي حوالي 4000 مصلي
إعتصموا به ،و القائمة طويلة .
و كان الحال نفسه في باقي المدن الجزائرية،و تعرضت الزوايا إلى نفس اعمال
الهدم و البيع و التحويل ، إذ لقيت نفس مصير المساجد و الجوامع.و حسب
الإحصائيات الفرنسية ، فقد تعرضت 349 زاوية إلى الهدم و الاستيلاء . ومن
أشهر الزوايا التي إندثرت من جراء هذه السياسة زاوية القشاش و الصباغين و
المقياسين و الشابرلية. وقد شعر الساسة الفرنسيون بخطورة ما يمثله
التعليم العربي ، فاتجهت أنظارهم إلى المدارس التعليمية فيها . ثم قطع
التموين المالي ، الذي كان يأتيها من الإيرادات الوقفية .
وقد عرفت المدارس نفس المصير ، كمدرسة الجامع الكبير و مدرسة جامع السيدة
وكمثال عن التدمير الذي تعرضت له هذه المؤسسات ، نذكر أنه في مدينة عنابة
،كان بها قبل الاحتلال 39مدرسة إلى جانب المدارس التابعة للمساجد ، لم
يبق منها إلا 3 مدارس فقط . ولقد لخص أحد جنرالات فرنسا في تقريره إلى
نابليون الثالث
إصرار الإدارة الفرنسية على محاربة المؤسسات الثقافية الجزائرية ،
قائلا:" يجب علينا أن نضع العراقيل أمام المدارس الإسلامية ...كلما
استطعنا إلى ذلك سبيلا ... و بعبارة أخرى يجب أن يكون هدفنا هو تحطيم
الشعب الجزائري ماديا و معنويا"
الجيش الفرنسي
و قادته إستراتجية الحرب الشاملة في تعاملهم مع الشعب الجزائري ، و كلن
الهدف المنشود من راء هذه الاستراتيجية الإسراع في القضاء على تلك
المقاومة المستميتة التي أظهرتها مختلف فئات الشعب و على جميع الأصعدة
للهيمنة الأجنبية .و قد ازداد إصرار القادة الفرنسيون على انتهاج كل
أنواع القهر و الإبادة و التدمير دون مراعاة أي وازع إنساني أو ديني أو
حتى حضاري .وأزداد هذا الإصرار و تجذر في الوجدان الفرنسي مدني كان أو
عسكري ، حتى أضحت يوميات و تقارير الفرنسيين لا تخلو دون سرد المذابح و
الجرائم الفضيعة و الافتخار بها.
كما بقيت معالم الحرب الشاملة التي خاضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية
ضد الشعب الجزائري ماثلة بكل أوجهها، من إبادة للجنس البشري و طمس معالم
المجتمع الجزائري العربية و الإسلامية ،و هدم لمؤسساته الدينية و
الثقافية و شن الحملات العسكرية دون هوادة ضد القبائل الرافضة للاستيطان،
و ما ترتب عناه من أعمال تعسفية كالنفي و الإبعاد و التهجير و الحبس .و
قد كان قادة و حكام فرنسا من عسكريين و مدنيين الذين تولوا تسيير شؤون
الجزائر الأداة الفاعلة في تنفيذ هذه السياسة الوحشية ، مكرسين كل طاقتهم
من أجل تثبيت الاحتلال و ترسخ دعائمه
إبادة
العنصر البشري
يعترف أحد القادة العسكريين الفرنسيين في واحد من تقاريره، قائلا :"أننا
دمرنا تدميرا كاملا جميع القرى و الأشجار و الحقول و الخسائر التي ألحقها
فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر .إذا تساءل البعض ، هل كان عملنا خيرا أو
شرا ؟ فإني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان و حملهم على
الرحيل..."
فسر
الجنرال بيجو
عدم احترام الجيش الفرنسي للقواعد الإنسانية في تعامله مع الجزائريين إلى
احترام هذه القواعد يؤخر عملية احتلال الجزائر .و هذا اعتراف صريح على
ممارسة الجيش الفرنسي لأسلوب الإبادة و التدمير و النهب و التهجير تجاه
الجزائريين.
ومما لا شك فيه أن تلك العقلية العسكرية للجيش الفرنسي قد غلبت عليها
النزعة العدوانية الوحشية إلى درجة أن المرء لا يستغرب التسمية شبه
الرسمية التي أطلقها القائد السفاح مونتانيك على جنوده و هي مشاة الموت
كما أنه لا يستغرب إذ يجد كبار الضباط و المؤرخين يطلقون على طوابير
التخريب التي سلطها بيجو على الجزائر تسمية شبه رسمية هي الطوابير
الجهنمية .
ولا غرابة في افتخار
سانت أرنو في رسائله ، بأنه محا من
الوجود عدة قرى ، و أقام في طريقه جبالا من جثث القتلى . و لما لام
البرلمان الفرنسي الجنرال بيجو ، عن الجرائم التي مارسها ضباطه و جنوده
على الجزائر ، رد على وزير حربيته قائلا : " و أنا أرى بأن مراعاة
القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية " .
كانت البداية بمذبحة البليدة على عهد الجنرال
كلوزيل
، ثم
مذبحة العوفية
إلى عهد
الدوق
دي ريفيقو ، التي كشفت طبيعة الإبادة الجماعية ، كأسلوب سياسة
فرنسا في الجزائر .و تلتها من المذابح كان أشهرها مذبحة غار الفراشيش على
يد العقيد
بليسييه ، ناهيك عما اقترفه المجرم كافينياك في حق قبائل
الشلف ، و حيث طبق طريقة تشبه الإعدام عن طريق الاختناق ، فكانت
مجزرة قبائل السبيعة . ولم تنحصر عملية إبادة العنصر البشري
على منطقة محددة في الجزائر ، بل أصبحت هواية كل قائد عسكري فرنسي ، أو
كلت مهمة بسط نفوذ فرنسا و رسالتها الحضارية
هدم
المؤسسات الجزائرية لأملاك العامة و الخاصة
لم تكن معاهدة الاستسلام في 5 جويلية 1830 بين الكونت
دي بورمون
قائد جيوش الاحتلال الفرنسي و حاكم الجزائر
الداي حسين
إلاّ إخضاع الضعيف للقوي و المغلوب للغالب . وعلى الرغم من أنّ البند
الخامس منها ينص على عدم المساس بالدين الإسلامي و لا المساس بأملاك
الشعب الجزائري ، و لا تجارتهم و لا صناعتهم ، إلاّ أنّ الممتلكات الخاصة
تعرضت للسطو و النهب . لقد قام جنود الاحتلال من ضباط و جنود بطرد سكان
القصبة حيث مقر الداي حسين ، ثم بدءوا يحفرون الأراضي على أمل العثور على
كنوز الجزائر المدفونة و قد تمّ هدم الأسوار لنفس الغرض ، كما أجبر
الخواص على ترك أملاكهم و مساكنهم خوفا على أرواحهم ، وهذا حسب شهادة
حمدان خوجة نفسه . كذلك ضمت الأملاك الخاصة من أراض و مساكن إلى سلطة
الاحتلال ، حيث تم إفتكاك أكثر من 168 ألف هكتار في منطقة الجزائر و حدها
، يضاف إليها عملية تجميع القبائل و تجريدهم من أراضيهم في إطار قانون
كان قد أصدره الوالي العام
راندون ، وبدأ بتطبيقه ابتداء من عام
1863. و في شهادة
حمدان خوجة أن أغنياء مدينة الجزائر
أجبروا على مغادرة البلاد ، وترك أملاكهم عرضت للنهب و السلب ، وهذا ما
أثرّ سلبا على الطبقات الفقيرة التي سخطت على هذه السياسة .
كما استولى جنود العدو على أثاث السكان ، خاصة الأسلحة المرصعة بالذهب
والفضة و الأحجار الكريمة ، ومن المساكن التي تعرضت للسطو دار السيد
حمدان خوجة . كذلك تمّ الاستيلاء على كل الدور التي كانت بمدينة الجزائر
و المعدة للراحة.
إن الأملاك الخاصة التي أخذت بالقوة لم يتحصل أصحابها على أي تعويض، بل
كانت تخرب على مرأى و مسمع منهم فكانت الأبواب تهشم لتحرق و سياجات
الحديد تقلع لتباع ، أمّا أرضيات المساكن فكانت تحفر بحثا على الكنوز
الوهمية .
و إذا كانت الممتلكات الخاصة داخل العاصمة تعرضت للتخريب و الهدم فإن
ضواحيها لقيت نفس المصير فالضباط السامون كانوا يتسابقون لاختيار أجمل
المساكن و الحدائق ثم يقومون بتخريبها بعد الإقامة فيها .
كما أن المحلات التجارية سلبت من الجزائريين و أعطيت لليهود بالدرجة
الأولى ، وقد عبّر جانتي دي بو سي عن هذه السياسة بقوله :" إننا أخذنا
الجزائر ، فنحن أصحابها بلا منازع و سنعمل فيها كل ما يحلوا لنا سواء من
ناحية الهدم أو غيره:
و قد أكد تقرير فرنسي صدر سنة 1833 هذه السياسة القائمة على ا لهدم و
التخريب و مما جاء فيه ما يلي :" لقد حطمنا .. و جرّنا السكان الذين و
عدناهم بالاحترام .. و أخذنا ممتلكاتهم الخاصة بدون تعويض .."و هذا
المسلك اعتمده السفاح بيجو في مخططه الذي تضمن عدة أساليب جهنمية منها
تخريب القرى التي يسكنها الأهالي تخريبا تاما ، وهدم المؤسسات الدينية أو
بيعها للمستوطنين للأوربيين فهدموها و بنوا مكانها.
كما أنّ الاستيلاء على الأملاك الخاصة ألحق أضرارا بالغة بأصحابها و هذه
شهادة أحد الفرنسيين و هو السيد دلسبيس DELSPES و الذي قال :" الأهالي
المجردين من أملاكهم بدون أي تعويض بلغ بهم الشقاء إلى حدّ التسوّل.."
وحتى الصناعة التقليدية على اعتبار أنها محصورة في عدد معين من سكان
الجزائر فقد تعرضت إلى دفن و لم يصبح لها أي وجود ، أما الاملاك العامة
فهي تلك التركة التي تركها وراءه الداي حسين و كان في مقدمتها أموال
الجزائرية المودعة في الخزينة العامة للإيالة و التي قدرت بـ50 مليون
دولار ، فقد إستولت عليها سلطات الاحتلال و اعتبرتها ملكا لها . كذلك
الأوقاف الإسلامية التي تم الاستيلاء عليها بموجب أمر مؤرخ في 8 سبتمبر
1830 ثم تبعه أمرا ثانيا في 7 ديسمبر 1830 الذي يخول للحاكم العام حتى
التصرف في الاملاك الدينية بالتأجير أو بالكراء ، وبهذه الاوامر تم تأميم
الممتلكات العامة التي أصبحت تحت تصرف المعمرين فيما بعد ، حيث باعت لهم
الإدارة الفرنسية من أملاك الاوقات ما قيمته 4495839 فرنك ،كما امتدت
معاول الهدم إلى الممتلكات العامة في كل المدن الكبرى ، حيث لم يكتف جنود
الاحتلا بقطع الأشجار ، و ثقبوا أنابيب المياه
و هدموا سواقيها إلى جانب تغيير أسماء الشوارع و تهديم الاسواق التي راجت
آنذاك و حوّلت إلى ساحات عامة كما تم تهديم عدة منازل في العاصمة لإقامة
ساحة الحكومة وحوّلت هذه الأملاك كذلك إلى ملاهي و محافل دينية و مقاهي
على الطراز الفرنسي ، و في هذا المجال و حسب المصادر الفرنسية حول
الاملاك بصفة عامة نقل الدكتور سعد الله ما يلي :
- أملاك البايلك ( الدولة ) كان عددها 5000 ( خمسة آلاف ) ملكية ، تحوّلت
إلى الإدارة الاستعمارية ،و قد شملت عدة منشآت منها الثكنات و المباني
الرسمية و ممتلكات الحكام و الوزراء و كبار الموظفين في الحكومة
الجزائرية .
- أملاك بيت المال : و هي ما يعود إلى بيت المال من الاملاك التي يتم
إحتجازها و ليس لها وريث.
- الأملاك الخاصة : و هي متعددة منها العقار و نحوه.
- أملاك الاوقاف : على الرغم من كونها أملاكا عامة إلاّ أنها كانت على
انواع متعددة:
أولها : أوقاف مكة و المدينة و هي كثيرة وغنية ، و ثانيها : أوقاف
المساجد و الجوامع ، ثالثاها أوقاف الزوايا و الاضرحة ورابعها أوقاف
الاندلس ثم أوقاف الأشراف و سادسها أوقاف الانكشارية و سابعها أوقاف
الطرق العامة يضاف إليها أاوقاف عيون المياه
المؤسسات الثقافية و
الدينية
تعرضت المؤسسات الثقافية و الدينية إلى الهدم و التخريب و التدمير ، ذلك
في اطار سياسة استعمارية تدخل بدورها ضمن الحرب الشاملة . وقد ركزت
السياسة الاستعمارية معاول هدمها على المؤسسسات الدينية ، وعلى رأسها
المساجد و الجوامع و المدارس و الزوايا ، لما لهذه المؤسسات ،من دور في
الحفاض على مقومات الشعب الجزائري و إنتماءه الحضاري العربي الإسلامي .و
كان من نتائج سياسة الهدم هذه ، تدهور الثقافة و المستوى التعليمي في
المجتمع الجزائري ، مما مكن الإدارة الاستعمارية و المستوطنين . ومن بين
هذه المؤسسات نذكر ، المساجد و الجوامع كمثال عن الهمجية الفرنسية
البربرية.كانت مدينة الجزائر تضم و حدها 176 مسجدا قبل الاحتلال الفرنسي
لينخفض هذا العدد سنة 1899 ليصل إلى خمسة فقط ،و أهم المساجد التي عبث
بها الإحتلال نذكر :
- جامع القصبة تحول إلى كنيسة الصليب المقدس
- جامع علي بتشين تحول إلى كنسية سيدة النصر
- جامع كتشاوة حول إلى كنسية بعد أن أباد الجيش الفرنسي حوالي 4000 مصلي
إعتصموا به ،و القائمة طويلة .
و كان الحال نفسه في باقي المدن الجزائرية،و تعرضت الزوايا إلى نفس اعمال
الهدم و البيع و التحويل ، إذ لقيت نفس مصير المساجد و الجوامع.و حسب
الإحصائيات الفرنسية ، فقد تعرضت 349 زاوية إلى الهدم و الاستيلاء . ومن
أشهر الزوايا التي إندثرت من جراء هذه السياسة زاوية القشاش و الصباغين و
المقياسين و الشابرلية. وقد شعر الساسة الفرنسيون بخطورة ما يمثله
التعليم العربي ، فاتجهت أنظارهم إلى المدارس التعليمية فيها . ثم قطع
التموين المالي ، الذي كان يأتيها من الإيرادات الوقفية .
وقد عرفت المدارس نفس المصير ، كمدرسة الجامع الكبير و مدرسة جامع السيدة
وكمثال عن التدمير الذي تعرضت له هذه المؤسسات ، نذكر أنه في مدينة عنابة
،كان بها قبل الاحتلال 39مدرسة إلى جانب المدارس التابعة للمساجد ، لم
يبق منها إلا 3 مدارس فقط . ولقد لخص أحد جنرالات فرنسا في تقريره إلى
نابليون الثالث
إصرار الإدارة الفرنسية على محاربة المؤسسات الثقافية الجزائرية ،
قائلا:" يجب علينا أن نضع العراقيل أمام المدارس الإسلامية ...كلما
استطعنا إلى ذلك سبيلا ... و بعبارة أخرى يجب أن يكون هدفنا هو تحطيم
الشعب الجزائري ماديا و معنويا"
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin