تمهيد:
الحضارة تجسيد
للنشاط العقلي عند الإنسان، وتاريخ الحضارة سجل لتطور هذا العقل ومدى
فعاليته في مختلف نواحي الحياة، من سياسية واجتماعية واقتصادية وإدارية
وحربية وعمرانية. ودراسة هذا التاريخ تتناول إلى جانب ذلك وسائل إنتاج
الإنسان ومستوى معيشته وفنونه الجميلة، ومعتقداته الدينية وأساطيره وعلومه
وآدابه ووسائل كفاحه المستمر مع الطبيعة من أجل البقاء.
وذلك يعني أن هذا التاريخ لم يعد كما عرفه المؤرخ الإنكليزي "إدوارد فريمان" بقوله:
"إنه تاريخ السياسة الماضية" بل إن التاريخ بمجمله أضحى، بحسب النظرة التطورية الحديثة، هو بالذات تاريخ الحضارة.
والحضارة
فعل نام متحرك كالكائن الحي، تولد ثم تحبو طفلة طرية العود، حتى إذا اشتد
ساقاها وأينعت، بدأ عهدها المزدهر أو شبابها المعطي، وتكون في هذا الطور
في إبان خصبها. فإذا استنفدت طاقتها المخزونة بدأت تنحدر نحو الهرم
والشيخوخة، وبدأ عطاؤها يشح وينضب، إلى أن تنقرض.
في
كل حضارة بلا شك بذرة بقاء، هي الإرث الحضاري الذي تتركه وراءها، وهذا
الإرث مشاع كالهواء، يمكن لكل أمة أن تفيد منه، كما يمكن كل حضارة نامية
أن تتفاعل معه وتجعله لبنة في بنيانها.
ولعله
من حسن حظ الإنسانية أن يكون الأمر كذلك، لأن الحضارة المنغلقة على ذاتها
لا يمكن أن تعطي الإنسانية شيئاً، فهي مبتلاة بالعقم لأن جوهرها يفتقر إلى
بذرة البقاء.
والتفاعل بين الحضارات أمر لا
مفر منه، فهو مظهر من مظاهر عدوى التقاليد، وانفتاح كل حضارة على التاريخ.
وأشد ما يكون هذا التفاعل حين تكون الحضارة الناشئة في دور الاقتباس
والتلقي، فإذا ما تجاوزته إلى دور الهضم والتمثيل، استحال ما أخذته إلى دم
قوي نشيط يساعدها على بدء عملية الخلق والإبداع، هذه العملية التي تعطيها
طابعها الخاص وشخصيتها المميزة، ككائن مستقل واضح الخصائص.
والحضارة
العربية واحدة من تلك الحضارات المنفتحة على التاريخ. إنها من الحضارات
الشاملة التي تأثرت بها شعوب مختلفة، ولعبت دورها المجيد في سير الحضارة
البشرية، وهي، عدا عن كونها امتداداً لحضارة اليونان والرومان، ذات شخصية
متميزة، وتجاوزتهما إلى بعض أوروبا، وكان لها أثرها الفعال في بعث النهضة
الأوروبية الحديثة.
ولو لم يكن للحضارة
العربية إلا دور الوسيط الذي حمل إلى الغرب أنفس ما في التراثين اليوناني
والروماني، لكفاها ذلك فخراً، ولجنبها تهمة الشح في العطاء، التي يحاول
بعض المتجنين على التاريخ إلصاقها بها.
قال
غوستاف لوبون: "لقد أنشأ العرب بسرعة، حضارة جديدة، كثيرة الاختلاف عن
الحضارات التي ظهرت قبلها، وتمكنوا بحسن سياستهم من حمل أمم كثيرة على
انتحال دينهم ولغتهم وثقافتهم، ولم يشذ عن ذلك أقدم الشعوب كالمصريين
والهنود الذين رضوا أيضاً بمعتقدات العرب وعاداتهم وفن عمارتهم"..
وقال:
"إن الأمم التي غابت عن التاريخ لم تترك غير أطلال وصارت أديانها ولغاتها
وفنونها ذكريات، أما العرب فما زالت عناصر حضارتهم باقية حية".
ويقول
صاحب كتاب "اعتذار إلى محمد والإسلام": يجب أن نعترف بأن علوم الطبيعة
والفلك والفلسفة والرياضيات التي أنعشت أوروبا منذ القرن العاصر مقتبسة عن
القرآن.
ولعل هذا الباحث لم يخطئ الصواب
إذا علمنا أن الله قد افتتح هذا القرآن الكريم الذي هو كتاب العرب الأول
والذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله محمد ( بكلمة "اقرأ" وإن أول قسم
أقسمه الله كان "بالقلم" "ن والقلم وما يسطرون".
وإن المتتبع لآيات القرآن يجد أنها حوت ما يربو على 750 آية شملت معظم العلوم المعروفة في زماننا.
فنجد
علم القانون في قوله: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". ونجد علم
التجارة في قوله: "وأحل الله البيع وحرم الربا" ونجد فنون صناعة الكتابة
في قوله: "ن. والقلم وما يسطرون" ونجد علم البيان في قوله: "الرحمن علم
القرآن خلق الإنسان علمه البيان". ونجد النجارة في قوله: "واصنع الفلك
بأعيننا ووحينا". ونجد الغوص واستخراج المعادن في قوله: "وتستخرجون منه
حلية تلبسونها". ونجد الملاحة في قوله: "وترى الفلك مواخر فيه". وعلم
الزراعة في قوله: "أفرأيتم ما تحرثون؟". وعلم الاختراع في قوله: "علم
الإنسان ما لم يعلم" وعلم الفلك في قوله: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك
القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون". وعلم الجيش والجندية في
قوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". وفن التجميل في قوله: "خذوا زينتكم
عند كل مسجد". وصناعة الزجاج في قوله: "قال إنه صار ممرد من قوارير".
وصناعة الفخار في قوله: "فأوقد لي يا هامان على الطين". وعلم النفس في
قوله: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون". وعلم التاريخ في قوله: "ذلك من أنباء
الغيب نوحيه إليك". وعلم الآثار في قوله: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في
الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين".
إفصاح:
لاشك
أن الباحث المنصف في تاريخ الأمم، ونهضات الشعوب، يقف حيال تاريخ الأمة
العربية، ونهضتها موقف المتأمل الخاشع، لما وصلت إليه هذه الأمة، في
حضارتها الزاهرة، ومدنيتها العامرة، التي أظلت الإنسانية بظلالها الوارفة،
ونعمت فيها بالحرية والكرامة، والأمن والسلام، من تعاليم رشيدة، وسياسة
حكيمة، وعناية بالعلوم والمعارف على اختلافها.
ذلك
لأن العرب هم الذين أسهموا بأموالهم وعقولهم في البحث والتحصيل، حتى
أظهروا خافيها، وذللوا الصعب منها، وأصبحت –في عهودهم المزدهرة- دولة
قائمة للعلوم والمعارف- ومن هنا كانوا زينة الدنيا ومعجزة العالمين- منهم
الأساتذة الأولون الذين تتلمذ على أيديهم علماء الغرب، وحج إلى معاهدهم
طلاب الفلسفة، وعشاق الحكمة. يدل على ذلك، هذه الآثار الشاهدة بمآثرهم
الناطقة بحضارتهم، في مصر والشام والأندلس وإيران وما وراء النهرين
وأفغانستان وطبرستان، وغيرها من البلاد.
يقول
"روبرتسون": في الزمن الذي كان فيه العرب يبحثون العلوم المختلفة،
ويتدارسونها وينشرونها على الناس، كان أهل أوروبا في جهل مطبق، وسبات
عميق، ولم يستفيقوا إلا بعد الحروب الصليبية، لأنهم حينئذ اختلطوا بالعرب
والمسلمين، فوجدوا لديهم علوماً لم يعرفوها إلا بهم، وحضارة اقتبسوها منهم
وأدخلوها إلى بلادهم.
ويقول "دارير" أحد
علماء أمريكا المشهورين "لقد تأخذنا الدهشة إذا نظرنا في كتب العرب، فنجد
فيها آراء نعتقد أنها لم تولد في زماننا هذا، كالرأي الجديد في ترقي
الكائنات العضوية وتدرجها في كمال أنواعها، فإن هذا العلم علمه العرب
قديماً في مدارسهم، وذهبوا فيه إلى أبعد مما ذهبنا إليه".
ويقول
"توماس كارليل" المستشرق الإنجليزي لقد أخرج الله العرب بالإسلام من
الظلمات إلى النور، وأحيا به أمة خاملة، لا يسمع لها صوت، ولا تحس منها
حركة، منذ بدأ العالم فأرسل الله نبياً بكلمة من لدنه، ورسالة من قبله،
فإذا الخمول نباهة، والغموض قد استحال شهرة، والضعة رفعة، والضعف قوة،
والشرارة حريقاً، وسع نوره الأنحاء، وعم ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال
بالجنوب، والشرق بالغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى صار لدولة
العرب رجل في الهند، ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة،
ودهوراً مديدة، بنور الفضل والنبل، والمروءة والنجدة، ورونق الحياة والهدى
على نصف المعمورة.
والحق ما قاله هذا
المستشرق المنصف، وهو أن العرب لم يبلغوا ذلك إلا بالإسلام وتعاليمه التي
كان بها أتباعه خير أمة أخرجت للناس، تقيم للعدالة ميزانها، وترفع للحق
مناره، وتغرس للدنيا دولة تمتد شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، حيث لا
حروب ولا قلاقل، ولا ظلم ولا تناحر وإنما هو الأمن والسلام، والحياة
والاستقرار والتعارف والرحمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".
وفي دراستنا هذه، قبس من هذا النور، وضياء من هذا الوهج اللامع، الذي وهب الدنيا القوة والعافية.
تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية:
لقد
عني المنصفون من مؤرخي الغرب وباحثيه بتبيان الأثر العظيم الذي تركته
الحضارة العربية في الحضارة الأوروبية، وبما أن إثبات جميع ما قالوه في
هذا الموضوع غير ممكن، فإننا سنكتفي هنا بتلخيص ما ذكره العلامة "غوستاف
لوبون" في كتابه "حضارة العرب" حول هذه النقطة.
يرى
العلامة المنصف أن الحروب الصليبية لم تكن السبب الذي أدى إلى دخول العلوم
إلى أوروبا، بل إن هذه العلوم إنما دخلت عن طريق إسبانية وصقلية وإيطالية.
ففي عام 1430م أنشئ في طليطلة، وبرعاية رئيس أساقفتها "ريمون"، مكتب
للترجمة يعنى بنقل أهم كتب العرب إلى اللاتينية. ولقد نجح هذا المكتب في
مهمته، ولم يقتصر النقل على مؤلفات علماء العرب "كالرازي" و "أبي القاسم"
و "ابن سينا" و "ابن رشد" بل تعداها إلى كتب اليونان التي ترجمتها العرب
ككتب جالينوس وأبقراط وأفلاطون وأرسطو وإقليدس وأرخميدس وبطليموس.
وقد
روى الدكتور (لوكلير) في كتابه "تاريخ الطب العربي" إن ما ترجم من كتب
العرب إلى اللاتينية يتجاوز الثلاثمائة كتاب، وأن القرون الوسطى لم تعرف
كتب قدماء اليونان إلا من ترجماتها العربية، ولم يكن يقدر للغرب لولا
العرب- أن يطلع على كتاب "أبولونيوس" في المخروطات، وكتاب جالينوس في
الأمراض السارية، وكتاب أرسطو في الحجارة الخ..
وقال مسيو ليبري: "لو لم يظهر العرب على مسرح التاريخ لتأخرت نهضة أوروبا الحديثة عدة قرون".
وعلى
كتب العرب وحدها اعتمد علماء الغرب بعد القرن الخامس عشر كروجر بيكن
وليونارد البيزي، وأرنود الفيلنوفي، وسان توما، وألبرت الكبير. وهذان
الأخيران مدينان بكل قيمتهما العلمية لابن سينا وابن رشد، وقد أوضح هذه
الحقيقة وأعلنها مسيو رينان حين قال:
"إن ألبرت الكبير مدين لابن سينا، وسان توما مدين في فلسفته لابن رشد".
الحضارة تجسيد
للنشاط العقلي عند الإنسان، وتاريخ الحضارة سجل لتطور هذا العقل ومدى
فعاليته في مختلف نواحي الحياة، من سياسية واجتماعية واقتصادية وإدارية
وحربية وعمرانية. ودراسة هذا التاريخ تتناول إلى جانب ذلك وسائل إنتاج
الإنسان ومستوى معيشته وفنونه الجميلة، ومعتقداته الدينية وأساطيره وعلومه
وآدابه ووسائل كفاحه المستمر مع الطبيعة من أجل البقاء.
وذلك يعني أن هذا التاريخ لم يعد كما عرفه المؤرخ الإنكليزي "إدوارد فريمان" بقوله:
"إنه تاريخ السياسة الماضية" بل إن التاريخ بمجمله أضحى، بحسب النظرة التطورية الحديثة، هو بالذات تاريخ الحضارة.
والحضارة
فعل نام متحرك كالكائن الحي، تولد ثم تحبو طفلة طرية العود، حتى إذا اشتد
ساقاها وأينعت، بدأ عهدها المزدهر أو شبابها المعطي، وتكون في هذا الطور
في إبان خصبها. فإذا استنفدت طاقتها المخزونة بدأت تنحدر نحو الهرم
والشيخوخة، وبدأ عطاؤها يشح وينضب، إلى أن تنقرض.
في
كل حضارة بلا شك بذرة بقاء، هي الإرث الحضاري الذي تتركه وراءها، وهذا
الإرث مشاع كالهواء، يمكن لكل أمة أن تفيد منه، كما يمكن كل حضارة نامية
أن تتفاعل معه وتجعله لبنة في بنيانها.
ولعله
من حسن حظ الإنسانية أن يكون الأمر كذلك، لأن الحضارة المنغلقة على ذاتها
لا يمكن أن تعطي الإنسانية شيئاً، فهي مبتلاة بالعقم لأن جوهرها يفتقر إلى
بذرة البقاء.
والتفاعل بين الحضارات أمر لا
مفر منه، فهو مظهر من مظاهر عدوى التقاليد، وانفتاح كل حضارة على التاريخ.
وأشد ما يكون هذا التفاعل حين تكون الحضارة الناشئة في دور الاقتباس
والتلقي، فإذا ما تجاوزته إلى دور الهضم والتمثيل، استحال ما أخذته إلى دم
قوي نشيط يساعدها على بدء عملية الخلق والإبداع، هذه العملية التي تعطيها
طابعها الخاص وشخصيتها المميزة، ككائن مستقل واضح الخصائص.
والحضارة
العربية واحدة من تلك الحضارات المنفتحة على التاريخ. إنها من الحضارات
الشاملة التي تأثرت بها شعوب مختلفة، ولعبت دورها المجيد في سير الحضارة
البشرية، وهي، عدا عن كونها امتداداً لحضارة اليونان والرومان، ذات شخصية
متميزة، وتجاوزتهما إلى بعض أوروبا، وكان لها أثرها الفعال في بعث النهضة
الأوروبية الحديثة.
ولو لم يكن للحضارة
العربية إلا دور الوسيط الذي حمل إلى الغرب أنفس ما في التراثين اليوناني
والروماني، لكفاها ذلك فخراً، ولجنبها تهمة الشح في العطاء، التي يحاول
بعض المتجنين على التاريخ إلصاقها بها.
قال
غوستاف لوبون: "لقد أنشأ العرب بسرعة، حضارة جديدة، كثيرة الاختلاف عن
الحضارات التي ظهرت قبلها، وتمكنوا بحسن سياستهم من حمل أمم كثيرة على
انتحال دينهم ولغتهم وثقافتهم، ولم يشذ عن ذلك أقدم الشعوب كالمصريين
والهنود الذين رضوا أيضاً بمعتقدات العرب وعاداتهم وفن عمارتهم"..
وقال:
"إن الأمم التي غابت عن التاريخ لم تترك غير أطلال وصارت أديانها ولغاتها
وفنونها ذكريات، أما العرب فما زالت عناصر حضارتهم باقية حية".
ويقول
صاحب كتاب "اعتذار إلى محمد والإسلام": يجب أن نعترف بأن علوم الطبيعة
والفلك والفلسفة والرياضيات التي أنعشت أوروبا منذ القرن العاصر مقتبسة عن
القرآن.
ولعل هذا الباحث لم يخطئ الصواب
إذا علمنا أن الله قد افتتح هذا القرآن الكريم الذي هو كتاب العرب الأول
والذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله محمد ( بكلمة "اقرأ" وإن أول قسم
أقسمه الله كان "بالقلم" "ن والقلم وما يسطرون".
وإن المتتبع لآيات القرآن يجد أنها حوت ما يربو على 750 آية شملت معظم العلوم المعروفة في زماننا.
فنجد
علم القانون في قوله: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". ونجد علم
التجارة في قوله: "وأحل الله البيع وحرم الربا" ونجد فنون صناعة الكتابة
في قوله: "ن. والقلم وما يسطرون" ونجد علم البيان في قوله: "الرحمن علم
القرآن خلق الإنسان علمه البيان". ونجد النجارة في قوله: "واصنع الفلك
بأعيننا ووحينا". ونجد الغوص واستخراج المعادن في قوله: "وتستخرجون منه
حلية تلبسونها". ونجد الملاحة في قوله: "وترى الفلك مواخر فيه". وعلم
الزراعة في قوله: "أفرأيتم ما تحرثون؟". وعلم الاختراع في قوله: "علم
الإنسان ما لم يعلم" وعلم الفلك في قوله: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك
القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون". وعلم الجيش والجندية في
قوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". وفن التجميل في قوله: "خذوا زينتكم
عند كل مسجد". وصناعة الزجاج في قوله: "قال إنه صار ممرد من قوارير".
وصناعة الفخار في قوله: "فأوقد لي يا هامان على الطين". وعلم النفس في
قوله: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون". وعلم التاريخ في قوله: "ذلك من أنباء
الغيب نوحيه إليك". وعلم الآثار في قوله: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في
الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين".
إفصاح:
لاشك
أن الباحث المنصف في تاريخ الأمم، ونهضات الشعوب، يقف حيال تاريخ الأمة
العربية، ونهضتها موقف المتأمل الخاشع، لما وصلت إليه هذه الأمة، في
حضارتها الزاهرة، ومدنيتها العامرة، التي أظلت الإنسانية بظلالها الوارفة،
ونعمت فيها بالحرية والكرامة، والأمن والسلام، من تعاليم رشيدة، وسياسة
حكيمة، وعناية بالعلوم والمعارف على اختلافها.
ذلك
لأن العرب هم الذين أسهموا بأموالهم وعقولهم في البحث والتحصيل، حتى
أظهروا خافيها، وذللوا الصعب منها، وأصبحت –في عهودهم المزدهرة- دولة
قائمة للعلوم والمعارف- ومن هنا كانوا زينة الدنيا ومعجزة العالمين- منهم
الأساتذة الأولون الذين تتلمذ على أيديهم علماء الغرب، وحج إلى معاهدهم
طلاب الفلسفة، وعشاق الحكمة. يدل على ذلك، هذه الآثار الشاهدة بمآثرهم
الناطقة بحضارتهم، في مصر والشام والأندلس وإيران وما وراء النهرين
وأفغانستان وطبرستان، وغيرها من البلاد.
يقول
"روبرتسون": في الزمن الذي كان فيه العرب يبحثون العلوم المختلفة،
ويتدارسونها وينشرونها على الناس، كان أهل أوروبا في جهل مطبق، وسبات
عميق، ولم يستفيقوا إلا بعد الحروب الصليبية، لأنهم حينئذ اختلطوا بالعرب
والمسلمين، فوجدوا لديهم علوماً لم يعرفوها إلا بهم، وحضارة اقتبسوها منهم
وأدخلوها إلى بلادهم.
ويقول "دارير" أحد
علماء أمريكا المشهورين "لقد تأخذنا الدهشة إذا نظرنا في كتب العرب، فنجد
فيها آراء نعتقد أنها لم تولد في زماننا هذا، كالرأي الجديد في ترقي
الكائنات العضوية وتدرجها في كمال أنواعها، فإن هذا العلم علمه العرب
قديماً في مدارسهم، وذهبوا فيه إلى أبعد مما ذهبنا إليه".
ويقول
"توماس كارليل" المستشرق الإنجليزي لقد أخرج الله العرب بالإسلام من
الظلمات إلى النور، وأحيا به أمة خاملة، لا يسمع لها صوت، ولا تحس منها
حركة، منذ بدأ العالم فأرسل الله نبياً بكلمة من لدنه، ورسالة من قبله،
فإذا الخمول نباهة، والغموض قد استحال شهرة، والضعة رفعة، والضعف قوة،
والشرارة حريقاً، وسع نوره الأنحاء، وعم ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال
بالجنوب، والشرق بالغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى صار لدولة
العرب رجل في الهند، ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة،
ودهوراً مديدة، بنور الفضل والنبل، والمروءة والنجدة، ورونق الحياة والهدى
على نصف المعمورة.
والحق ما قاله هذا
المستشرق المنصف، وهو أن العرب لم يبلغوا ذلك إلا بالإسلام وتعاليمه التي
كان بها أتباعه خير أمة أخرجت للناس، تقيم للعدالة ميزانها، وترفع للحق
مناره، وتغرس للدنيا دولة تمتد شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، حيث لا
حروب ولا قلاقل، ولا ظلم ولا تناحر وإنما هو الأمن والسلام، والحياة
والاستقرار والتعارف والرحمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".
وفي دراستنا هذه، قبس من هذا النور، وضياء من هذا الوهج اللامع، الذي وهب الدنيا القوة والعافية.
تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية:
لقد
عني المنصفون من مؤرخي الغرب وباحثيه بتبيان الأثر العظيم الذي تركته
الحضارة العربية في الحضارة الأوروبية، وبما أن إثبات جميع ما قالوه في
هذا الموضوع غير ممكن، فإننا سنكتفي هنا بتلخيص ما ذكره العلامة "غوستاف
لوبون" في كتابه "حضارة العرب" حول هذه النقطة.
يرى
العلامة المنصف أن الحروب الصليبية لم تكن السبب الذي أدى إلى دخول العلوم
إلى أوروبا، بل إن هذه العلوم إنما دخلت عن طريق إسبانية وصقلية وإيطالية.
ففي عام 1430م أنشئ في طليطلة، وبرعاية رئيس أساقفتها "ريمون"، مكتب
للترجمة يعنى بنقل أهم كتب العرب إلى اللاتينية. ولقد نجح هذا المكتب في
مهمته، ولم يقتصر النقل على مؤلفات علماء العرب "كالرازي" و "أبي القاسم"
و "ابن سينا" و "ابن رشد" بل تعداها إلى كتب اليونان التي ترجمتها العرب
ككتب جالينوس وأبقراط وأفلاطون وأرسطو وإقليدس وأرخميدس وبطليموس.
وقد
روى الدكتور (لوكلير) في كتابه "تاريخ الطب العربي" إن ما ترجم من كتب
العرب إلى اللاتينية يتجاوز الثلاثمائة كتاب، وأن القرون الوسطى لم تعرف
كتب قدماء اليونان إلا من ترجماتها العربية، ولم يكن يقدر للغرب لولا
العرب- أن يطلع على كتاب "أبولونيوس" في المخروطات، وكتاب جالينوس في
الأمراض السارية، وكتاب أرسطو في الحجارة الخ..
وقال مسيو ليبري: "لو لم يظهر العرب على مسرح التاريخ لتأخرت نهضة أوروبا الحديثة عدة قرون".
وعلى
كتب العرب وحدها اعتمد علماء الغرب بعد القرن الخامس عشر كروجر بيكن
وليونارد البيزي، وأرنود الفيلنوفي، وسان توما، وألبرت الكبير. وهذان
الأخيران مدينان بكل قيمتهما العلمية لابن سينا وابن رشد، وقد أوضح هذه
الحقيقة وأعلنها مسيو رينان حين قال:
"إن ألبرت الكبير مدين لابن سينا، وسان توما مدين في فلسفته لابن رشد".
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin