ولد في عام 806، وتولى أمر
السلطنة بعد وفاة أبيه عام 824، فكان عمره لا يزيد على ثماني عشرة سنة ،
رأى أن يعمل قبل كل شيء على إعادة الإمارات في الأناضول إلى حظيرة الدولة
العثمانية بعد أن أعادها تيمورلنك عند سيطرته على المنطقة .
ولهذه
الغاية فقد عقد هدنة مع ملك المجر لمدة خمس سنوات ، كما صالح أمير
القرامان ، وأما إمبراطور القسطنطينية ، فقد طلب من السلطان أن يتعهد له
بعدم قتاله ، وكي يكون هذا العهد مضموناً فيجب على السلطان أن يسلمه اثنين
من إخوته رهينة ، وإذا ما فكر السلطان بالحرب فإن الإمبراطور على استعداد
لأن يطلق سراح عم السلطان وهو مصطفى بن بايزيد المحجوز في سلانيك.
رفض
السلطان هذا التعهد فما كان من الإمبراطور إلا أن أطلق سراح مصطفى ودعمه
بعشرة مراكب كمساعدة له على حصار مدينة (غاليبولي) على شاطئ مضيق
الدردنيل، ولم يتمكن مصطفى من دخول قلعتها رغم دخوله المدينة فترك في
المدينة حامية لحصار القلعة كي لا يصل إليها المدد، وسار نحو أدرنة ،
فالتقى بالقائد العثماني بايزيد باشا فانتصر عليه وقتله ، وتابع سيره نحو
ابن أخيه مراد ، غير أن قواد مصطفى لم يطيعوه وتخلوا عنه مع جنودهم وقت
الشدة ففر ، وسار نحو مدينة (غاليبولي) ، فقبض عليه وأعدم.
وسار
السلطان مراد نحو القسطنطينية انتقاماً من إمبراطورها وألقى عليه الحصار،
وهاجمها في مطلع رمضان من عام 825 كي تكون الروح المعنوية أقوى، غير أنه
عجز عن فتحها، واضطر إلى رفع الحصار عنها لأن أخاه مصطفى قد شق عصا الطاعة
عليه وساعده أمراء الدويلات في الأناضول، وقد تمكن من هزيمة أخيه مصطفى
وقتله، ووجد أن هدفه الأول وهو إعادة الإمارات إلى الدولة يجب أن يعود
إليه، وأن يقدمه على غيره، وإن قتال هذه الإمارات فيه كلام لأن كل الطرفين
مسلم، وتركها لا يمكنه معها الجهاد فهي مطمع للأعداء أولاً، ودخول إلى
المعركة من غير قوة.
وخاف أمير قسطموني على نفسه إذ كان يدعم الأمير مصطفى وقد انتهى أمره، لذا فقد أسرع وتنازل عن نصف إمارته، وزوجه ابنته عام 826.
وقام
(قره جنيد) واستولى على إمارة آيدين ، وأعلن انفصاله عن الدولة ، غير أنه
هزم وقتل. ثم دخل السلطان إمارات آيدين، ومنتشا، وصاروخان، وقتل أمير
القرامان محمد، وعين مكانه ابنه إبراهيم الذي تنازل للعثمانيين عن اقليم
الحميد، وتوفي عام 831 أمير دويلة الكرميان ولم يكن له عقب فأوصى أن تلتحق
الإمارة بالدولة العثمانية. وانتهى بذلك من كل مشكلة في الأناضول، وأصبح
بإمكانه التوجه إلى أوروبا ، لتصفية حسابه مع الحكام الذين أساءوا
للعثمانيين في أثناء المحنة التي حلت بهم أيام السلطان بايزيد ، وبعدها
يصفو له الجو لفتح القسطنطينية ومعاقبة إمبراطورها الذي حرض عليه.
وكان
السلطان مراد الثاني يرى أن القتال في أوروبا أسهل فهو جهاد والروح
المعنوية لدى المسلمين تكون عالية ما داموا يقاتلون ضد النصارى ، ويعملون
مجاهدين لنشر دينهم على حين كانوا يساقون لقتال أمراء الدويلات في
الأناضول دفعاً.
بدأ بقتال ملك المجر وعقد معه معاهدة تنازل فيها
للسلطان عن أملاكه التي تقع على الضفة اليمنى لنهر الدانوب الذي سيكون
حداً فاصلاً بين الطرفين.
ورأى أمير الصرب (جورج برنكوفتش) عجزه فعقد
معاهدة مع السلطان تقضي بدفع الجزية سنوية وقدرها خمسين ألف دوك ذهبي ،
وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة السلطان في حروبه ، وأن يقطع علاقاته مع
ملك المجر ، وأن يتنازل عن بعض المواقع للعثمانيين ، كما تزوج السلطان
ابنه (جورج برنكوفتش) مارا.
واستعاد مدينة سلانيك عام 833 من البندقية،
وكان إمبراطور القسطنطينية قد تنازل عنها لهم ، وقد حاصرها السلطان خمسة
عشر يوماً. واعترف أمير الأفلاق بسيادة العثمانيين على بلاده عام 836.
وخضعت
له ألبانيا بعد حروب بسيطة ، واشترط أميرها عدم التعرض لعقائد السكان ،
وسلم أولاده الأربعة رهينة للسلطان ، وعندما توفي هذا الأمير عام 834 ضم
السلطان أملاكه إليه.
ظن السلطان أن وضعه في أوربا قد استقر ، وأن
إمبراطور القسطنطينية لم يبق له سند لا في الأناضول ، ولا في أووربا
وبإمكانه الآن التوجه إليه وإلزامه على الاستسلام ، ودخول القسطنطينية عسى
أن يكون مغفوراً له ، كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أن
بدأ يستعد لمهمته حتى عاد حكام أوروبا المتعاقدين معه على نقض العهد
وإعلان العصيان. لقد حرض ملك المجر أمير الأفلاق وأمير الصرب فثارا
فأدبهما السلطان ، ثم سار إلى ملك المجر فخرب عدداً من المدن ، وعاد بعدد
عظيم من الأسرى.
عاد أمير الصرب (جورج برنكوفتش) فثار، فهاجمه السلطان،
وفتح جزءاً من بلاد الصرب، وحاصر العاصمة بلغراد ستة أشهر، وغادرها أميرها
متوجهاً إلى ملك المجر ، ثم غادرها ، وأرسل جيشه للهجوم على( ترانسلفانيا)
من أملاك المجر - وتقع شمال الأفلاق وإلى الغرب من البغدان ، وتشكل اليوم
الجزء الغربي من دولة رومانيا - غير أن جيشه قد هزم وقتل قائده مع عشرين
ألفاً من الجند ، وانسحب العثمانيون إلى ما بعد نهر الدانوب ، فأرسل
السلطان جيشاً آخر قوامه ثمانون ألفاً غير أنه هزم أيضاً ، وأسر قائده ذلك
إلى بلاد الصرب فالتقى عام 846 بالسلطان مراد الثاني نفسه فنشبت بين
الفريقين ثلاثة معارك هزم فيها السلطان كلها ، واضطر إلى توقيع معاهدة
تنازل فيها السلطان عن الأفلاق للمجر ، ورد للصرب بعض المواقع ، وقامت بين
الطرفين هدنة مدتها عشر سنوات.
شعر السلطان بالتعب فرأى أن يخلد إلى
الراحة ، ثم إن ابنه الأمير علاء مات ففجع به السلطان واشتد حزنه عليه
وزهد في الدنيا والملك ، فترك الحكم لابنه الثاني محمد الذي لم يبلغ من
العمر الرابعة عشرة ، وسافر إلى غربي الأناضول في ولاية آيدين حيث الهدوء.
كان
البابا يراقب الأحداث ، وكم سره هزيمة السلطان وخاصة أن كان قد اشترك مع
المجريين أعداد من الصليبيين من بولنديين ، وفرنسيين ، وألمان، وبنادقة ،
وجنوبيين ،إضافة إلى الأفلاق ، والصرب وغيرهم. وأثارت الباب تلك المعاهدة
التي وقعها السلطان مع المجريين وأنهت الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنوات؛
لذا فقد أرسل مندوباً من قبله وهو (سيزاريني) إلى ملك المجر ، وطلب نقض
العهد ، وليس في هذا النقض شيء من الناحية الدينية ، فليس مع الكفار
المسلمين نقض لعهد أو حنث بقسم.
تنادى ملوك النصارى لشن حملة صليبية
جديدة ، فجمعوا جموعهم ، وهاجموا بلاد البلغار ، وساعدهم على ذلك أن
السلطان كان في مكان عزلته في مقاطعة (آيدين) في مدينة (مغنيسيا) ، وأن
طفله لم يتمرس بعد على القتال ، ووصل الخبر إلى السلطان فغادر مكانه ،
واتجه إلى أوروبا ، فقاد الجيش وسار نحو الأعداء فوجدهم يحاصرون مدينة
(فارنا) البلغارية الواقعة على ساحل البحر الأسود ، فنازلهم ، وقتل ملك
المجر بنفسه في ساحة المعركة ، وحمل العثمانيون رأسه قائلين : ( أيها
الكفار هذا رأس ملككم ) فاختل ترابط الجند ، فهاجم السلطان معسكر الأعداء
، واحتله ، وقتل الكاردينال (سيزاريني) مندوب البابا ، وتم النصر للمسلمين
في 28 رجب عام 848، في سهل قوصوه ، بعد أن استمرت ثلاثة أيام ، وقد أخرجت
هذه المعركة بلاد المجر لعشر سنوات على الأقل من عداد الدول التي تستطيع
النهوض بعمليات حربية هجومية ضد العثمانيين . وعاد السلطان فترك الأمر إلى
ابنه ، ورجع إلى( مغنيسيا).
ولم تطل إقامته أكثر من ثلاثة أشهر إذ اضطر
للعودة إلى أدرنه قاعدة الدولة حيث استصغر قادة الجيش العثمانيين من
الانكشارية السلطان الصغير، إذ عصوا أمره ، ونهبوا المدينة ، ووصل السلطان
فأدب القادة وأشغلهم بالقتال في بلاد اليونان ، وذلك أن إمبراطور
القسطنطينية قد قسم أملاكه بين أولاده إذ أعطى ابنه حنا مدينة القسطنطينية
وابنه قسطنطين بلاد الموره أي جنوب اليونان ، فسار السلطان لحرب اليونان ،
واستعمل المدافع لأول مرة ، ولم يتمكن من فتحها بسبب تمرد اسكندر بك.
كان
اسكندر أحد أبناء أمير ألبانيا الذين عاشوا رهينة عند السلطان عندما سلم
أبوه البلاد للسلطان فأظهر اسكندر الإسلام، ولما وجد السلطان مشغولاً
بالحروب فر إلى إلبانيا ، وطرد العثمانيين منها. فسار إليه السلطان بقوة
كبيرة وهزمه ، وأخذ منه بعض المواقع عام 851 ، ثم اضطر إلى تركه للتوجه
إلى مقابلة الجيش المجري الذي أراد أن يثأر من معركة (فارنا) ، والتقى به
في وادي كوسوفو ، وانتصر عليه انتصاراً مؤزراً عام 852 ، ثم عاد فاتجه إلى
اسكندر بك ، وحاصر مدينة (آق حصار) ، ولم يتمكن من فتحها لتعب جيوشه ،
فأراد أن يتفق مع اسكندر بك بحيث يسلمه حكم ألبانيا مقابل جزية سنوية ،
غير أن اسكندر بك لم يقبل ، واضطر السلطان أن يعود إلى أدرنة ليستعد بصورة
أفضل ، وبينما هو كذلك إذ وافته المنية مطلع عام 855 (5 محرم) عن عمر
يناهز التاسعة والأربعين ، ونقلت جثته إلى بورصة حيث دفن هناك ، وتسلم
السلطنة ابنه محمد باسم محمد الثاني ، وهو الفاتح.
وفاته ووصيته:
قال
صاحب النجوم الزاهرة في وفيات عام 855هـ في مراد الثاني : ( وكان خير ملوك
زمانه شرقاً وغرباً ، مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم
والشجاعة والسؤدد ، وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى ، غزا عدة
غزوات ، وفتح عدة فتوحات ، وملك الحصون المنيعة ، والقلاع والمدن من العدو
المخذول. على أنه كان منهمكاً في اللذات التي تهواها النفوس ، ولعل حاله
كقول بعض الأخيار – وقد سئل عن دينه – فقال : أمزقه بالمعاصي وأرقعه
بالاستغفار – فهو أحق بعفو الله وكرمه ، فإن له المواقف المشهورة ، وله
اليد البيضاء في الإسلام ونكاية العدو ، حتى قيل إنه كان سياجاً للإسلام
والمسلمين – عفا الله عنه ، وعوض شبابه الجنة).
وبناء على وصيته رحمه
الله دفن في جانب جامع مرادية في بورصة. ووصى بأن لا يبنى على قبره شيء،
وأن يعمل أماكن في جوانب القبر يجلس فيها الحفاظ لقراءة القرآن الكريم
،وأن يدفن في يوم الجمعة فنفذت وصيته.
وترك في وصيته شعراً ، بعد أن
كان قلقاً يخشى أن يدفن في قبر ضخم ، وكان يريد ألا يبنى شيء على مكان
دفنه ، فكتبها شعراً ليقول : فليأت يوم يرى الناس فيه ترابي.
لقد قام
السلطان مراد ببناء جوامع ومدارس، وقصوراً وقناطر فمنها جامع أدرنة ذو
ثلاثة شرف ،وبنى بجانب هذا الجامع مدرسة وتكية يطعم فيها الفقراء
والمساكين.
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/80، والدولة العثمانية لعلي صلابي ، ص131
السلطنة بعد وفاة أبيه عام 824، فكان عمره لا يزيد على ثماني عشرة سنة ،
رأى أن يعمل قبل كل شيء على إعادة الإمارات في الأناضول إلى حظيرة الدولة
العثمانية بعد أن أعادها تيمورلنك عند سيطرته على المنطقة .
ولهذه
الغاية فقد عقد هدنة مع ملك المجر لمدة خمس سنوات ، كما صالح أمير
القرامان ، وأما إمبراطور القسطنطينية ، فقد طلب من السلطان أن يتعهد له
بعدم قتاله ، وكي يكون هذا العهد مضموناً فيجب على السلطان أن يسلمه اثنين
من إخوته رهينة ، وإذا ما فكر السلطان بالحرب فإن الإمبراطور على استعداد
لأن يطلق سراح عم السلطان وهو مصطفى بن بايزيد المحجوز في سلانيك.
رفض
السلطان هذا التعهد فما كان من الإمبراطور إلا أن أطلق سراح مصطفى ودعمه
بعشرة مراكب كمساعدة له على حصار مدينة (غاليبولي) على شاطئ مضيق
الدردنيل، ولم يتمكن مصطفى من دخول قلعتها رغم دخوله المدينة فترك في
المدينة حامية لحصار القلعة كي لا يصل إليها المدد، وسار نحو أدرنة ،
فالتقى بالقائد العثماني بايزيد باشا فانتصر عليه وقتله ، وتابع سيره نحو
ابن أخيه مراد ، غير أن قواد مصطفى لم يطيعوه وتخلوا عنه مع جنودهم وقت
الشدة ففر ، وسار نحو مدينة (غاليبولي) ، فقبض عليه وأعدم.
وسار
السلطان مراد نحو القسطنطينية انتقاماً من إمبراطورها وألقى عليه الحصار،
وهاجمها في مطلع رمضان من عام 825 كي تكون الروح المعنوية أقوى، غير أنه
عجز عن فتحها، واضطر إلى رفع الحصار عنها لأن أخاه مصطفى قد شق عصا الطاعة
عليه وساعده أمراء الدويلات في الأناضول، وقد تمكن من هزيمة أخيه مصطفى
وقتله، ووجد أن هدفه الأول وهو إعادة الإمارات إلى الدولة يجب أن يعود
إليه، وأن يقدمه على غيره، وإن قتال هذه الإمارات فيه كلام لأن كل الطرفين
مسلم، وتركها لا يمكنه معها الجهاد فهي مطمع للأعداء أولاً، ودخول إلى
المعركة من غير قوة.
وخاف أمير قسطموني على نفسه إذ كان يدعم الأمير مصطفى وقد انتهى أمره، لذا فقد أسرع وتنازل عن نصف إمارته، وزوجه ابنته عام 826.
وقام
(قره جنيد) واستولى على إمارة آيدين ، وأعلن انفصاله عن الدولة ، غير أنه
هزم وقتل. ثم دخل السلطان إمارات آيدين، ومنتشا، وصاروخان، وقتل أمير
القرامان محمد، وعين مكانه ابنه إبراهيم الذي تنازل للعثمانيين عن اقليم
الحميد، وتوفي عام 831 أمير دويلة الكرميان ولم يكن له عقب فأوصى أن تلتحق
الإمارة بالدولة العثمانية. وانتهى بذلك من كل مشكلة في الأناضول، وأصبح
بإمكانه التوجه إلى أوروبا ، لتصفية حسابه مع الحكام الذين أساءوا
للعثمانيين في أثناء المحنة التي حلت بهم أيام السلطان بايزيد ، وبعدها
يصفو له الجو لفتح القسطنطينية ومعاقبة إمبراطورها الذي حرض عليه.
وكان
السلطان مراد الثاني يرى أن القتال في أوروبا أسهل فهو جهاد والروح
المعنوية لدى المسلمين تكون عالية ما داموا يقاتلون ضد النصارى ، ويعملون
مجاهدين لنشر دينهم على حين كانوا يساقون لقتال أمراء الدويلات في
الأناضول دفعاً.
بدأ بقتال ملك المجر وعقد معه معاهدة تنازل فيها
للسلطان عن أملاكه التي تقع على الضفة اليمنى لنهر الدانوب الذي سيكون
حداً فاصلاً بين الطرفين.
ورأى أمير الصرب (جورج برنكوفتش) عجزه فعقد
معاهدة مع السلطان تقضي بدفع الجزية سنوية وقدرها خمسين ألف دوك ذهبي ،
وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة السلطان في حروبه ، وأن يقطع علاقاته مع
ملك المجر ، وأن يتنازل عن بعض المواقع للعثمانيين ، كما تزوج السلطان
ابنه (جورج برنكوفتش) مارا.
واستعاد مدينة سلانيك عام 833 من البندقية،
وكان إمبراطور القسطنطينية قد تنازل عنها لهم ، وقد حاصرها السلطان خمسة
عشر يوماً. واعترف أمير الأفلاق بسيادة العثمانيين على بلاده عام 836.
وخضعت
له ألبانيا بعد حروب بسيطة ، واشترط أميرها عدم التعرض لعقائد السكان ،
وسلم أولاده الأربعة رهينة للسلطان ، وعندما توفي هذا الأمير عام 834 ضم
السلطان أملاكه إليه.
ظن السلطان أن وضعه في أوربا قد استقر ، وأن
إمبراطور القسطنطينية لم يبق له سند لا في الأناضول ، ولا في أووربا
وبإمكانه الآن التوجه إليه وإلزامه على الاستسلام ، ودخول القسطنطينية عسى
أن يكون مغفوراً له ، كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أن
بدأ يستعد لمهمته حتى عاد حكام أوروبا المتعاقدين معه على نقض العهد
وإعلان العصيان. لقد حرض ملك المجر أمير الأفلاق وأمير الصرب فثارا
فأدبهما السلطان ، ثم سار إلى ملك المجر فخرب عدداً من المدن ، وعاد بعدد
عظيم من الأسرى.
عاد أمير الصرب (جورج برنكوفتش) فثار، فهاجمه السلطان،
وفتح جزءاً من بلاد الصرب، وحاصر العاصمة بلغراد ستة أشهر، وغادرها أميرها
متوجهاً إلى ملك المجر ، ثم غادرها ، وأرسل جيشه للهجوم على( ترانسلفانيا)
من أملاك المجر - وتقع شمال الأفلاق وإلى الغرب من البغدان ، وتشكل اليوم
الجزء الغربي من دولة رومانيا - غير أن جيشه قد هزم وقتل قائده مع عشرين
ألفاً من الجند ، وانسحب العثمانيون إلى ما بعد نهر الدانوب ، فأرسل
السلطان جيشاً آخر قوامه ثمانون ألفاً غير أنه هزم أيضاً ، وأسر قائده ذلك
إلى بلاد الصرب فالتقى عام 846 بالسلطان مراد الثاني نفسه فنشبت بين
الفريقين ثلاثة معارك هزم فيها السلطان كلها ، واضطر إلى توقيع معاهدة
تنازل فيها السلطان عن الأفلاق للمجر ، ورد للصرب بعض المواقع ، وقامت بين
الطرفين هدنة مدتها عشر سنوات.
شعر السلطان بالتعب فرأى أن يخلد إلى
الراحة ، ثم إن ابنه الأمير علاء مات ففجع به السلطان واشتد حزنه عليه
وزهد في الدنيا والملك ، فترك الحكم لابنه الثاني محمد الذي لم يبلغ من
العمر الرابعة عشرة ، وسافر إلى غربي الأناضول في ولاية آيدين حيث الهدوء.
كان
البابا يراقب الأحداث ، وكم سره هزيمة السلطان وخاصة أن كان قد اشترك مع
المجريين أعداد من الصليبيين من بولنديين ، وفرنسيين ، وألمان، وبنادقة ،
وجنوبيين ،إضافة إلى الأفلاق ، والصرب وغيرهم. وأثارت الباب تلك المعاهدة
التي وقعها السلطان مع المجريين وأنهت الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنوات؛
لذا فقد أرسل مندوباً من قبله وهو (سيزاريني) إلى ملك المجر ، وطلب نقض
العهد ، وليس في هذا النقض شيء من الناحية الدينية ، فليس مع الكفار
المسلمين نقض لعهد أو حنث بقسم.
تنادى ملوك النصارى لشن حملة صليبية
جديدة ، فجمعوا جموعهم ، وهاجموا بلاد البلغار ، وساعدهم على ذلك أن
السلطان كان في مكان عزلته في مقاطعة (آيدين) في مدينة (مغنيسيا) ، وأن
طفله لم يتمرس بعد على القتال ، ووصل الخبر إلى السلطان فغادر مكانه ،
واتجه إلى أوروبا ، فقاد الجيش وسار نحو الأعداء فوجدهم يحاصرون مدينة
(فارنا) البلغارية الواقعة على ساحل البحر الأسود ، فنازلهم ، وقتل ملك
المجر بنفسه في ساحة المعركة ، وحمل العثمانيون رأسه قائلين : ( أيها
الكفار هذا رأس ملككم ) فاختل ترابط الجند ، فهاجم السلطان معسكر الأعداء
، واحتله ، وقتل الكاردينال (سيزاريني) مندوب البابا ، وتم النصر للمسلمين
في 28 رجب عام 848، في سهل قوصوه ، بعد أن استمرت ثلاثة أيام ، وقد أخرجت
هذه المعركة بلاد المجر لعشر سنوات على الأقل من عداد الدول التي تستطيع
النهوض بعمليات حربية هجومية ضد العثمانيين . وعاد السلطان فترك الأمر إلى
ابنه ، ورجع إلى( مغنيسيا).
ولم تطل إقامته أكثر من ثلاثة أشهر إذ اضطر
للعودة إلى أدرنه قاعدة الدولة حيث استصغر قادة الجيش العثمانيين من
الانكشارية السلطان الصغير، إذ عصوا أمره ، ونهبوا المدينة ، ووصل السلطان
فأدب القادة وأشغلهم بالقتال في بلاد اليونان ، وذلك أن إمبراطور
القسطنطينية قد قسم أملاكه بين أولاده إذ أعطى ابنه حنا مدينة القسطنطينية
وابنه قسطنطين بلاد الموره أي جنوب اليونان ، فسار السلطان لحرب اليونان ،
واستعمل المدافع لأول مرة ، ولم يتمكن من فتحها بسبب تمرد اسكندر بك.
كان
اسكندر أحد أبناء أمير ألبانيا الذين عاشوا رهينة عند السلطان عندما سلم
أبوه البلاد للسلطان فأظهر اسكندر الإسلام، ولما وجد السلطان مشغولاً
بالحروب فر إلى إلبانيا ، وطرد العثمانيين منها. فسار إليه السلطان بقوة
كبيرة وهزمه ، وأخذ منه بعض المواقع عام 851 ، ثم اضطر إلى تركه للتوجه
إلى مقابلة الجيش المجري الذي أراد أن يثأر من معركة (فارنا) ، والتقى به
في وادي كوسوفو ، وانتصر عليه انتصاراً مؤزراً عام 852 ، ثم عاد فاتجه إلى
اسكندر بك ، وحاصر مدينة (آق حصار) ، ولم يتمكن من فتحها لتعب جيوشه ،
فأراد أن يتفق مع اسكندر بك بحيث يسلمه حكم ألبانيا مقابل جزية سنوية ،
غير أن اسكندر بك لم يقبل ، واضطر السلطان أن يعود إلى أدرنة ليستعد بصورة
أفضل ، وبينما هو كذلك إذ وافته المنية مطلع عام 855 (5 محرم) عن عمر
يناهز التاسعة والأربعين ، ونقلت جثته إلى بورصة حيث دفن هناك ، وتسلم
السلطنة ابنه محمد باسم محمد الثاني ، وهو الفاتح.
وفاته ووصيته:
قال
صاحب النجوم الزاهرة في وفيات عام 855هـ في مراد الثاني : ( وكان خير ملوك
زمانه شرقاً وغرباً ، مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم
والشجاعة والسؤدد ، وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى ، غزا عدة
غزوات ، وفتح عدة فتوحات ، وملك الحصون المنيعة ، والقلاع والمدن من العدو
المخذول. على أنه كان منهمكاً في اللذات التي تهواها النفوس ، ولعل حاله
كقول بعض الأخيار – وقد سئل عن دينه – فقال : أمزقه بالمعاصي وأرقعه
بالاستغفار – فهو أحق بعفو الله وكرمه ، فإن له المواقف المشهورة ، وله
اليد البيضاء في الإسلام ونكاية العدو ، حتى قيل إنه كان سياجاً للإسلام
والمسلمين – عفا الله عنه ، وعوض شبابه الجنة).
وبناء على وصيته رحمه
الله دفن في جانب جامع مرادية في بورصة. ووصى بأن لا يبنى على قبره شيء،
وأن يعمل أماكن في جوانب القبر يجلس فيها الحفاظ لقراءة القرآن الكريم
،وأن يدفن في يوم الجمعة فنفذت وصيته.
وترك في وصيته شعراً ، بعد أن
كان قلقاً يخشى أن يدفن في قبر ضخم ، وكان يريد ألا يبنى شيء على مكان
دفنه ، فكتبها شعراً ليقول : فليأت يوم يرى الناس فيه ترابي.
لقد قام
السلطان مراد ببناء جوامع ومدارس، وقصوراً وقناطر فمنها جامع أدرنة ذو
ثلاثة شرف ،وبنى بجانب هذا الجامع مدرسة وتكية يطعم فيها الفقراء
والمساكين.
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/80، والدولة العثمانية لعلي صلابي ، ص131
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin