منتدى تلات عبد القادرللعلوم والمعارف والثقافات

أخي الزائر انت غير مسجل يمكنك التسجيل والمساهمة معنا في إثراء المنتدى ...وأهلا وسهلا بك دوما ضيفا عزيزا علينا ...شكرا لك لاختيار منتدانا كما ندعوك لدعوة اصدقائك للاستفادة من المنتدى وإثرائه ..شكرا وبارك الله فيكم جميعا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى تلات عبد القادرللعلوم والمعارف والثقافات

أخي الزائر انت غير مسجل يمكنك التسجيل والمساهمة معنا في إثراء المنتدى ...وأهلا وسهلا بك دوما ضيفا عزيزا علينا ...شكرا لك لاختيار منتدانا كما ندعوك لدعوة اصدقائك للاستفادة من المنتدى وإثرائه ..شكرا وبارك الله فيكم جميعا

منتدى تلات عبد القادرللعلوم والمعارف والثقافات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى تلات عبد القادرللعلوم والمعارف والثقافات

منتدى تلات عبد القادر للعلوم والمعارف والثقافات لكل الفئات العمرية والأطياف الفكرية

اخي الزائر شكرا لك على اختيارك لمنتدانا ..كما نرجو لك وقتا ممتعا واستفادة تامة من محتويات المنتدى..وندعوك زائرنا الكريم للتسجيل والمشاركة في إثراء المنتدى ولو برد جميل ...دمت لنا صديقاوفيا..وجزاك الله خيرا.

المواضيع الأخيرة

» آلاف اليهود يدخلون الاسلام سرا
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin

» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin

» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin

» من الالحاد الى الاسلام
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin

» غرداية
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin

» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin

» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin

» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin

» طرق المذاكرة للاطفال
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin

» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin

» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin

» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin

» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin

» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin

» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
ما هو الاستشراق ..... I_icon_minitimeالأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin

التبادل الاعلاني

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

    ما هو الاستشراق .....

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:13


    <table style="border-collapse: collapse" dir="rtl" id="AutoNumber7" border="0" cellpadding="0" cellspacing="0" width="90%"><tr><td width="100%">التعريف اللغوي

    لو أرجعنا هـذه الكلمة إلى أصلها لوجدناها مأخوذة من كلمة إشراق ثم
    أضيف إليها ثلاثة حروف هي الألف والسين والتاء، ومعناها طلب النور والهداية
    والضياء، والإشراق من الشرق حيث نزلت الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية
    والإسلام. ولما كان الإسلام هو الدين الغالب فأصبح معنى الاستشراق البحث
    عن معرفة الإسلام والمسلمين وبلاد المسلمين عقيدة وشريعة وتاريخاً ومجتمعاً
    وتراثاً...الخ.

    التعريف عند الغربيين

    ومع أن مصطلح الاستشراق ظهر في الغرب منذ قرنين من الزمان على تفاوت
    بسيط بالنسبة للمعاجم الأوروبية المختلفة، لكن الأمر المتيقن أن البحث في
    لغات الشرق وأديانه وبخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير، ولعل كلمة مستشرق
    قد ظهرت قبل مصطلح استشراق، فهذا آربري Arberry في بحث له في هذا الموضوع
    يقول "والمدلول الأصلي لاصطلاح (مستشرق) كان في سنة 1638 أحد أعضاء
    الكنيسة الشرقية أو اليونانية" وفي سنة 1691 وصف آنتوني وود Anthony Wood
    صمويل كلارك Samuel Clarke بأنه (استشراقي نابه) يعنى ذلك أنه عرف بعض
    اللغات الشرقية. وبيرون في تعليقاته على Childe Harold's Pilgrimage يتحدث
    عن المستر ثورنتون وإلماعاته الكثيرة الدالة على استشراق عميق"([1]).

    ويرى رودي بارت أن الاستشراق هو " علم يختص بفقه اللغة خاصة، وأقرب شي
    إليه إذن أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه كلمة استشراق مشتقة من كـلمة
    ’شرق’ وكلمة شرق تعني مشرق الشمس ، وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق
    أو عـلم العالم الشرقي"([2]). ويعتمد المستشرق الإنجليزي آربري تعريف
    قاموس أكسفورد الذي يعرف المستشرق بأنه "من تبحّر في لغات الشرق
    وآدابه"([3]).

    ومن الغربيين الذين تناولوا ظهور الاستشراق وتعريفه المستشرق الفرنسي
    مكسيم رودنـسون Maxime Rodinson الذي أشار إلى أن مصطلح الاستشراق ظهر في
    اللغة الفرنسية عام 1799بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838، وأن
    الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى "إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة
    الشرق" ويضيف بأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام على إنشاء المجلات
    والجمعيات والأقسام العلمية([4]).

    ولو انتقلنا إلى العرب والمسلمين الذين تناولوا هذا المصطلح نجد أن
    إدوارد سعيد عدة تعريفات للاستشراق منها أنه "أسلوب في التفكير مبني على
    تميّز متعلق بوجود المعرفة بين ’الشرق’ (معظم الوقت) وبين الغرب"([5]).
    ويضيف سعيد بأن الاستشراق ليس مجرد موضوع سياسي أو حقل بحثي ينعكس سلباً
    باختلاف الثقافات والدراسـات أو المؤسسات وليس تكديساً لمجموعة كبيرة من
    النصوص حول المشرق … إنه بالتالي توزيع للوعي الجغرافي إلى نصوص جمالية
    وعلمية واقتصادية واجتماعية وفي فقه اللغة ([6]). وفي موضع آخر يعرف سعيد
    الاستشراق بأنه المجال المعرفي أو العلم الذي يُتوصل به إلى الشرق بصورة
    منظمّة كموضوع للتعلم والاكتشاف والتطبيق.([7]) .ويقول في موضع آخر إنّ
    الاستشراق: نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم الغرب للشرق"([8]).


    لقد اختار الدكتور أحمد عبد الحميد غراب هـذا التعريف "دراسات
    ’أكاديمية’ يقوم بها غربيون كافرون –من أهل الكتاب بوجه خاص- للإسلام
    والمسلمين، من شـتى الجوانب عقيدة، وشريعة، وثقافة، وحضارة، وتاريخاً،
    ونظمـاً، وثروات وإمكانات .. .بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين
    فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولـة تبرير هذه التبعية
    بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي
    للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي"([9]).

    تعريفنا للاستشراق

    هو كل ما يصدر عن الغربيين وأمريكيين من إنتاج فكري وإعلامي
    وتقارير سياسية واستخباراتية حول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي
    الشريعة، وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، ويمكننا أن نلحق
    بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم ممن ينظر إلى
    الإسلام من خلال المنظار الغربي، ويلحق به أيضاً ما ينشره الباحثون
    المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين وتبنوا كثيراً من أفكار
    المستشرقين([10]).

    وكان الاستشراق ومازال يهتم بالشعوب الشرقية عموماً التي تضم الهند
    وجنوب شرق آسيا والصين واليابان وكوريا. وعند مراجعة النشاطات الاستشراقية
    نجد أن هذه المناطق بدأت تخصص بدراسات خاصة بها مثل الدراسات الصينية أو
    الدراسات الهندية أو الدراسات اليابانية، أما الأصل فكانت كلها تضم تحت
    مصطلح واحد هو (الاستشراق).

    ولا بد من الوقوف عند تعريف آخر للاستشراق لا يرى أن كلمة استشراق
    ترتبط فقط بالمشرق الجغرافي وإنما تعني أن الشرق هو مشرق الشمس ولهذا دلالة
    معنوية بمعنى الشروق والضياء والنور والهداية بعكس الغروب بمعنى الأفول
    والانتهاء، وقد رجع أحد الباحثين المسلمين وهو السيد محمد الشاهد إلى
    المعاجم اللغوية الأوروبية (الألمانية والفرنسية والإنجليزية) ليبحث في
    كلمة شرقORIENT فوجد أنه يشار إلى منطقة الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية
    بكلمة "تتميز بطابع معنوي وهو Morgenland وتعني بلاد الصباح، ومعروف أن
    الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي
    الفلكي إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي
    مقابل ذلك نستخدم في اللغة كلمة Abendlandوتعني بلاد المساء لتدل على
    الظلام والراحة"([11]).

    وفي اللاتينية تعني كلمة Orient: يتعلم أو يبحث عن شيء ما، وبالفرنسية
    تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد، وبالإنجليزيةOrientation , و
    orientate تعني "توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة ما في مجال الأخلاق أو
    الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال الفكري أو
    الروحي"، ومن ذلك أن السنة الأولى في بعض الجامعات تسمّى السنة الإعدادية
    Orientation . وفي الألمانية تعني كلمة Sich Orientiern " يجمع معلومات
    (معرفة) عن شيء ما ([12]).



    إلغاء مصطلح الاستشراق

    يجب أن نتوقف عند القرار الغربي بالتوقف عن استخدام مصطلح استشراق أو كما
    قال لويس إن هذا المصطلح قد ألقي به في مزابل التاريخ، فقد رأى الغرب أن
    هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية وأن هذا المصطلح لم
    يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي، فكان من قرارات منظمة
    المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس عام 1973 بأن يتم
    الاستغناء عن هذا المصطلح، وأن يطلق على هذه المنظمة (المؤتمــرات العالمية
    للدراسات الإنسانية حـول آسيا وشمال أفريقياICHSANA) [13]. وعقدت المنظمة
    مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات
    العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ICANAS). وقد عارض هذا القرار
    دول الكتلة الشرقية (روسيا والدول التي كانت تدور في فلكها)([14])، ومع
    ذلك ففي المؤتمر الدولي الخامس والثلاثين للدراسات الآسيوية والشمال
    أفريقية الذي عقد في بودابست بالمجر كان مصطلح استشراق ومستشرقين يستخدم
    دون أي تحفظات، مما يعني أن الأوروبيين الغربيين والأمريكيين هم الأكثر
    اعتراضـاً على هذا المصطلح ولعل هذا ليفيد المغايرة بحيث يتحدثون عن
    المستشرقين ليثبتوا أنهم غير ذلك بل هم مستعربون Arabists أو إسلاميون
    Islamists أو باحثون في العلوم الإنسانية Humanistsأو متخصصون في الدراسات
    الإقليمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تختص ببلد معين أو منطقة
    جغرافية معينة، أما موقفنا نحن من هذا التخصص أو التخصصات فإنه يسعنا ما
    وسع الغربيين فإن هم اختاروا أن يتركوا التسمية فلا بأس من ذلك شريطة أن لا
    نغفل عن استمرار اهتمامهم بدراستنا والكتابة حول قضايانا وعقد المؤتمرات
    والندوات ونشر الكتب والدوريات حول العالم الإسلامي واستمرار أهداف
    الاستشراق، وأن لا يصرفنا تغيير الاسم عن الوعي والانتباه لما يكتبونه
    وينشرونه.

    </td>
    </tr>
    </table>

    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :



    <table style="border-collapse: collapse" dir="rtl" id="AutoNumber7" border="0" cellpadding="0" cellspacing="0" width="90%">
    <tr>
    <td width="100%">
    [1]- ا. ج آربري. المستشرقون البريطانيون .تعريب محمد الدسوقي النويهي. ( لندن: وليم كولينز، 1946.)ص8.

    [2]- رودي بارت.الدراسات العربية والإسلامبة في الجامعات الألمانية(
    المستشرقون الألمان منذ تيودور نولدكه). ترجمة مصطفى ماهر( القاهرة: دار
    الكتاب العربي) (بدون تاريخ) ص 11.

    [3] -ا. ج. آربري. المستشرقون البريطانيون . تعريب محمد الدسوقي النويهي. (لندن: وليم كولينز ، 1946) ص8.

    [4] -مكسيم رودنسون ." الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية." في
    تراث الإسلام (القسم الأول) تصنيف شاخت وبوزورث. ترجمة محمد زهير السمهوري ،
    ( الكويت: سلسلة عالم المعرفة ، شعبان /رمضان1398هـ- أغسطس
    1978م.)ص27-101.

    [5] -Edward Said. Orientalism. ( New York: Vintage Books, 1979) p.2.

    [6] -Ibid. p 12.

    [7] -Ibid. p73..

    [8] -المرجع نفسه ص 92.

    [9] -أحمد عبد الحميد غراب . رؤية إسلامية للاستشراق.ط2 (بيرمنجهام: المنتدى الإسلامي ، 1411) ص 7.

    [10] - من أمثال ذلك ما نشر لمحمد عبد الحي شعبان وعزيز العظمة ، ونوال
    السعداوي ، وفاطمة مرنيسي وفضل الرحمن ، وغيرهم كثير حيث قامت دور النشر
    الجامعية لكبريات الجامعات الغربية وبخاصة الأمريكية بنشر إنتاج هؤلاء
    وترويجه.

    [11] -السيد محمد الشاهد. "الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين
    المعاصرين" في الاجتهاد. عدد 22، السنة السادسة ، شتاء عام 1414هـ/1994م.
    ص191-211.

    [12] - المرجع نفسه ، ص 197.

    [13] -Bernard Lewis.” The Question of Orientalism. In New York Times Review of Books. June 24,1982. Pp. 49-56.

    [14] -Bernard Lewis. “ The Question of Orientalism.” Op., Cit

    </td></tr></table>
    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:14





    اختلف الباحثون في نشأة الاستشراق في تحديد سنة معنية أو فترة معينة لنشأة
    الاستشراق فيرى البعض أن الاستشراق ظهر مع ظهور الإسلام وأول لقاء بين
    الرسول صلى الله عليه وسلم ونصـارى نجران، أو قبل ذلك عندما بعث الرسول صلى
    الله عليه وسلم رسله إلى الملوك والأمراء خـارج الجزيرة العربية أو حتى في
    اللقاء الذي تم بين المسلمين والنجاشي في الحبشة. بينما هنـاك رأي بأن
    غزوة مؤتة التي كانت أول احتكاك عسكري تعد من البدايات للاستشراق ويرى
    آخرون أن أول اهتمام بالإسلام والرد عليه بدأ مع يوحنا الدمشقي وكتـابه
    الذي حاول فيه أن يوضح للنصارى كيف يجادلون المسلمين. ويرى آخرون أن الحروب
    الصليبية هي بداية الاحتكـاك الفعلي بين المسلمين والنصارى الأمر الذي دفع
    النصارى إلى محاولة التعرف على المسلمين.

    ومن الآراء في بداية الاستشراق أنه بدأ بقرار من مجمع فيينا الكنسي
    الذي دعا إلى إنشاء كراسي لدراسة اللغات العربية والعبرية والسريانية في
    عدد من المدن الأوروبية مثل باريس وأكسفورد وغيرهما، ويرى الباحث الإنجليزي
    ب.إم هولت P.M. Holt أن القرارات الرسمية لا يتم تنفيذها بالطريقة التي
    أرادها صاحب القرار لذلك فإن القرار البابوي هنا لا يعد البداية الحقيقية
    للاستشراق.([1])

    وثمة رأي له عدد من المؤيدين أن احتكاك النصارى بالمسلمين في الأندلس
    هو الانطلاقة الحقيقية لمعرفة النصارى بالمسلمين والاهتمام بالعلوم
    الإسلامية ويميل إلى هذا الرأي بعض رواد البحث في الاستشراق من المسلمين
    ومنهم الشيخ الدكتور مصطفى السباعي ([2]).

    ولاشك أن هذه البدايات لا تعد البداية الحقيقية للاستشراق الذي أصبح
    ينتج ألوف الكتب سنوياً ومئات الدوريات ويعقد المؤتمرات، وإنما تعد هذه
    جميعا كما يقول الدكتور النملة "من قبيل الإرهاص لها وما أتى بعدها يعد من
    قبيل تعميق الفكرة، والتوسع فيها وشد الانتباه إليها"([3]) فالبداية
    الحقيقية للاستشراق الذي يوجد في العالم الغربي اليوم ولا سيما بعد أن بنت
    أوروبا نهضتها الصناعية والعلمية وأصبح فيها العديد من الجامعات ومراكز
    البحوث وأنفقت ولا تزال تنفق بسخاء على هذه البحوث قد انطلقت منذ القرن
    السادس عشر حيث "بدأت الطباعة العربية فيه بنشاط فتحركت الدوائر العلمية
    وأخذت تصدر كتاباً بعد الآخر .."([4])، ثم ازداد النشاط الاستشراقي بعد
    تأسيس كراس للغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية مثل كرسي أكسفورد
    عام 1638 وكامبريدج عام 1632، ويضيف سمايلوفيتش بأن تأسيس الجمعيات العلمية
    مثل الجمعية الأسيوية البنغالية والجمعية الاستشراقية الأمريكية والجمعية
    الملكية الآسيوية البريطانية وغيرها بمنزلة "الانطلاقة الكبرى للاستشراق
    حيث تجمعت فيها العناصر العلمية والإدارية والمالية فأسهمت جميعها إسهاماً
    فعّالاً في البحث والاكتشاف والتعرف على عالم الشرق وحضارته فضلاً عما كان
    لها من أهداف استغلالية واستعمارية"([5]) وكان من المشروعات الاستشراقية
    المهمة إنشاء مدرسة اللغات الشرقية الحية في فرنسا برئاسة المستشرق الفرنسي
    سلفستر دي ساسي Silvester de Sacy التي كانت تعد قبلة المستشرقين
    الأوروبيين وساهمت في صبغ الاستشراق بالصبغة الفرنسية مدة من الزمن([6])،
    نشاء الجمعيات الاسشتراقية وأيضاً بداية منظمة المؤتمرات العالمية
    للمستشرقين عام 1873 في عقد مؤتمراته السنوية.


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] -P. M. Holt. “ The Origin of Islam Studies.” In AL- Kulliya. (Khartoum) No.1, 1952,pp.20-27.

    [2] علي النملة . الاستشراق في الأدبيات العربية :عرض للنظرات وحصر وراقي
    للمكتوب.( الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث الدراسات الإسلامية،
    1414هـ/1993م.) الصفحات 23-31.وقد أورد الدكتور النملة معظم الآراء التي
    تتعلق بنشأة الاستشراق.

    [3] - المرجع نفسه ص 30.

    [4] -أحمد سمايلوفيتش. فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر."( القاهرة :بدون ناشر ، بدون تاريخ) ص 77.

    [5] -المرجع نفسه ص 81.

    [6] -نجيب العقيقي . المستشرقون. ج1(القاهرة: دار المعارف، بدون تاريخ9 ص 140

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:14









    لقد سعى
    المستشرقون إلى تحقيق أهدافهم من خلال العديد من الوسائل والأساليب. وحيث
    أن المستشرقين جزء من مجتمعاتهم فإنهم سوف يستخدمون بلا شك الوسائل
    والأساليب الشائعة في مجتمعاتهم وإن كان مجال عملهم في الاستشراق سيتطلب في
    بعض الأحيان استخدام وسائل وأساليب تناسب مجال عملهم وتناسب أهدافهم
    ودوافعهم، وقد كتبت د. فاطمة أبو النجا عن وسائل المستشرقين تقول "لم يترك
    المستشرقون مجالا من مجالات الأنشطة المعرفية والتوجيهية العليا إلاً
    تخصصوا فيها، ومنها التعليم الجامعي، وإنشاء المؤسسات العالمية لتوجيه
    التعليم والتثقيف، وعقد المؤتمرات والندوات ولقاءات التحاور، وإصدار
    المجلات ونشر المقالات وجمع المخطوطات العربية، والتحقيق والنشر وتأليف
    الكتب ودس السموم الفكرية فيها بصورة خفية ومتدرجة، وإنشاء الموسوعات
    العلمية الإسلامية، والعناية العظمى لإفساد المرأة المسلمة وتزيين الكتابة
    باللغة العامية ..."([1])

    هذه بصفة عامة الوسائل التي اتخذها المستشرقون لتحقيق أهدافهم وفيما يأتي توضيح هذه الوسائل والأساليب:

    التعليم الجامعي والبحث العلمي

    منذ أن استقر الاستشراق كفرع معرفي له أقسامه العلمية ومراكز البحوث
    الخاصة به، أخذت هذه الأقسام تستقبل الطلاب من جميع أنحاء العالم
    فالأوروبيون الذين يدرسون هذه المجالات يتخصصون فيها لأهداف تخصهم فقد جاء
    في تقرير سكاربورScarbrough وتقرير هايتر Hayter البريطانيين الجهات التي
    تحتاج هذه التخصصات ابتداءً من وزارة المستعمرات(حين كانت موجودة) ووزارة
    الخارجية والاستخبارات والتجارة والاقتصاد والإذاعة البريطانية وغيرها من
    الجهات، أما الطلاب العرب والمسلمون فقد جاءوا في بعثات دراسية إما على
    حساب دولهم أو على حسابهم الخاص أو بمنح من الجامعات الغربية التي استهوتهم
    لأسباب منها السمعة العلمية العالية التي تتمتع بها هذه الجامعات في دول
    العالم الثالث( حتى وإن كان بعضها متواضع المستوى) وثانياً لرغبة الجامعات
    الغربية الإفادة من هؤلاء الطلاب في مجال البحث العلمي، بالإضافة إلى الهدف
    الاستشراقي القديم من التأثير في طبقة من أبناء الأمة المسلمة من المتوقع
    أن تتسم منابر التوجيه وقيادة الرأي في بلادها. وقد يكون أحد هذه الأسباب
    المرونة التي تتمتع بها هذه الجامعات في مجال الدراسات العليا وبعدها عن
    التعقيدات والمشكلات والقيود التي يواجهها الطلاب في الجامعات العربية
    والإسلامية.

    وقد أصبحت هذه الأقسام العلمية تعد بالآلاف في أنحاء أوروبا وأمريكا،
    ولما تخلص الأوروبيون والأمريكيون من مصطلح الاستشراق أصبحت أقسام الدراسات
    الشرق أوسطية أقسام دراسات المناطق هي التي يدرس فيها هؤلاء الطلاب ولكن
    هذه الأقسام لم تعد كافية لدراسة كل ما يخص العالم الإسلامي والعربي فأضيف
    إليها الدراسة في أقسام الجامعة الأخرى مثل : علم الاجتماع، وعلم الإنسان،
    وعلم النفس، وقسم الاقتصاد والعلوم السياسية ومختلف العلوم التي يتم
    التنسيق بينها جميعاً من خلال معهد الشرق الأوسط كما في جامعة كولمبيا في
    نيويورك أو مركز دراسات الشرق الأوسط كما في جامعة كاليفورنيا بمدينة
    بيركلي.

    وتسهم هذه الأقسام من خلال المواد الدراسية في تكوين عقلية الطالب وفهمه
    وإدراكه للقضايا التي تخص الإسلام والمسلمين حيث إن طريقة التدريس والمراجع
    المقررة وتوجهات الأساتذة لها دور كبير في الدراسة الجامعية أو الدراسات
    العليا( وبخاصة في أمريكا حيث إن طالب الماجستير أوالدكتوراه يكلف بدراسة
    عدد محدد من الساعات)([2])

    ولا شك أن بعض أبناء العرب والمسلمين يتأثرون بأساتذتهم فكرياً وأخلاقياً
    وسلوكياً ، ولذلك نجد التركيز في التراجم الإسلامية السؤال عن الشيوخ،
    ولذلك من المهم معرفة شيوخ العلماء المعاصرين من أبناء الأمة الإسلامية
    الذين تتلمذوا على المستشرقين. ومهما كانت قوة العقيدة والإيمان لدى معظم
    الطلاب العرب والمسلمين فإن بعضهم يتأثر بشيوخه من المستشرقين وبخاصة أن
    بعض هؤلاء قد بلغوا درجة عالية من العلم والخبرة ومعرفة نفسية الطلاب العرب
    والمسلمين. كما أن بعض الأساتذة في الجامعات الغربية يكونون من القساوسة
    والرهبان وبعضهم من اليهود فيحرصون على التأثير في طلابهم بأسلوب غير
    مباشر، ولو أن يدخلوا أدنى درجة من الشك في قلوب هؤلاء التلاميذ.

    وبالإضافة إلى أقسام دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في
    الجامعات الغربية ( أوروبا وأمريكا) فإن الغرب حرص على فتح جامعات أوروبية
    وأمريكية في البلاد العربية الإسلامية ومن أبرز هذه الجامعات الجامعة
    الأمريكية التي أصبح لها العديد من الفروع في القاهرة وفي بيروت وفي دبي
    وفي الشارقة وفي إسطنبول وغيرها، وقد قامت الجامعات الفرنسية بافتتاح معاهد
    لها في عدد من الدول العربية كما أن لهولندا معهداً في مصر وكذلك تقوم
    الحكومة الألمانية بافتتاح جامعة في مصر بعد أن كانت نواة هذه الجامعة قد
    أسست منذ سنوات. وقد ذكر خبر نشر في إحدى الصحف أن حجر الأساس لأول جامعة
    ألمانية سيوضع بتمويل من عدة جهات منها السفارة الألمانية في القاهرة (
    يعني الخارجية الألمانية) وجامعتين ألمانيتين بالتعاون مع الغرفة التجارية
    العربية الألمانية للتجارة والصناعة([3])

    وقد أعلنت وزارة الخارجية السويدية قبل عدة أعوام عن إنشاء مركز بحوث
    سويدي في الإسكندرية. وسيعقد هذا المعهد مؤتمراً عن الشباب العربي المسلم
    في مدينة الإسكندرية بمصر في شهر فبراير 2003م.

    أما كيف تكون الجامعات والتعليم العالي وسيلة من وسائل الاستشراق فنحن لا
    نتحدث عن أقسام الهندسة والكيمياء والطب والرياضيات( وإن كان يحدث فيها
    تأثير استشراقي) ولكن الحديث عن أقسام الدراسات الإسلامية والعربية
    والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية وغيرها من الدراسات
    الأدبية والنظرية) فمن التأثر أولاً بالمجتمع الغربي( وهي قضية بدأت مع
    البعثات قبل أكثر من قرنين ) إلى التأثر بالأستاذ في طباعة وأخلاقه وسلوكه،
    ثم في اختيار موضوع البحث وبخاصة في مجال الدراسات العليا، فإن الأمة قد
    أوفدت أنبه أبنائها (بخاصة المبتعثين، الذين حصلوا على البعثات بجدارة)
    للدراسة في الخارج فحين يكون اختيار الموضوع سيئاً أو موجهاً فقد يجد
    الطالب نفسه أسير ذلك الموضوع حتى نهاية حياته العلمية وقل أن يتخلص من هذا
    الأسر، فيسهم الأستاذ المشرف في اختيار الموضوع وتوجيه الطالب للاهتمام
    بقضايا بعينها، ومن الأمثلة توجيه الطالب لاختيار كتاب الأغاني مثلاً ليكون
    مصدراً لدراسة التاريخ الإسلامي أو المجتمع الإسلامي. وهو أمر خطير فكيف
    يكون كتاب مجون وخلاعة مصدر لدراسة تاريخ أمة هي أعظم الأمم على وجه الأرض.


    كما يوجه الأساتذة طلابهم للبحث في موضوعات يريد الغربيون معرفة تفاصيلها
    الدقيقة وهو لا يستطيعون الوصول إلى هذه المعلومات فيكلفون طلابهم الذين
    يريدون الحصول على الدرجات العليا، كما أن مثل هذه الدراسة تتيح لهم الفرصة
    للعودة إلى بلادهم في رحلات علمية لجمع المادة العلمية وتقديم الاستمارات
    والاستبيانات وغيرها من وسائل جمع المادة العلمية التي يصعب على الأستاذ أو
    الجهات الخارجية الوصول إليها.

    وتسعى الجامعات ومراكز البحوث أن تستقطب بعض أبناء الأمة الإسلامية لقضاء
    سنوات التفرغ بالنسبة للأساتذة الجامعيين أو العمل باحثين في هذه المراكز،
    وإن كان الغالب أن الجامعات الغربية ومراكز البحوث هناك تستقطب نماذج
    معينة من الباحثين العرب والمسلمين المتأثرين بالفكر الغربي، لكن هذا لا
    يمنع أن يشارك في العمل في بعض الجامعات الغربية بعض الباحثين المعتزين
    بدينهم وبأمتهم وبتراثهم الحضاري وينافحون عن الإسلام بكل ما أوتوا من قوة
    ولكنهم يبقون الاستثناء الذي يثبت صحة القاعدة كما يقولون.

    الكتب والمجلات والنشرات

    حرص الاستشراق منذ بدايته على نشر الكتب التي تتناول الإسلام من جميع
    جوانبه عقيدة وشريعة وتاريخاً وسيرة، وتناولت هذه الكتب الأحوال الاجتماعية
    في العالم الإسلامي في مختلف العصور.

    ففي مجال العقيدة كتبوا كثيراً ومن ذلك ما نشره المستشرق اليهودي المجري
    بعنوان دراسات إسلامية كما ألف في مذاهب التفسير الإسلامية، ونشر المستشرق
    دنكان بلاك ماكدونالد كتاباً بعنوان تطور العقيدة الإسلامية وقد انطلى على
    بعض المسلمين أنه كتاب علمي فقُرر تدريسه في أقسام الدراسات الإسلامية.
    وألف كولسون في التشريع الإسلامي ، وصدر لهم تآليف كثيرة في مجال التاريخ
    الإسلامي حتى عد بعضهم كتاب كارل بروكلمان تاريخ الشعوب الإسلامية من
    المراجع الأساسية في دراسة التاريخ الإسلامي. وهناك على سبيل المثال لا
    الحصر كتاب برنارد لويس تاريخ العرب عدّه بعض الأساتذة المتأثرين
    بالاستشراق من أهم الكتب في بابه.

    وقد تميزت كتابات المستشرقين في العصور الوسطى أو بدايات الاستشراق
    بالتعصب والحقد الشديد والكراهية للإسلام وإظهار هذه العواطف والاتجاهات
    بصراحة متناهية حتى ظهر منهم من كتب منتقداً هذا الأسلوب ومن هؤلاء ما كتبه
    نورمان دانيال في كتابه ( الإسلام والغرب) وما كتبه ريشتارد سوذرن في
    كتابه (صورة الإسلام والمسلمين في كتابات العصور الوسطى).

    وظهرت في القرن العشرين كتابات عن الإسلام تظاهرت بأنها تجاوزت التعصب
    والحقد القديم ومنها ما كتبه توماس آرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام)
    وقد يكون هذا الكتاب قدم بعض العبارات والجمل المادحة للإسلام والمسلمين
    ولكنه في حقيقته بعيد عن الموضوعية والمنهج العلمي(توجد رسالة ماجستير
    انتقدت هذا الكتاب في كلية الدعوة بالمدينة المنورة)([4]) كما ظهرت كتابات
    مونتجمري وات حول الرسول صلى الله عليه وسلم ( محمد في مكة) و( محمد في
    المدينة ) و( محمد رجل الدولة والسياسة) وغيرها من الكتب.

    أما أبرز الجهات الاستشراقية التي تنشر الكتب فأود في البداية أن أشير
    إلى أن الجامعات الغربية لها دور نشر خاصة بها ، ولعل من أشهر دور النشر
    هذه على سبيل المثال جامعة أكسفورد التي تطبع مئات الكتب كل عام حول العالم
    الإسلامي وقضاياه المختلفة، كما أن الجامعات الأوروبية والأمريكية لها دور
    نشر نشطة، تقوم بجهد يوازي إن لم يتفوق على نشاط دور النشر التجارية
    البحتة( قارن بينها وبين دور النشر في الجامعات العربية والإسلامية- دور
    نشر للمجاملة وللتوزيع المحدود ولا تطبع دار النشر الجامعية أكثر من عشرة
    عناوين سنوياً)

    ففي موقع دار جامعة أكسفورد للنشر مئات الكتب التي تهتم بالإسلام والعالم الإسلامي ومنها هذه الكتب- على سبيل المثال-:

    - موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث ، وتتكون من أربعة مجلدات تتألف
    من 1840 صفحة وتهتم بموضوعات لم تكن لتهتم بها الكتب حول الإسلام ومن هذه
    الموضوعات: الإرهاب والتطرف وحقوق الإنسان ومكانة المرأة في العالم
    الإسلامي وفي الإسلام. وتزعم الموسوعة لنفسها أنها متخصصة وتقدم معلومات
    دقيقة وموثقة حول القضايا التي تتناولها .

    ويمكن التعرف إلى مدى انتشار الكتب حول الإسلام والعالم العربي والشرق
    الأوسط من خلال شركة أمازون لتوزيع الكتب فيكفي أن تضع كلمة الإسلام أو
    العرب أو الشرق الأوسط لتمدك الشركة بسيل من الكتب فتحت عنوان إسلام وجدت
    أنه ثمة ثمانية آلاف وثمانمائة وإحدى عشر كتاباً([5])

    أما المجلات والدوريات فتعد بالمئات من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا فلا
    يكاد قسم من أقسام دراسات الشرق الأوسط الكبيرة في الجامعات الغربية إلاّ
    وله مجلة أو دورية كما أن الجمعيات الاستشراقية لها أيضاً إصداراتها من
    الدوريات والمجلات ونذكر على سبيل المثال الجامعات الآتية التي لها دوريات
    مشهورة.

    - دورية مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن

    - دورية جسور تصدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس.

    - مجلة العالم الإسلامي ( بالألمانية ) من ألمانيا

    - مجلة العالم الإسلامي من معهد هارتفورد اللاهوتي بالولايات المتحدة الأمريكية.

    - مجلة العلاقات النصرانية الإسلامية عن معهد العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام ببريطانيا.

    وهناك الكثير غيرها التي يبلغ تعدادها بالمئات في شتى مجالات المعرفة.

    الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والدورات العلمية وحلقات البحث المتخصصة

    دأب المستشرقون منذ بداية عهدهم بالدراسات العربية والإسلامية على الاتصال
    بعضهم ببعض عن طريق المراسلات والرحلة، ففي وقت من الأوقات قيل إن باريس
    كانت كعبة الاستشراق حينا كان سيلفيستر دو ساسي يترأس معهد اللغات الشرقية
    الحية في باريس (1795م وما بعدها). وكان الحال كذلك مع العواصم الأخرى حين
    يذيع صيت أحد المستشرقين فيسعون إليه للتلقي عنه أو يسعون إلى استضافته
    أستاذاً زائراً. ولكن كان لا بد من طريقة أخرى يتوصلون إلى التبادل العلمي
    والثقافي فكانت الندوات المحلية والإقليمية ثم الدولية وسيلة من وسائل
    الصلة بين المستشرقين.

    وكانت مؤتمرات المستشرقين في غالبيتها عبارة عن لقاء مجموعة من الباحثين
    والعلماء لتقديم بحوث وأوراق عمل ونقاشات ومناسبات اجتماعية على هامش
    المؤتمرات ؟ولم تكن في يوم من الأيام للتسلية والوجاهة والحصول على
    الامتيازات المادية من انتدابات وبدلات وغيرها كما يحدث في دول العالم
    النامي، فهي بالتالي وسيلة عمل وتخطيط ودراسة؟

    بدأ الأوروبيون بمبادرة فرنسية – مازال الفرنسيون يفخرون بها- منذ أكثر من
    قرن وربع في عقد مؤتمر دولي كل عدة سنوات – لا تتجاوز خمساً- للبحث في مجال
    الدراسات الاستشراقية التي تضم الهند والصين وجنوب شرق آسيا وكذلك تركيا
    ودول وسط آسيا (الجمهوريات التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي سابقاً ) وشمال
    أفريقيا، ولكن الدراسات الإسلامية كانت وما تزال المحور الأساس لهذه
    المؤتمرات. وقد عقد المؤتمر الأول عام 1873 في باريس وبلغت حتى الآن ستاً
    وثلاثين مؤتمراً ، وكان المؤتمر قبل الأخير قد عقد في بودابست بالمجر في
    الفترة من 3-8ربيع الأول الموافق 7-12يوليو 1997م. وقد قدم فيه ما يزيد على
    ألف بحث.

    وقد أصبحت المؤتمرات والندوات من الكثرة بحيث يصعب على الباحث أن يحصرها أو
    يتناولها جميعاً بالبحث والدراسة ولذلك سوف تقتصر هذه الدراسة على نماذج
    من هذه المؤتمرات والندوات التي أتيح لي الاطلاع على بعض المعلومات عنها،
    بحيث نقدم معلومات عن الموضوعات التي يتناولها المؤتمر أو الندوة ، وكذلك
    معلومات عن المشاركين وأهمية توجهات المشاركين في هذه المؤتمرات ونتائج
    وتوصيات المؤتمرات.([6])

    أما المحاضرات العامة والدورات فهي أكثر من أن تحصى ويكفي لمعرفة مدى سعة
    وعمق هذه النشاطات الاطلاع على مواقع الإنترنت لمراكز البحوث وأقسام دراسات
    الشرق الأوسط( قبل الإنترنت مثلا كانت جامعة هارفرد تنشر نشرة نصف شهرية
    تزدحم فيها النشاطات) ومن الأمثلة على هذه النشاطات أن معظم أقسام دراسات
    الشرق الأوسط لها لقاء أسبوعي مع محاضرة موجزة بالإضافة إلى محاضرات
    الأساتذة الزائرين ومن يتابع ما يدور في هذه الجامعات ويقارن بينها وبين ما
    يدور في الجامعات العربية الإسلامية يصاب بالذهول فكأن هذه مدراس ابتدائية
    مقارنة مع تلك.

    التقارير السياسية والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية والمقالات الصحفية

    لما كانت الحكومات الغربية تدرك أهمية العلم والمتعلمين فقد سعت إلى
    الباحثين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط فطلبت إليهم تقديم نتائج بحوثهم
    ودراساتهم واستشارتهم في اتخاذ القرارات السياسية وهو ما يعرف في الفكر
    السياسي من تقارب بين العلماء والساسة. فلا تكاد قاعات وزارات الخارجية
    الغربية ومجالس النواب فيها واللجان المتخصصة تخلو من الباحثين المستشرقين
    يقدمون عصارة فكرهم لمصلحة بلادهم وأمتهم.

    ومن الأمثلة على ذلك ما نشره مجلس النواب الأمريكي( الكونجرس) عام 1985 من
    تقرير وصل عدد صفحاته إلى اثنتين وأربعين وأربعمائة ضمت العديد من الدراسات
    والمعلومات القيمة حول ما أطلق عليه في الغرب ظاهرة الأصولية الإسلامية.

    وقد كان من المشهور سابقاً أن لا يكون للحكومات تأثير في النشاط العلمي
    للجامعات حتى إن جامعة هارفرد قامت بإلغاء مؤتمر كان من المقرر عقده حول
    الحركات الإسلامية في العالم العربي عندما علمت بأن وكالة الاستخبارات
    المركزية ساهمت في تمويل المؤتمر، ثم أصبح من المعتاد أن تهتم الوكالة
    نفسها بهذه القضايا وتجند لها أساتذة الجامعات والمتخصصين في الدراسات
    الإسلامية والعربية والدراسات الشرق أوسطية.

    وأدرك الإعلام أيضاً أهمية استضافة أساتذة الجامعات المتخصصين في العالم
    العربي والإسلامي فأتاح لهم المجال لتقديم آرائهم في القضايا السياسية
    المعاصرة ولا تكاد تخلو نشرة أخبار من استضافة أحد هؤلاء للحديث في مجال
    تخصصه. ولم تكتف وسائل الإعلام بهذا الأمر فقد طلبت إليهم أن يجيبوا عن
    أسئلة الجمهور أو استضافتهم في برامج حوارية طويلة ، ومن وسائل الإعلام
    التي تهتم بهذا الجانب،الإذاعات الموجهة مثل إذاعة لندن وصوت أمريكا وإذاعة
    مونت كارلو وغيرها.


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] - فاطمة أبو النجا.نور الإسلام وأباطيل خصومه. ص 160

    [2] - مازن مطبقاني . الاستشراق المعاصر في منظور الإٍسلام. ص 58 وما بعدها

    [3] - الشرق الأوسط، العدد 8340، 11رجب 1422هـ28 سبتمبر 2001م)

    [4] - محمود حمزة عزوني. دراسة نقدية لكتاب الدعوة إلى الإسلام تأليف توماس
    ولكر آرنولد. .رسالة ماجستير من قسم الدعوة بالمعهد العالي للدعوة
    الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1404/1405هـ تحت إشراف الدكتور إبراهيم
    عكاشة.

    [5] - كان هذا الأمر في شهر رجب عام 1422هـ ولا بد أن هذا العدد يزداد باستمرار

    [6] - مطبقاني . الاستشراق المعاصر، مرجع سابق ص 172وما بعدها. وانظر رسالة
    الدكتوراه التي أعدها الدكتور محسن السويسي بعنوان مؤتمرات المستشرقين
    العالمية: نشأتها –تكوينها –أهدافها. قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة
    المنورة عام 1419/ 1998م تحت إشراف الدكتور حامد غنيم أبو سعيد

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:15




    إن
    كنّا أخذنا بالقول إن الاستشراق بدأ بتشجيع من الكنيسة ورجال الدين فإن
    الاهتمام الديني يعد أول أهداف الاستشراق وأهمها على الإطلاق. فعندما رأى
    النصارى وبخاصة رجال الدين فيهم أن الإسلام اكتسح المناطق التي كانت
    للنصرانية وأقبل كثير من النصارى على الدين الإسلامي ليس لسماحته فحسب ولكن
    لأنه بعيد عن التعقيدات وطلاسم العقيدة النصرانية ، ولأنه نظـام كامل
    للحياة . كما أن رجال الدين النصارى خافوا على مكانتهم الاجتماعية
    والسياسية في العـالم النصراني فكان لابد أن يقفوا في وجه الإسلام حيث إنه
    ليس في الإسلام طبقة رجال دين أو أكليروس كما في النصرانية.[1]

    فغاية الهدف الديني هي معرفة الإسلام لمحاربته وتشويهه وإبعاد
    النصارى عنه، وقد اتخذ النصارى المعرفة بالإسلام وسيلة لحملات التنصير التي
    انطلقت إلى البلاد الإسلامية،وكان هدفها الأول تنفير النصارى من الإسلام.
    ولذلك فإن الكتابات النصرانية المبكرة كانت من النوع المتعصب والحاقد جداً
    حتى إن بعض الباحثين الغربيين في العصر الحاضر كتب نقداً عنيفاً لاستشراق
    العصور (الأوروبية ) الوسطى من أمثال نورمان دانيال Norman Daniel في
    كتابه الإسلام والغرب.[2] فقد كتب دانيال أن أسباب حقد النصارى وسوء فهمهم
    للإسلام مـازال بعضه يؤثر في موقف الأوروبيين من الإسلام بالرغم من التحسن
    العظيم الحديث في الفهم والذي أشاد به بعض المسلمـين.[3] وكتاب ريتشارد
    سوذرن صورة الإسلام في العصور الوسطى [4]



    الهدف العلمي

    ما كان لأوروبا أن تنهض نهضتها دون أن تأخذ بأسباب ذلك وهو دراسة منجزات
    الحضارة الإسلامية في جميع المجالات العلمية .فقد رأى زعماء أوروبا " أنه
    إذا كانت أوروبا تريد النهوض الحضاري والعلمي فعليها بالتوجه إلى بواطن
    العلم تدرس لغاته وآدابه وحضارته"([5]) وبـالرجوع إلى قوائم الكتب التي
    ترجمت إلى اللغات الأوروبية لعرفنا حقيقة أهمية هذا الهـدف من أهداف
    الاستشراق فالغربيين لم يتركوا مجالاً كتب فيه العلماء المسلمون حتى درسـوا
    هذه الكتابات وترجموا عنها، وأخذوا منها.وقد أشار رودي بارت Rudi Paret
    -في كتابه عن الدراسات العربية الإسلامية -إلى إمكانية أن تقوم الأمة
    الإسلامية في العصر الحاضر بدراسة الغرب فيما يمكن أن يطلق عليه علم
    الاستغراب ([6])، فإن المسلمين في نهضتهم الحاضرة بحاجة إلى معرفة
    الإنجازات العلمية التي توصل إليها الغرب عبر قرون من البحث والدراسة
    والاكتشافات العلمية والاستقرار السياسي والاقتصادي.



    الهدف الاقتصادي التجاري

    عندما بدأت أوروبا نهضتها العلمية والصناعية والحضارية وكانت في حاجة إلى
    المواد الأوليـة الخام لتغذية مصانعها ، كما أنهم أصبحوا بحاجة إلى أسواق
    تجارية لتصريف بضائعهم كان لا بد لهم أن يتعرفوا إلى البلاد التي تمتلك
    الثروات الطبيعية ويمكن أن تكون أسواقاً مفتوحة لمنتجاتهم . فكان الشرق
    الإسلامي والدول الأفريقية والآسيوية هي هذه البلاد فنشطوا في استكشافاتهم
    الجغرافية ودراساتهم الاجتماعية واللغوية والثقافية وغيرها.

    ولم يتوقف الهدف الاقتصادي عند بدايات الاستشراق فإن هذا الهدف ما زال
    أحد أهم الأهداف لاستمرار الدراسات الاستشراقية . فمصانعهم ما تزال تنتج
    أكثر من حاجة أسواقهم المحـلية كما أنهم ما زالوا بحاجة إلى المواد الخام
    المتوفرة في العالم الإسلامي. ولذلك فإن بعض أشهر البنوك الغربية(لويد وبنك
    سويسرا) تصدر تقارير شهرية هي في ظاهرها تقارير اقتصادية ولكنها في
    حقيقتها دراسات استشراقية متكاملة حيث يقدم التقرير دراسة عن الأحوال
    الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية للبلاد العربية الإسلامية ليتعرف
    أرباب الاقتصاد والسياسة على الكيفية التي يتعاملون بها مع العـالم
    الإسلامي.



    الهدف السياسي الاستعماري

    لقد خدم الاستشراق الأهداف السياسية الاستعمارية للدول الغربية فقد
    سار المستشرقون في ركاب الاستعمار وهم كما أطلق عليهم الأستاذ محمود شاكر
    -رحمه الله- " حملة هموم الشمال المسيحي- فقدموا معلومات موسعة ومفصلة عن
    الدول التي رغبت الدول الغربية في استعمـارها والاستيلاء على ثرواتها
    وخيراتها. وقد اختلط الأمر في وقت من الأوقات بين المستعمر والمستشرق فقد
    كان كثير من الموظفين الاستعماريين على دراية بالشرق لغة وتاريخاً وسياسة
    واقتصـاداً . وقد أصدر - على سبيل المثال- مستشرق بريطاني كتاباً من أربعة
    عشر مجلداً بعنوان: (دليل الخليج: الجغرافي والتاريخي) وكان الموظف
    الاستعماري لا يحصل على الوظيفة في الإدارة الاستعمارية ما لم يكن على
    دراية بالمنطقة التي سيعمل بها.

    واستمر الارتباط بين الدراسات العربية الإسلامية وبين الحكومات الغربية حتى
    يومنا هذا بالرغـم من أنه قد يوجد عدد محدد جداً من الباحثين الغربيين
    دفعهم حب العلم لدراسة الشرق أو العالم الإسلامي. ومن الأدلة على هذا
    الارتباط أن تأسيس مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجـامعة لندن قد
    أُسّسَت بناء على اقتراح من أحد النواب في البرلمان البريطاني.([7]) وبعد
    انتهاء الحرب العالمية الثانية رأت الحكومة البريطانية أن نفوذها في العالم
    الإسلامي بدأ ينحسر فكان لا بد من الاهتمام بالدراسات العربية الإسلامية
    فكلفت الحكومة البريطانية لجنة حكومية برئاسة الإيرل سكاربورو Scarbrough
    لدراسة أوضاع الدراسات العربية الإسلامية في الجامعات البريطانية. ووضعت
    اللجنة تقريرها حول هذه الدراسات وقدمت فيه مقترحاتها لتطوير هذه الدراسات
    واستمرارها([8]).

    وفي عام 1961 كونت الحكومة البريطانية لجنة أخرى برئاسة السير
    وليام هايترSir William Hayter لدراسة هذا المجال المعرفي ، وقامت اللجنة
    باستجواب عدد كبير من المتخصصين في هذا المجال ، كما زارت أقسام الدراسات
    العربية والإسلامية في الجامعات البريطانية وفي عشر جامعات أمـريكية
    وجامعتين كنديتين . وكانت زيارتها للولايات المتحدة بقصد التعرف على
    التطورات التي أحدثها الأمريكيون في هذا المجال ، وكان ذلك بتموين من
    مؤسستي روكفللر و فورد .([9])

    ومما يؤكد ارتباط الدراسات العربية الإسلامية بالأهداف السياسية
    الاستعمارية (رغم انحسار الاستعمار العسكري) أن الحكومة الأمريكية موّلت
    عدداً من المراكز للدراسات العربية الإسلامية في العديد من الجامعات
    الأمريكية ، وما زالت تمول بعضها إما تمويلاً كاملاً أو تمويلاً جزئياً
    وفقا لمدى ارتباط الدراسة بأهداف الحكومة الأمريكية وسياستها.([10])

    كما يستضيف الكونجرس وبخاصة لجنة الشؤون الخارجية أساتذة الجامعات
    والباحثين المتخصصين في الدراسات العربية الإسلامية لتقديم نتائج بحوثهم
    وإلقاء محاضرات على أعضاء اللجنة ، كما ينشر الكونجرس هذه المحاضرات
    والاستجوابات نشراً محدوداً لفائدة رجال السياسة الأمريكيين.([11])



    الهدف الثقافي

    من أبرز أهداف الاستشراق نشر الثقافة الغربية انطلاقاً من النظرة
    الاستعلائية التي ينظر بها إلى الشعوب الأخرى . ومن أبرز المجالات الثقافية
    نشر اللغات الأوروبية ومحاربة اللغة العربية. وصبغ البلاد العربية
    والإسلامية بالطابع الثقافي الغربي. وقد نشط الاستشراق في هذا المجال أيما
    نشاط. فأسس المعاهد العلمية والتنصيرية في أنحاء العالم الإسلامي وسعى إلى
    نشر ثقافته وفكره من خلال هؤلاء التلاميذ. وقد فكّر نابليون في ذلك حينما
    طلب من خليفته على مصر أن يبعث إليه بخمسمائة من المشايخ ورؤساء القبائل
    ليعيشوا فترة من الزمن في فرنسا "يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة (الفرنسية)
    ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولمّا يعودون إلى مصر، يكون لنا منهم حزب
    يضم إليه غيرهم" ([12]) ولم يتم لنابليون ذلك ولكن لمّا جاء محمد علي أرسل
    بعثة من أبناء مصر النابهين يقودهم رفاعة رفعت الطهطاوي، وقد قال محمود
    شاكر إن هؤلاء " يكونون أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها فإذا
    عادوا إلى مصر كانوا حزباً لفرنسا وعلى مر الأيام يكبرون ويتولون المناصب
    صغيرها وكبيرها، ويكون أثرهم أشد تأثيراً في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار
    التي يتلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر.." ([13])

    وقد حرص الغرب على الغزو الثقافي من خلال التغريب الفكري بعدة طرق ذكرها السيد محمد الشاهد فيما يأتي:

    1- التعليم من حيث المنهج ومن حيث المادة العلمية …

    2- وفي مجال الإعلام تُسْتَغل كل وسائل الإعلام المتاحة وخاصة أفلام السينما والتلفاز تأثير غير مباشر."([14])

    وظهر الهدف الثقافي من خلال الدعوة إلى العامية وإلى محاربة الفصحى
    والحداثة في الأدب والفكر حيث نادى البعض بتحطيم السائد والموروث وتفجير
    اللغة وغير ذلك من الدعوات. وقد بلغ من ثقتهم بأنفسهم في هذا المجال أن كتب
    أحدهم يتوقع أن لا يمر وقت طويل حتى تستبدل مصر باللغة العربية اللغة
    الفرنسية كما فعلت دول شمال أفريقيا.([15])


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] - آصف حسين." المسار الفكري للاستشراق " ترجمة مازن
    مطبقاني ، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية . العدد السابع ربيع
    الثاني 1413، ص 566-592.

    [2] -Norman Daniel. Islam and The West: The Making of An Image. Revised edition (Oxford: Oneworld,1993)

    [3] - المرجع نفسه ، صفحة 9 ( المقدمة)

    [4] -ريتشارد سوذرن . صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى. ترجمة وتقديم رضوان السيد.( بيروت: معهد الإنماء العربي، 1984)

    [5] - المرجع نفسه ص 36.

    [6] -رودي بارت ، مرجع سابق.ص 15.

    [7] -غراب ، مرجع سابق. ص48

    [8] -Report of The Interdepartmental Commission of Inquiry of Oriental , Slavonic , European and African Studies (London, 1947)

    [9] -Report of the Sub-Committee on Oriental, Slavonic, East European and African Studies (London,1961)

    [10] - Moroe Berger. “ Middle Eastern And North African Studies :
    Development and Needs.” In Middle East Studies Association Bulletin,
    Vol.1. No.2, November 15,1967.

    وانظر الدراسات العربية الإسلامية في جامعات أمريكيا الشمالية ، إعداد
    اللجنة المنبثقة عن مؤتمر الشباب المسلم المنعقد في طرابلس عام 1973وتم
    تحديثها عام 1975 ونشرت في مدينة سيدر رابدزCedar Rapids بولاية أيوا
    الأمريكية ، وقام بترجمتها مازن مطبقاني ، وراجع الترجمة الدكتور علي
    النملة ( تحت الطبع)

    [11] -من الأمثلة على ذلك محاضر جلسات الكونجرس في صيف عام 1985 الذي بلغت
    صفحاتها اثنتين وأربعين وأربعمائة صفحة. وقد قام الدكتور أحمد خضر إبراهيم
    بترجمة أجزاء منها ونشرها في مجلة المجتمع الكويتية قبيل احتلال العراق
    الكويت.

    [12] - محمود شاكر ، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.(جدة: دار المدني، 1407هـ، 1987م)ص108.

    [13] -المرجع نفسه ،ص 141.

    [14] -السيد محمد الشاهد. رحلة الفكر الإسلامي : من التأثر إلى التأزم. (بيروت: دار المنتخب العرب، 1414هـ/1994م)ص 181.

    [15] -Saleh J. Altoma. “ The reception of Najib Mahfouz in American
    Publication.” In Comperatine and General Literature .( Bloomington:
    Indiana University Press. 1993) p160-179 quoting George Young .Egypt.
    London: E. Benn, 1927. P284-85.

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:15




    مناهج المستشرقين
    من الصعب أن نجمع المستشرقين كلهم في بوتقة واحدة ونزعم أن منهجهم كان
    واحداً في كل الأزمان والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها، ولكن
    تسهيلاً لهذا الأمر فيمكن إجمال هذه المناهج التي يشترك فيها عدد كبير من
    المستشرقين قديماً وحديثاً في تناول العلوم الإسلامية عموماً.

    1- محاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى أصول يهودية ونصرانية

    وهذا الأمر يتمثل في كثير من الكتابات حول الوحي وحول القرآن الكريم والسنة
    النبوية المطهرة، ويقول في ذلك عماد الدين خليل نقلاً عن جواد علي "إن
    معظم المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين أو من الخريجين من كليات
    اللاهوت، وهم عندما يتطرقون إلى الموضوعات الحساسة من الإسلام يحاولون جهد
    إمكانهم ردها إلى أصل نصراني..."([1])
    وقد ذكر طيباوي في دراسة أن عدداً من المستشرقين الناطقين باللغة
    الإنجليزية يعتقدون بذلك ومنهم على سبيل المثال مونتجمري وات وبرنارد لويس
    وغيرهم.([2]) وانظر أيضاً البحث الذي كتبه التهامي نقرة بعنوان ’القرآن والمستشرقون‘([3])

    2- التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف

    دأب المستشرقون عموماً على التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف من خلال
    الزعم بأن "الحديث لم يدون وقد نقل شفاهاً مما يستوجب في نظرهم عدم صحة
    الأحاديث"([4])
    والأمر الثاني في نظرهم كثرة الوضع في الحديث، والأمر الثالث اتهام
    المستشرقين للفقهاء بوضع الأحاديث وتلفيقها "لترويج آرائهم واختلاق الأدلة
    التي تسند تلك الآراء.."([5])

    3- البحث على الضعيف والشاذ من الروايات:

    يقول جواد علي "لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف في بعض الأحيان وحكموا
    بموجبه، واستعانوا بالشاذ ولو كان متأخراً، أو كان من النوع الذي استغربه
    النقدة وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ هو الأداة الوحيدة في
    إثارة الشك".([6])

    وهذا الأمر مشهور إلى حد كبير فهم يذهبون إلى الكتب التي تجمع الأحاديث
    وبخاصة مثل كنز العمال وغيرها من الكتب التي لا يرد فيها تصحيح أو تخريج
    للأحاديث، وقد كتب باحث بريطاني عن فتح المسلمين قسطنطينية بأنه وردت
    أحاديث عن أن الذي سيفتحها سيكون اسمه اسم نبي ثم لما لم تفتح ادعى أن
    الأحاديث لا تصح لأن تكون مصدراً، أما أنه لم يعرف صحة الحديث من عدمه فأمر
    لا يهمه وهو الذي يدعي العلمية والنزاهة.

    4-الاهتمام بالفرق والأقليات وأخبار الصراعات والبحث عن الوثنيات والتاريخ السابق لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    كثرت كتابات المستشرقين عن الفرق كالشيعة والإسماعيلية والزنج وغيرهم من
    الفرق التي ظهرت في التاريخ الإسلامي وأعطوها من المكانة والاهتمام أكثر
    مما تستحق، بل إن هناك من كتب عن المنافقين في عهد الرسول e وأطلق عليهم
    لقب المعارضة لإعطاء ما قاموا به من عداوة لله ولرسوله شرعية. وحصل بعضهم
    على درجة الدكتوراه في بحوث حول هذه الفرق.

    5- الخضوع للهوى والبعد عن التجرد العلمي:

    يقول الدكتور عبد العظيم الديب "فالمستشرق يبدأ بحثه وأمامه غاية حددها،
    ونتيجة وصل إليها مقدماً، ثم يحاول أن يثبتها بعد ذلك، ومن هناك يكون دأبه
    واستقصاؤه الذي يأخذ بأبصار بعضهم..."([7]).

    6- التفسير بالإسقاط

    يشرح الدكتور الديب هذا الخطأ المنهجي بأنه "إسقاط الواقع المعاصر المعاش،
    على الوقائع التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ فيفسرونها في ضوء خبراتهم
    ومشاعرهم الخاصة وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم"([8])
    فمثلاً واقع الغربيين يدل على تنازعهم على السلطة وإن كان الأمر يبدو في
    الحاضر انتخابات وحرية اختيار ولكن الحقيقة أن من يملك المال يستطيع أن يصل
    إلى الأصوات حتى صدر في أمريكا كتاباً بعنوان ’بيع الرئيس‘ وكتاباً آخر عن
    ’صناعة الرئيس‘ فجاء المستشرقون إلى بيعة الصديق رضي الله عنه فصوروها على
    أنها اغتصاب للسلطة أو تآمر بين ثلاثة من كبار الصحابة هم والله أنقى
    البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي
    الله عنهم أجمعين فزعموا أن هؤلاء الثلاثة تآمروا على أن يتولوا الخلافة
    الواحد تلو الآخر.

    وذكرت كذلك أنهم سموا المنافقين بالمعارضة وغير ذلك من الإسقاطات التي تدل على سوء طوية وخبث وبعد عن المنهج العلمي.([9])

    7- المنهج الانتقائي وإثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ

    عرف عن كثير من المستشرقين في كتاباتهم حول السيرة النبوية الشريفة وحول
    التاريخ الإسلامي أنهم ينتقون بعض الأحداث والقضايا ويكتبون عنها ويهملون
    غيرها كما أنهم يشككون في أمور من المسلمات لدينا في التاريخ الإسلامي فمن
    ذلك أنهم كما قال د. محمد فتحي عثمان "لقد غالوا في كتاباتهم في السيرة
    النبوية وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول
    e ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجوده..."([10])

    8- التحريف والتزييف والادعاء

    قام بعض المستشرقين بتحريف كثير من الحقائق التي تخص الإسلام ورسالته
    وتاريخه فمن ذلك مثلاً أن بعضهم أنكر عالمية الإسلام وبخاصة فيما يتعلق
    برسائل الرسول e إلى الملوك والأمراء خارج جزيرة العرب كرسائله إلى هرقل
    والمقوقس وكسرى ، وإنكار عالمية الرسالة الإسلامية يظهر فيما كتبه جوستاف
    لوبون في كتابه ’تاريخ العرب‘ حيث زعم أن الرسول r رأى أنه كان لليهود
    أنبياء وكذلك للنصارى فأراد أن يكون للعرب كتاب ونبي، وكأن الرسالة والنبوة
    أمر يقرره الإنسان بنفسه.

    أما التزييف فأنقل ما أورده الدكتور الديب عن رواية عن أموال الزبير بن
    العوام رضي الله عنه فقد أورد ديورانت هذا الخبر "وكان للزبير بيوت في عدة
    مدن، وكان يمتلك ألف جواد وعشرة آلاف عبد..." والخبر كما أوردته المصادر
    الإسلامية الموثقة هو كالآتي "كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل
    يوم، فما يُدخل إلى بيته منها درهماً واحداً، يتصدق بذلك جميعه" وفي مناقشة
    الخبر أوضح الديب أن المستشرق أضاف ألف جواد أقحمها في الخبر وليس لها
    أساس ثم إن في الخبر أن الزبير رضي الله عنه يتصدق بكل دخلهم لا يدخل بيته
    منها شيء فلم يورده فهل هذا من الأمانة العلمية ؟([11])

    9- اعتماد مصادر غير موثوقة لدى المسلمين

    من العيوب المنهجية في الدراسات الاستشراقية أنهم يعمدون إلى المصادر غير
    الموثقة عند المسلمين فيجعلونها هي المصدر الأساس لدراساتهم وبحوثهم ومن
    ذلك أنهم يرجعون إلى كتاب مثل كتاب ’الأغاني‘ للأصفهاني فيجعلونه مرجعاً
    أساسياً في دراساتهم للتاريخ الإسلامي وللمجتمع الإسلامي، كما يعمدون إلى
    المراجع التي ضعفها العلماء المسلمون أو طعنوا في أمانة أصحابها فيجعلونها
    أساساً لبحوثهم أو كان أصحاب تلك المراجع منحازين إلى فئة معينة أو
    متعصبين.


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] - عماد الدين خليل. دراسات تاريخية ص159

    [2] -عبد اللطيف طيباوي. المستشرقون الناطقون باللغة الإنجليزية . ترجمة قاسم السامرائي. ص 10-13.

    3-مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، ج1 ، ص 21-57.



    [4] - عبد القهار دواد العاني، الاستشراق والدراسات الإسلامية عمّان:دار الفرقان، 1421هـ ص 121

    [5] -المرجع نفسه ص 122.

    [6] -جواد علي، تاريخ العرب في الإسلام، ص 8

    [7] -عبد العظيم الديب. المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ الإسلامي قطر :كتاب الأمة، عدد 27 ص 71

    [8] - المرجع نفسه ص 99-100

    [9] - عماد الدين خليل، مرجع سابق ص 167

    [10] - محمد فتحي عثمان، أضواء على التاريخ الإسلامي ص 69

    [11]- الديب ، مرجع سابق ص 115-116.

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:16

    أساليب المستشرقين
    حرص المستشرقون على استخدام أفضل الأساليب التي تحقق أهدافهم ويمكننا أن نلخصها فيما يأتي:

    v الدأب والإخلاص والعمل الجاد

    من أبرز ما يلاحظه المرء في دراسة نشاطات المستشرقين أنهم يتميزون بالدأب
    والإصرار والعمل الجاد المخلص، ويتمثل هذا الأمر في مختلف نشاطاتهم
    كالتأليف وعقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والرحلة في طلب العلم.

    v حب الاستطلاع والرغبة القوية في المعرفة

    سعى المستشرقون من خلال ما تمتعوا به من هذه الخصال إلى معرفة ما لدى
    الشعوب الأخرى من مصادر علمية كالمخطوطات والآثار وتعرفوا إلى بلادنا في
    أدق تفاصيل حياتنا.

    v الإنفاق السخي على البحث العلمي من قبل الحكومات الغربية وكذلك المؤسسات
    الخاصة ’الخيرية‘ حيث إن المستشرق لا يعاني من قلة الإمكانات في البحث
    العلمي فهو يجد المراجع وتوفر له الإمكانات للقيام بالرحلات العلمية، كما
    يتم توفير الفرص للباحثين لنشر إنتاجهم ومكافأتهم عليه بعكس ما يحدث في
    العالم العربي والإسلامي من التقتير في مجال البحث العلمي وهو ما ميّز هذه
    الأمة حين كانت الدولة الإسلامية صاحبة السيادة في العالم.

    v التعاون فيما بينهم، يتمثل هذا التعاون في عدة أمور أولها استعانة بعضهم
    ببعض في مجال التدريس وإلقاء المحاضرات فنظام الأساتذة الزائرين من أبرز ما
    توفره الجامعات الغربية لتوفير الخبرات والمعرفة لطلابها وأساتذتها، كما
    أن التعاون يتمثل في المؤتمرات والندوات والمحاضرات العامة، ومن صور
    التعاون بينهم ما يتم في مجال النشر فكم أوروبي نشر في أمريكا وكم أمريكي
    استطاع نشر مؤلفاته في أوروبا، كما يتمثل التعاون في المنح الدراسية
    المتبادلة بينهم، ومن أوجه التعاون كذلك المنح التي تقدمها المؤسسات
    ’الخيرية‘ مثل فورد وكارينجي وروكوفللر، وكونراد إديناور الألمانية وغيرها
    لمختلف الجامعات الغربية أينما كانت.

    v المرونة والتسامح فيما بينهم.

    v المرونة والتسامح مع من يخالفهم الرأي إن وجدوا ذلك في مصلحتهم على المدى القصير أو البعيد.

    v الخداع والكذب، في بعض الأحيان إذا احتاج المستشرق إلى استخدام مثل هذه
    الأساليب لتحقيق أهدافه فهو لا يتورع عن ذلك وبخاصة إذا كان في مقام
    المستشار لبعض المسؤولين العرب والمسلمين ،وكذلك في حالة الإشراف على
    الطلبة العرب والمسلمين في الجامعات الأوروبية والأمريكية.
    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:16




    أثر الاستشراق في العالم الإسلامي

    قدّم الاستشراق خدمات كبيرة للغرب النصراني في خدمة أهدافه التي قام
    من أجلها من أهـداف دينية وسياسية واقتصادية واستعمارية وثقافية. وحتى
    عندما استغنى الغرب عن مصطلح الاستشراق وأنشأ أقسام دراسات الشرق الأوسط أو
    الشرق الأدنى أو مراكز البحوث المختلفة فما زالت الأهداف القديمة موجودة،
    ولكنه في الوقت نفسه أثّر تأثيرات سلبية في العالم الإسلامي في المجالات
    العقدية، والتشريعية، والسياسية، والاقتصادية والثقافية.

    وفيما يأتي أبرز هذه الآثار:

    الآثار العقدية

    من أبرز الآثار العقدية للاستشراق في العالم الإسلامي ظهور تيار من
    المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا
    بفصل الدين عن الحياة أو ما يطلق عليه العلمانية. فالعقيدة الإسلامية تربط
    كل مجالات الحياة بالإيمان بالله عز وجل وبالتصور العام الذي جاء به
    الإسلام للخالق سبحانه وتعالى والكون والإنسان. فلمّا كانت أوروبا قد وجدت
    الديانة النصرانية الـمحرفة تعيق تقدمها ونهضتها ظهر فيها التيار الذي أطلق
    عليه التنوير منادياً بفصل الدين عن الحياة أو قصر الدين على الشعائر
    التعبدية والعلاقة بين الله والإنسان. أما شؤون الحياة الأخرى من سياسة
    واقتصاد واجتماع فلا علاقة للدين به. ونظراً لأن أوروبا لم تعرف النصرانية
    الحقيقية أو الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام بما أحدثه بولس وغيره فيها
    من تحريفات فإن ما ينطبق على أوروبا لا يمكن أن ينطبق على الإسلام.

    ونهضت أوروبا نهضتها بمحاربة الدين والكنيسة، وبلغت الذروة في هذه الحرب في
    الثورة الفرنسية. وقد أثر الاستشراق في هذا المجال عن طريق البعثات
    العلمية التي انطلقت من العالم الإسلامي إلى فرنسا كما يقول الشيخ محمد
    الصبّاغ "إنّ إفساد الطلبة المبعوثين لم يكن ليتحقق في بـلد من البلاد
    الأوروبية كما كان يمكن أن يتحقق في فرنسا التي خرجت من الثورة الفرنسية
    وهي تسبح في بحور من الفوضى الخلقية والفكرية والاجتماعية …من أجل ذلك كانت
    فرنسا محل البعثـات"([1]).
    فانطلقت هذه البعثات من تركيا ومن مصر ومن إيران ومن المغرب. وكانت هذه
    البعثـات تحت إشراف مستشرقين فرنسيين، فمثلاً كانت البعثة المصرية تحت
    إشراف جونار، ويقول أحد المستشرقين عن البعثات الأولى أنها كانت لدراسة
    الهندسة والفنون الحربية، ولكن المعلمين الفرنسيين كانوا حريصين على أن
    ينقلوا إلى الطلاب المسلمين الآداب الفرنسية والثقافة الفرنسية([2]).

    ومن تأثير الاستشراق في المجال العقدي الاهتمام المبالغ فيه بالصوفية
    وبخاصة تلك التي ابتعدت عن الكتاب والسنّة فتجدهم يجعلون لابن عربي مكانة
    خاصة في النشاطات الاستشراقية، ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه
    الاهتمامات، كما أن من اهتمامات الاستشراق التي تدعو إلى الريبة اهتمامهم
    بالفرق المنحرفة كالرافضة والإسماعيلية وغيرها من الفرق، فيعطونها من وقتهم
    ومن دراساتهم ما تجعل الغريب عن الإسلام يظن أن هذا هو الإسلام.

    وقد حرص الاستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في
    العالم الإسلامي، فمن ذلك الكلية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة
    الأمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت واسطنبول ودبي، بالإضافة
    إلى كلية فيكتوريا (مدرسة ثانوية) والكلية الأمريكية في بيروت (مدرسة
    ثانوية) وقد زعم كرومر Cromer في احتفال بمدرسة فيكتوريا بأن الهدف من هذه
    المدرسة وشبيهاتها تنشئة أجيال من أبناء المسلمين يكونون جسراً بين الثقافة
    الغربية ومواطنيهم المسلمين، ولعلهـا عبارة ملطّفة لتكوين جيل ممسوخ لا
    يعرف ثقافته ولا عقيدته.([3])
    وقد وصف الشيخ سعيد الزاهري التلاميذ الجزائريين الذين درسوا في المدارس
    الفرنسية في الجزائر، وأطلق عليها خداعاً المـدارس العربية، بأنهم لا يصلون
    ولا يصومون ولا يتحدثون اللغة العربية فيما بينهم، ولا يؤمنون بأن القرآن
    الكريم وحي من الله …"([4]).

    الآثار الاجتماعية

    تعد الآثار الاجتماعية من أخطر الآثار التي ما زال الاستشراق حريصاً على
    تحقيقها في العالم الإسلامي، فقد اهتم المستشرقون بدراسة المجتمعات
    الإسلامية ومعرفتها معرفة وثيقة حتى يمكنهم أن يؤثروا فيها بنجاح. وإن
    دوافعهم لهذا تنطلق من النظرة الاستعلائية الغربية بأن المجتمعات الغـربية
    وما ساد فيها من فلسفات ونظريات هي المجتمعات الأرقى في العالم. وقد تمكن
    الاستعمار بالتعاون مع الاستشراق في إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة في البلاد
    التي وقعت تحت الاحتلال الغربي. ففي الجزائر مثلاً حطم الاستعمار الملكيات
    الجماعية أو المشاعة للأرض وذلك لتمزيق شمل القبائل التي كانت تعيش في جو
    من الانسجام والوئام.([5])

    وقد تعاون الاستشراق والاستعمار على إحداث النـزاعات بين أبناء البلاد
    الإسلامية بتشجيع النزعات الانفصالية، كما حدث في المغرب العربي أيضاً
    بتقسيم الشعب المغربي إلى عرب وبربر، والتركيز على فرنسة البربر وتعليمهم
    اللغة الفرنسية ونشر الحملات التنصيرية في ديارهم. وقد أنشأت الحكومة
    الفرنسية الأكاديمية البربرية في فرنسا لتشجيع هذه النزعة.

    ومن الجوانب الاجتماعية التي عمل فيها الاستشراق على التأثير في
    المجتمعات الإسلامية البنية الاجتماعية وبناء الأسرة والعلاقة بين الرجل
    والمرأة في المجتمعات الإسلامية. فقد اهتم الاستشراق بتشويه مكانة المرأة
    في الإسلام، ونشر المزاعم عن اضطهاد الإسلام للمرأة وشجع الدعوات إلى
    التحرير المزعوم للمرأة التي ظهرت في كتابات قاسم أمين والطاهر الحداد
    ونوال السعداوي وهدى الشعراوي وغيرهم.

    ويرى الدكتور محمد خليفة أن موقف الاستشراق من المرأة المسلمة نابع من
    وقوعه "تحت تـأثير وضع المرأة الغربية أنها نموذج يجب أن يحتذى به، وان ما
    حققته من مساواة وحقوق، في نظرهم، يجب أن يتسع ليشمل المرأة المسلمة
    والمرأة الشرقية العامة. …ويضيف خليفة بأن الاستشراق يسعى "إلى تقويض وضع
    المرأة المسلمة داخل الأسرة على التمرد على النظام والخروج باسم الحرية
    وتصوير وضع المرأة المسلمة تصويراً مزيفاً لا يعكس الحقيقة".([6])

    وقد أنشئت رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط ضمن تنظيم رابطة
    دراسات الشرق الأوسط الأمريكية وهي التي تهتم بأوضاع المرأة المسلمة وتشجع
    اتجاهات التغريب من خلال مجلتها ربع السنوية واجتماعاتها في إطار المؤتمر
    السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط وذلك بدعوة الباحثات المسلمات اللاتي
    يتبنين الأفكار الغربية من أمثال نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي وحنان
    الشيخ وغيرهن، ومن خلال تنظيم الندوات حول وضع المرأة المسلمة في المجتمعات
    الإسلامية.

    ويقوم الاستشراق الإعلامي بدور بارز في الترويج للفكر الغربي في مجال
    المرأة ومن ذلك الصحافة الغربية والإذاعات الموجهة، فمن الكتب التي قدمت
    هيئة الإذاعة البريطانية عروضاً لها كتـاب (ثمن الشرف) للكاتبة البريطانية
    الأصل جان جودون Jan Goodwin التي تناولت فيه دراسة أوضاع المرأة في خمس
    دول إسـلامية هي الباكستان وأفغانستان والكويت ومصر والمملكة العربية
    السعودية. وقد خلطت الكاتبة فيه بين موقف الإسلام من المرأة وبعض التطبيقات
    الخاطئة في هذه الدول، ومن المعروف أن الإسلام حَكَمٌ على أهله وليس سلوك
    المسلمين حجة على الإسلام.

    وقد قدمت إذاعة لندن في شهر جمادى الأولى تقريراً عن ندوة تعقد في
    إحدى الدول العـربية حول موضوع المرأة وقدمت تصريحاً لمسؤول في تلك الدولة
    يزعم فيه أن بلاده وتركيا همـا الدولتان الوحيدتان اللتان أصدرتا قوانين
    تحرّم تعدد الزوجات وتعطي المرأة كثيراً من الحقـوق لمساواتها بالرجل، وإن
    التوازن في عرض وجهات النظر يقتضي أن تقدم الإذاعة من يتناول وجهة النظر
    الأخرى لمثل هذه التصريحات. وكانت الإذاعة قد قدمت تقريراً عن مؤتمر عقد في
    قطر للمرأة المسلمة وعرضت أخبار هذه الندوة بكثير من السخرية ومن ذلك
    وصفها لانتقال النساء في حافلات ذات ستائر غامقة اللون حتى لا يراهن أحد،
    بالإضافة إلى عبارات أخرى مليئة بالاستهزاء من موقف الإسلام من المرأة.

    الآثار السياسية والاقتصادية

    يزعم الغربيون أن الديموقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى
    الآن، ولذلك فهـم يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع، ومن بين الدول
    التي يريدون لنظامهم أن يسودها البلاد الإسلامية، وقد سعوا إلى هذا من
    خلال عدة سبل وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي الإسـلامي. وقد ظهرت كتب
    كثيرة عن نظام الخلافة الإسلامي وافتروا على الخلفاء الراشدين بزعمهم أن
    وصول الصديق وعمر بن الخطاب t إلى الخلافة كان نتيجة لمؤامرة بين الاثنين([7]). وكـتب مستشرقون آخرون زاعمين أن النظام السياسي الإسلامي نظام قائم على الاستبداد وفرض الخضوع والمذلة على الشعوب الإسلامية([8]). بل بالغ لويس في جعل النظام السياسي الإسلامي يشبه النظام الشيوعي في استبداده وطغيانه([9]).

    وقد تأثرت بعض الدول العربية التي خضعت للاستعمار الغربي بالفكر السياسي
    الغربي بأن قامت باستيراد النظام البرلماني دون أن يتم إعداد الشعوب
    العربية لمثل هذه الأنظمة فكانت كما قال أحد المستشرقين بأن العرب
    استوردوا برلمانات معلبّة دون ورقة التعليمات([10]).
    وما زالت هـذه البرلمانات في البلاد العربية يتحكم فيها الحزب الحاكم الذي
    لا بد أن يفوز بأغلبية المقاعد بأية طريقة كانت. ومع ذلك فما زال الغرب
    حريص على نشر الديموقراطية وقد كانت تصريحات الساسة الغربيين بأن (حرب
    الخليج الثانية) ستكون مناسبة لفرض الديموقراطية في العالم العربي وستكون
    البداية في الكويت([11]).

    ومن الحقائق المثيرة للانتباه أن تركيا كانت من أقدم الدول الإسلامية
    تغرباً وتطبيقاً للنظام الديموقراطي ولكن عندما وصل الإسلاميون للحكم
    وانقلب السحر على الساحر -كما يقال- قلبت الدول الغربية لنظامهم
    الديموقراطي ظهر المجن وسعوا إلى تأييد العسكر في كبت الحريات ومصادرة
    الديموقراطية.

    أما في المجال الاقتصادي فإن الغرب سعى إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي
    الاشتراكي والرأسمـالي وذلك بمحاربة النظام الاقتصادي الإسلامي وكما يقول
    محمد خليفة "إنّ المستشرقين في سعيهم للترويج للفكر الاقتصادي الغربي قاموا
    ب ’إعادة تفسير التاريخ الاقتصادي الإسلامي من وجهة نظر الرأسمالية
    والشيوعية’ كنوع من التأصيل للنظريتين وتقديمهما على أنهما لا يمثلان
    خروجاً عن النظام الاقتصادي الإسلامي".([12])

    وكان من نتائج الترويج للاشتراكية والرأسمالية في العالم الإسلامي أن انقسم
    العالم الإسلامي على نفسه فأصبح قسم منه يدور في الفلك الشيوعي والقسم
    الآخر في الفلك الرأسمالي، ولعل من طرائف المواقف الاستشراقية أن تسعى
    الدول الغربية إلى بث النظام الاشتراكي في بعض الدول العربية كما أشار أحد
    الباحثين بتدريس الاقتصاد الاشتراكي والترويج بأن التنمية الحقيقية في
    العالم العربي تتطلب تأميم وسائل الإنتاج، وأن الحرية الاقتصادية الغربية
    لا تناسب مراحل التنمية الأولى([13]).

    وكان من تأثير الاستشراق أيضاً تشجيع الصناعة في البلاد الإسلامية دون
    الاستعداد الكافي لها، وإهمال قطاع الزراعة فقد اقتنع العالم العربي بأن
    النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة، ولذلك أهملت الزراعة إهمالاً شبه
    كلي، مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت بالاهتمام بالزراعة وما زال الغرب
    يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في العالم.

    الآثار الثقافية والفكرية

    حقق الاستشراق نجاحاً كبيراً في التأثير في الحياة الثقافية والفكرية في
    العالم الإسلامي فبعد أن كـان القرآن الكريم والسنّة المطهرة وتراث علماء
    الأمة الذين فهموا هذين المصدرين فهماً جيـداً وعاش المسلمون على هدي من
    هذه المصادر في جميع مجالات الحياة أصبحت المصادر الغربية تدخل في
    التكـوين الفكري والثقافي لهذه الأمة سواء أكان في نظرتها لكتاب ربها
    سبحانه وتعالى ولسنة نبيها أو للفقه أو للعلوم الشرعية الأخرى.أو في منهجية
    فهم هذه المصادر ومنهجية التعامل معها كما أثر الفكر الغربي في المجالات
    الفكرية الأخرى كالتاريخ أو علم الاجتماع أو علم النفس أو علم الإنسان أو
    غيره من العلوم.

    وقد استطاع الاستشراق تحقيق هذا النجاح بما توفر له من السيطرة على منابر
    الرأي في العـالم الإسلامي فقد أنشأ الغرب العديد من المدارس كما أن العديد
    من أبناء الأمة الإسلامية تلقوا تعليمهم على أيدي المستشرقين في الجامعات
    الغربية (الأوروبية والأمريكية). ولمّا كانت بعض البلاد العربية والإسلامية
    خاضعة للاحتلال الأجنبي فقد مكّن لهؤلاء الذين تعلموا في مـدارسه. فما
    زالت الصلة قوية فيما بين الطلبة الذين تخرجوا في كلية فيكتوريا بعد أن
    تسلم كثير منهم مناصب حساّسة في بلادهم.

    ومن المنابر التي استطاع الغرب أن ينشر من خلالها الثقافة والفكر الغربيين
    وسائل الإعلام المختلفة من صحـافة وإذاعة وتلفاز ونشر بأشكاله المتعددة.
    فقد أنشئت الصحف والمجلات التي تولى رئـاسة تحريرها أو عملية الكتابة فيها
    كثير من الذين تشبعوا بالثقافة الغربية. وقد بذلوا جهوداً كبيرة للرفع من
    شأن تلاميذهم فهذا يطلق عليه ’عميد الأدب العربي‘ وآخر يطلق عليه ’أستاذ
    الجيل‘ وثالث يطلق عليه ’الزعيم الوطني‘([14])
    ومن هذه الصحف الأهرام ومجلات المقتطف وغيرهما من الصحف والمجلات. كما
    أنشؤوا المسارح والسينما، وأدخلوا إلى حياة الشعوب العربية الإسلامية فنون
    اللهو غير المباح من مراقص وغناء وغير ذلك.

    وكان للاستشراق دوره في مجال الأدب شعراً ونثراً وقصة، فقد استغلت هذه
    الوسائل في نشر الفكر الغربي العلماني وبخاصة عن طريق ما سمي ’الحداثة‘
    التي تدعو إلى تحطيم السائد والموروث، وتفجير اللغة وتجاوز المقدس ونقد
    النصوص المقدسة. وقد استولى هؤلاء على العديد من المنابر العامة ولم يتيحوا
    لأحد سواهم أن يقدم وجهة نظر تخالفهم و إلاّ نعتوه بالتخلف والرجعية
    والتقليدية وغير ذلك من النعوت الجاهزة.

    وقد انتشرت في البلاد العربية الإسلامية المذاهب الفكرية الغربية في جميع
    مجالات الحياة في السياسة والاقتصاد، وفي الأدب وفي الاجتماع، ففي السياسة
    ظهر من ينادي بالديموقراطية ويحارب الإسلام وفي الاقتصاد ظهر من تبنى الفكر
    الشيوعي والاشتراكي وفي الأدب ظهر من نادى بالنظريات الغربية في دراسة
    اللغة وفي الأدب وفي النقد الأدبي؟ وأخذ كثيرون بالنظريات الغربية في علم
    الاجتماع وفي التاريخ وفي علم النفس وفي علم الإنسان وغير ذلك من العلوم.[15]


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] -محمد الصباغ . الابتعاث ومخاطره. ( دمشق: المكتب الإسلامي ،1398هـ-1978م، ص 29-30.

    [2] -Bernard Lewis. “ The Middle East Versus The West.” In Encounter. Vol. Xxi, no.4 October 1963.pp. 21-29.

    [3] - محمد محمد حسين . الإسلام والحضارة الغربية. ط5.(بيروت: مؤسسة الرسالة 1402-1982)ص 46.

    [4] -محمد السعيد الزاهري. الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير. (الجزائر:دار الكتب الجزائرية، بدون تاريخ)ص108

    [5] -مازن مطبقاني . " الحياة الاجتماعية في المغرب العربي بين الاستعمار
    والاستشراق." في المنهل( جدة) عدد471، م 50 رمضان /شوال 1409، ص 352-362.

    [6] -محمد خليفة حسن. آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية .
    (القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 1997) ص 64.

    [7] -Thomas Arnold. The Caliphate. (Lahore: 1966)p.25

    [8] -Bernard Lewis.” On The Quietist and Activist Tradition in Islamic
    Political Writing. In Bulletin of S. O. A. S Vol. XLIX Part 1,
    1986.p.141.

    [9] - B. Lewis.” Communism and Islam. “ in International Affairs. Vol. 30, 1954.pp 1-12.

    [10] -برنارد لويس . الغرب والشرق الأوسط. ترجمة نبيل صبحي.(القاهرة : المختار) ص79.

    [11] - Washington Times, February 2,1991.And Washington Post. February 19,1991.

    [12] -حسن ،مرجع سابق ص 79.

    [13] - محمد قطب. واقعنا المعاصر. (جدة:مؤسسة المدينة المنورة للنشر والتوزيع، 1407هـ/1987م ) ص.324وما بعدها.

    [14] - ناقش الأستاذ محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر مسألة صناعة الزعيم
    حيث يتحول الكفاح ضد المستعمر الأجنبي قضية وطنية وتراب وتحرر وليس جهاداً
    إسلامياً كما أراده الله .وقد نجحوا في صناعة الزعيم في العديد من البلاد
    العربية الإسلامية. كم أسهموا فيما أطلق عليه سرقة الثورات .

    [15] -حسن ،مرجع سابق ، الفصل الخامس بعنوان ( الآثار السلبية للفكر الاستشراقي في المجال الثقافي والفكري)ص 87إلى 100.

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:17


    المقدمة

    الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

    أصدر الدكتور ساسي سالم الحاج عام 1990م كتاباً من مجلدين وأربعة أجزاء كتاباً بعنوان (الظاهرة الاستشراقية)([2])
    وقد ضمنه الحديث عن الاستشراق في مختلف مجالات العلوم الإسلامية. وقد ناقش
    الحاج مسألة هل الاستشراق ظاهرة أو عـلم وأكد بأنه من الصعب أن نعد
    الاستشراق علماً ذلك أن كل علم له أصوله وقواعده ومناهجه بينما نجد أن
    الاستشراق اهتم بالعلوم الإسلامية المختلفة ابتداءً بالعلوم القرآنية من
    تفسير وتجويد وقراءات، وعلوم الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم اللغة العربية،
    والعلوم الاجتماعية التي تتعلق بالعالم الإسلامي وبالمسلمين. ومع ذلك فإنه
    من الممكن أن يستخدم المستشرق المنهج العلمي في طرحه القضايا التي تتعلق
    بالعلوم الإسلامية وفقاً للعلم الذي يبحثه.([3]) ومع ذلك فمن الممكن أن نقول بأن الظاهرة مسألة لها بداية ونهاية فهل ظاهرة الاستشراق هذه طالت كثيراً جداً.

    وإن كنت شخصياً لا أميل إلى التوسع في الجدال حول هل الاستشراق
    ظاهرة أو علم ذلك أن الـذي يهمنا نحن المسلمين أن نعرف ونوقن تماماً أن
    الغرب يدرسنا في جميع المجالات حتى توصل إلى معرفة التفاصيل وتفاصيل
    التفاصيل أو كما قال الدكتور أبو بكر باقادر الجزئيات، وجزئيات الجزئيات.([4]) لذلك علينا أن نعمل ونعمل على أن نعرف أنفسنا أولاً ونمثل أنفسنا أمام نفسنا أولاً ثم ننتقل إلى تمثيل أنفسنا أمام الآخرين.([5])
    وإن كان هذا الترتيب الذي رآه الدكتور العمري ليس ضرورياً فيمكننا أن نقوم
    بأكثر من عملية في وقت واحد؛ فيمكن لبعضنا ممن عرف اللغات الأوروبية أن
    يقوم بعملية عرض الإسلام القضايا الإسلامية أمام الآخرين سواءً كانوا في
    الشرق أو في الغرب شريطة أن يتميز عرضه بالفهم الجيد للإسلام أن يكون
    مقتنعاً بقضيته لا أن يكون من العلمانيين أو المتغربين مثل أولئك الذين
    تستضيفهم بعض الجامعات الأمريكية أو الأوروبية لتدريس الإسلام، فكيف
    لماركسي أو علماني أو متغرب أن يعرض الإسلام رضاً منصفاً. فنحن مأمورون أن
    نبلغ هذا الدين للعالم أجمع عملاً بقوله تعالى )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله
    على بصيرة أنا ومن ابتعن(([6])
    وقوله صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى
    من لم يسمعها فربّ مبلغ أوعى من سامع) وقوله تعالى )ادع إلى سبيل ربّك
    بالحكمة والموعظة الحسنة) ([7])وقوله
    تعالى)قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد
    إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن
    تولوا فقولوا اشهدوا باناّ مسلمون(([8])

    وأضيف هنا أننا يجب أن ننتقل من مجرد دارسين لما قاله الغرب عنّا
    إلى أن نعرف هذا الغرب وما دوافعه وما أهدافه وأن نعرف المبادئ والفلسفات
    التي تحكم حياة الغرب، كما علينا أيضاً أن نواصل دراسة الغرب لنعرفه تماماً
    كما يعرفنا. ولكن على الذين يتصدون لدراسة الغرب أن يتسلحوا أولا بمعرفة
    الإسلام حتى يكون في أيديهم الميزان والمعيار الذي يحكمون به على هذه
    المعرفة. فقد يتولى هذه الدراسات من لا يملك الرؤية الإسلامية فبدلاً من أن
    ندرس الغرب دراسة نفيد منها ونفيد الغرب نتحول إلى مرددين لما يقوله الغرب
    عن نفسه بل يصيب بعضنا الانبهار بالغرب فيمدح ما لا يستحق المدح ويذم ما
    يستحق المدح.

    ومما يؤكد هذا أن البعثات السعودية إلى أمريكا في أواخر الستينيات من القرن
    الماضي عانت أمرين أولهما الصدمة الحضارية والاجتماعية والفكرية، وثانيهما
    لم تجد المرشد والدليل ليقودها إلى الحقيقة فيما رأت وعاشت. ولا بأس أن
    أذكر مثالاً شخصياً فقد قرأت رواية (زوربا اليوناني) للروائي اليوناني
    المشهور كازانتزاكي في أثناء دراستي الجامعية في أمريكا وكنت لم أتجاوز
    العشرين بكثير فأعجبت بشخصية زوربا الرجل العجوز الذي لا يأبه بسنِّه،
    ويستمتع بملذات الحياة حلالها وحرامها بينما كان الراوي شاباً في
    الثلاثينيات من عمره يلتزم بالأخلاق وبالقيم. فكان في نظر كاتب الرواية
    -وهو الانطباع الذي يتأثر به القارئ وبخاصة إذا لم يكن لديه معرفة
    بالإسلام- جامداً بليداً.

    وفي الوقت الذي ظهرت فيه ترجمة كتاب زوربا اليوناني ظهرت كتابات
    الروائي والشاعر الألماني اليهودي الأصل هرمن هسه Herman Hesse وكانت من
    أكثر القراءات شيوعاً لدى الشباب في الجامعات الأمريكية. ولا بد أن
    انتشارها كان متوافقاً مع ظهور موجة الهبييز والتمرد على قيم المجتمع
    والفضيلة أو ما سمّيَ ب (الثورة الجنسية). حيث كانت هذه الروايات تروج
    للانحلال والتمرد على القيم والأخلاق واغتنام الفرصة(!) لاقتناص لذائذ
    الحياة .

    ولما شاء الله أن أعود إلى المملكة وأقوم بدراسة الإسلام من جديد
    عرفت أن زوربا اليوناني رجل فاجر لا يأبه بالأخلاق الفاضلة، وكل ما يهمه في
    الحياة عبادة هواه. وهو الذي قال الله فيه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
    وأضله الله على علم}([9])وكذلك كان الحال مع هرمن هسه وغيره من الكتاب.



    ونبدأ الحديث عن الظاهرة الاستشراقية بتحديد مظاهرها وميزاتها:

    أولاً : أنها أطول ظاهرة فكرية.

    فقد بدأت هذه الظاهرة لدى اليونان فهم أول من اهتم بدراسة الشعوب
    الشرقية حيث وجهوا علماءهم لدراسة البلاد المجاورة فقد كانت البعثات
    اليونانية تأتي إلى البلاد الشرقية (مصر والعراق والشام وغيرها) ذات
    الحضارة العريقة للتعلم منها لبناء الحضارة اليونانية. وقد اقتبس اليونان
    من حضارة الشرقيين وبخاصة في النواحي العملية وفي الأخلاق والسلوك.

    ومنذ انطلاقة اليونان هذه والغرب ظل منطلقاً، ولكن الذي اختلف هو
    الهدف. فقد بدأ اليونان بهدف علمي معرفي سرعان ما تغير إلى هدف استعماري
    ثقافي حيث الحملات التي شنها اسكندر المقدوني في مطلع القرن الرابع قبل
    الميلاد على بلاد الشرق الأدنى(التسمية غربية) القديم (العراق والشام وحوض
    البحر المتوسط) حتى وصل إلى أطراف الهند. وأما السبب أن تأخرت الحملات
    الاستعمارية هو أن اليونان كان في الفترة الماضية في مرحلة بناء حضارته
    ولذلك كان حريصاً على التعرف على حضارات الأمم الأخرى فلما استوعبها وبنى
    حضارته التي ازدهرت في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد بظهور علمائه
    وفلاسفته المشهورين، بدأ في حملاته الاستعمارية. وقد كان الشرق عموماً
    وثنياً عدا التوحيد الذي ظهر في بني إسرائيل في فلسطين.

    ويرى الدكتور خليفة - وفقاً للمذكرة- أن دول الشرق رحّبت بهذا
    الغزو الثقافي فانتشرت المراكز الثقافية في الشام ومصر وشمال أفريقيا وجزر
    البحر المتوسط. ولا بد أن أضيف أن النزعة الاستعمارية والاستعلائية وفرض
    اللغة اليونانية والثقافة اليونانية كان هو السائد حتى عرف بما يسمى ب
    (الأغرقة) أي طبع البلاد المحتلة بالطابع اليوناني. وقد أخذ الفرنسيون
    هذا المسلك عندما احتلوا البلاد العربية الإسلامية وأطلقوا على ذلك
    الفرنسة. حتى أصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة القومية في عدد من مستعمراتها
    السابقات رغم أن الغالبية في هذه الدول لا تعرف الفرنسية. ولكن إصرار فرنسا
    على ذلك إنما هو من أجل الهيمنة وفرض النظم والقيم والثقافة الفرنسية لا
    سيما أن النخب الحاكمة هي التي تتكلم اللغة الفرنسية.([10])

    وكان من مظاهر الاحتلال اليوناني تأسيس مدن يونانية جديدة منها
    "مدينة الإسكندرية" التي أصبحت أكبر مركز ثقافي يوناني في التاريخ القديم.
    وقد نجحت الثقافة اليونانية في الانتشار في الشرق للأسباب الآتية:

    1- ضعف الثقافة الوثنية السائدة شرقا، وعدم قدرتها على موجهة الثقافة
    اليونانية. (ولكن هل كانت الثقافة اليونانية إلاّ ثقافة وثنية أيضاً؟)

    2- عقلانية الثقافة اليونانية في مقابل أسطورة الثقافة الشرقية آنذاك ومصدر
    هذه العقلانية الفلسفة المعتمدة على العقل والتي جعلت الفكر اليوناني
    فكراً عقلياً تحليلياً نقدياً سقطت أمامه الثقافة الوثنية بقاعدتها
    الخرافية.

    3- حيازة اليونان للعلوم الحديثة التي لم يعرفها الشرق إلاّ في شكل عملي
    بسيط مرتبط بالدين، لأن المعرفة الشرقية طورت أصلاً لخدمة الوثنية.

    إذن يعود الاستشراق بنوعيه العلمي والسياسي والفكري إلى اليونان
    باعتباره بلداً غربياً اتجه إلى الشرق للحصول على المعرفة، وبعد أن وضع
    القاعدة العلمية اليونانية -على العلوم الشرقية- انطلق إلى الشرق غازياً
    عسكرياً وفكرياً في أيام الإسكندر الذي جمع بين الهدف الاستعماري والهدف
    الثقافي الفكري، وفرض الثقافة اليونانية على الشرق القديم.

    ويستمر هذا الغزو الثقافي اليوناني بعد انحسار اليونان كقوة
    عسكرية، وزوال هذه القوة على يد الإمبراطورية الرومانية. فقد تأثرت
    اليهودية والنصرانية بالفكر اليوناني-كانت اليهودية واليونانية ديانتين
    شرقيتين- وانقسم اليهود أولاً إلى فريق مرحب بالثقافة اليونانية وفضلها على
    اليهودية ذاتها، وفريق رافض للثقافة اليونانية واعتبرها مهددة للديانة
    اليهودية. وفريق ثالث رأى في الفكر اليوناني منهجاً عقلياً يمكن الإفادة
    منه في فهم اليهودية وتفسيرها.

    وقد تأثرت اليهودية بالفلسفة اليونانية التي استخدمت لتفسير الوحي
    التوراتي، ودخلت في اليهودية عناصر من الفكر اليوناني أدت إلى دخول
    اليهودية في مرحلة من تاريخها تسمّى (اليهودية اليونانية)، ومن أشهر علماء
    اليهود في هذا الاتجاه هو الفيلسوف اليهودي "فيلوت" من القرن الأول
    الميلادي الذي أخضع اليهودية وكتابها للعقل اليوناني وسمح بالتأثيرات
    اليونانية على الفكر اليهودي.

    أما النصرانية فهي أيضاً ديانة شرقية خضعت للفكر اليوناني ووجدت في
    الفلسفة أسلوباً للتفسير، وأدخلت على الألوهية -في النصرانية- أفكاراً
    فلسفية أدت إلى اختلاط الفكر الديني بالفكر الفلسفي مما أدى إلى تعقيد
    الديانة وزيادة غموضها، وعدم صلاحيتها للإنسان ذو الثقافة المتوسطة فضلاً
    عن اختلاف ذوي الثقافة العالية بسبب اختلاط مذاهبهم الفلسفية في تفسير
    النصرانية.

    وقد ازدادت النصرانية تعقيداً بأخذها عن الفلسفة من جهة وعن
    اليهودية من جهة أخرى وعن التصوف من جهة ثالثة. وأيضاً لمحاولتها التكيف مع
    وثنية العالم القديم. فأصبحت ديانة مركبة من عناصر يهودية يونانية وثنية
    صوفية (قبل الإسلام)

    وبعد الإسلام اهتم العالم النصراني -الذي فتحه الإسلام- بدراسة
    الإسلام كظاهرة دينية سياسية لأن الإسلام ظهر كدين قوي مهدد لبقائهم، كما
    ظهر كقوة سياسية عسكرية فبدأوا في دراستهم سواء من داخل العالم الإسلامي أو
    من خارجه.

    ثانياً: تنوع الاستشراق:

    المقصود بالتنوع أن الاستشراق بصفته ظاهرة فكرية لا يقوم على
    أساس من التوجه الفكري الواحد، ولكن تتنوع التوجهات الفكرية للاستشراق،
    ويمكن تصنيف هذه التوجهات كما يأتي:

    1- التوجه الديني، فالاستشراق ظاهرة فكرية دينية طورها المستشرقون اليهود
    والنصارى للتعبير عن وجهة نظر دينية يهودية أو نصرانية تجاه الإسلام.

    فالمدرسة اليهودية والنصرانية في الاستشراق مدرسة دينية هدفها الدفاع
    عن اليهودية والنصرانية ضد الإسلام، والرد على النقد الإسلامي لهما، وهذا
    هدف ديني دفاعي بمعنى أن الذي يوجه المستشرق هنا هو الدين يهودياً كان أم
    نصرانياً.

    ثم انتقلت المدرسة اليهودية والنصرانية فيما بعد من الدفاع عن
    ديانتهما إلى الهجوم على الإسلام ونقده من منطلق ديني خالص. وتعتبر هاتان
    المدرستان من أهم مدارس الاستشراق وتمثلان الاستشراق الديني فيما يتعلق
    بالنظر إلى الإسلام.

    وهناك اهتمامات استشراقية بالديانات الأخرى-غير الإسلام-
    فالاستشراق مهتم بدراسة أديان الشرق عامة، ولكن يلاحظ أن الدراسات
    الاستشراقية التي تتناول الديانات الأخرى كالهندوسية والبوذية وغيرهما تخلو
    تقريباً من مسألة الهجوم والتحدي والصراع الذي يدفع المستشرق في دراسته
    للإسلام. بل نجد أحياناً بعض التعاطف مع ديانات الشرق الأقصى لغرابتها من
    ناحية ولعدم وجود صراع مباشر بينها وبين اليهودية والنصرانية ولغياب البعد
    الخاص بالتحدي، ولعدم وجود خطورة من هذه الديانات على اليهودية والنصرانية
    مقارنة بخطورة الإسلام عليهما.([11])

    2- التوجه المذهبي أو الفكري: فبالإضافة إلى الاستشراق الديني الممثل في
    استشراق اليهود والنصارى يوجد استشراق مذهبي فكري ينطلق من مذهب معين أو
    أيديولوجية معينة ويدخل تحت هذا التصنيف المدرسة الشيوعية في الاستشراق،
    ولها نقطة انطلاق مختلفة -تماماً- عن المدرستين السابقتين.

    فالأيديولوجية الشيوعية تمثل مذهباً رافضاً للدين ومعادياً له، ولا
    تعترف بالأديان سماوية كانت أم أرضية. ولا يوجد ما يسمى ب"الدين" فمن أبرز
    شعارات الشيوعية "لا إله والحياة مادة. وهذه نقطة انطلاق مغايرة عن نقطة
    انطلاق اليهودية أو النصرانية المعترفة بالدين- وإن صرحت بالعداء لبعض
    الأديان مثل الإسلام، ولكن ليس من منطلق رفض الدين أصلاً، ولكن من منطلق
    الخطورة التي يمثلها الإسلام عندهم والوازع التنصيري الذي يرغب في تنصير
    المسلمين.

    وتقوم رؤية المدرسة الشيوعية في الاستشراق على أساس مادي بحت يعتبر
    العوامل الاقتصادية المحرك الأساس في حياة الإنسان، ولا يعترف بأية عوامل
    أخرى. وتتهم الشيوعية الأديان بأنها مستغلة للشعوب ومؤدية إلى سيادة
    المذاهب الاقتصادية المدمرة للحياة البشرية مثل الرأسمالية، والاعتراف
    بنظام الملكية الخاصة. وهو من وجهة نظرها نوع من الإقطاع الذي ينتج عنه
    تركيز الثروة في طبقة بعينها وحرمان بقية الطبقات.

    وقد فسرت الأديان من هذا المنطلق وعملت الشيوعية على فرض رؤيتها
    المادية الاقتصادية على شعوبها أولاً والشعوب الخاضعة لها ثانياً وكانت
    ترغب في تحويل العالم كله إلى الشيوعية. وانعكست هذه الأيديولوجية على
    مدرسة الاستشراق الشيوعي، وأصبحت هي الوسيلة الدعائية لتوصيل الأفكار
    الشيوعية إلى الشعوب الأخرى. وتخصص عدد كبير من مستشرقي هذه المدرسة في
    الإسلام والشعوب الإسلامية كمجتمعات. وخرجت هذه المدرسة بتصور شيوعي
    للإسلام يري في الإسلام قوة مادية ظهرت لأسباب اقتصادي تخص مجتمع شبه
    الجزيرة وفسرت الفتوحات تفسيراً مادياً اقتصادياً بحتاً.

    وصوٍّر الإسلام في صورة تتفق مع الاشتراكية وسمي بمسميات تعبر عن
    هذا الاتفاق مثل "الإسلام الاشتراكي" و"الإسلام الثوري" و"الإسلام اليساري"
    أو "اليسار الإسلامي" إلخ من المصطلحات الشائعة في المدرسة.

    والعجيب أن سقوط الشيوعية فضح فشل الأيديولوجية الشيوعية في جميع
    أنحاء العالم ماعدا شراذم في العالم العربي الإسلامي ما تزال متمسكة بهذا
    الفكر. وإن كان هؤلاء الشيوعيون السابقون أسرعوا في الانضمام إلى صفوف
    العلمانيين في تحذير الدول من انتشار الصحوة الإسلامية واتخذوها عدواً بعد
    أن كان عداؤهم موجهاً في السابق إلى الرأسمالية والإمبريالية والاستعمار
    وكانوا يربطون الإسلام مع الاستعمار. ومع ذلك فإن بعض هؤلاء ما زالوا
    يتمسكون بمصطلحات الشيوعية رغم سقوطها. ومن هؤلاء على سبيل المثال الدكتور
    عبد العظيم رمضان (من مصر) الذي يزعم أنه تقدمي. ومن تونس وجدت رفعت
    المحجوبي من أولئك الشيوعيين المتمسكين بأذيال الشيوعية رغم سقوطها. ومن
    الطريف أن الجامعات الغربية بدأت تخطب ود هؤلاء الشيوعيين السابقين وتفتح
    لهم الأبواب للمحاضرة وحضور الندوات والمؤتمرات في الغرب.

    ومن المدارس الاستشراقية الأخرى القائمة على أساس فكري: المدرسة
    العلمانية في الاستشراق وهي مدرسة تخلط بين الاتجاه الإلحادي العلماني غير
    الديني في دراسة الأديان عامة والإسلام خاصة. والأساس في هذه المدرسة في
    شطرها الإلحادي إنكار الدين المبني أساساً على إنكار الألوهية، وهي قريبة
    من توجه المدرسة الشيوعية، إذ تشتبهان في رفض الدين وإنكار الألوهية
    ويختلفان في استقلال الإلحاد العلماني عن الفكرة الشيوعية.

    أما المدرسة العلمانية فترى ضرورة الفصل بين الدين والدنيا، وبناء
    الحياة الإنسانية على أساس دنيوي خالص غير مرتبط بالدين، ولذلك طالبوا بفصل
    الدين عن الدولة ونجحوا في الغرب حيث انتهى الصراع بين البابوية
    والإمبراطورية إلى فصل السلطتين الديني والزمني عن بعضهما وسارت الحياة
    الأوروبية منذ عصر النهضة على أساس من هذا الفصل.

    والمقصود بالمدرسة العلمانية في الاستشراق هذا الفريق من المستشرقين
    الذي رفض اليهودية والنصرانية وآمن بالفصل بين الدين والدولة واعتبر العقل
    ومنجزاته هي الأساس من المنطلق نفسه خاصة وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي
    تمكن من ربط الدنيا بالدين ربطاً عضوياً ورفض الفصل بينهما وطور نظماً
    للحكم والسياسية والاجتماع والاقتصاد تعكس هذا الربط العضوي بين الدين
    والدنيا.

    3- توجه عربي إسلامي متأثر بالاستشراق: بالإضافة إلى التوجه الديني الذي
    يمثله الاستشراق اليهودي والنصراني، والتوجه المذهبي المتمثل في المدرسة
    الشيوعية والتوجه الفكري المتمثل في المدرسة العلمانية، تطور التوجه
    الاستشراقي وتبناه عدد من العلماء المسلمين الذين تأثروا بالاستشراق وطبقوا
    مناهجه على دراساتهم للإسلام والمجتمع الإسلامي. وهو - في الحقيقة- توجه
    متنوع داخلياً فأتباعه ينتمون إلى عدة اتجاهات؛ فمنهم مسلمون منبهرون
    بالاستشراق وحضارة الغرب عامة ويعتبرون منهج الاستشراق هو المنهج المناسب
    في دراسة الإسلام ومجتمعاته وانبهارهم موزع بين الأخذ بمناهج المستشرقين
    دون توجهاتهم أو الأخذ بالمناهج والتوجهات معاً.

    ومن بين الذين تأثروا بالاستشراق مجموعة علماء انتموا إما إلى
    المدرسة الشيوعية- محمود أمين عالم، ورفعت السعيد، وعبد العظيم رمضان في
    مصر ومحمود إسماعيل (مصر) ورفعت المحجوبي، وعبد القادر الزغل(تونس) - حينما
    انتشرت الشيوعية في بعض البلاد العربية الإسلامية، وبدأوا يطبقون المناهج
    الشيوعية والعلمانية في دراسة الإسلام ومجتمعاته.

    وهناك فئة أخرى عربية وليست إسلامية -وفئة غير عربية عاشت في
    البلاد العربية وامتزجت بها أو أقليات في بلاد غير عربية مثل إيران. هؤلاء
    يكونون عدداً من العلماء المنتمين إلى العالم الإسلامي ولكنهم ليسوا مسلمين
    (يهود ونصارى)

    وهؤلاء توجههم غربي-رغم حياتهم في المجتمع الإسلامي- وهم يعادون
    الإسلام، ولذلك يحتلون مكاناً وسطاً بين المستشرقين في الغرب والمسلمين
    المتأثرين بالاستشراق. ويمكن أن نضم إليهم هؤلاء اليهود والنصارى من
    العلماء الذين هاجروا إلى أوروبا وأمريكا واشتغلوا بالدارسات الإسلامية في
    جامعاتها ومؤسساتها التعليمية. ومن الأمثلة على هؤلاء فيليب حتّي وفؤاد
    عجمي، وصادق جلال العظم، وعبد القادر الزغل، ومحمد سعيد العشماوي، ونوال
    السعداوي، ونصر حامد أبو زيد، وسلمان رشدي، وعزيز العظمة، وبسام الطيبي
    وغيرهم كثير.

    وأضيف أن هذا التوجه وتطبيقاته هي الأخطر في العالم العربي الإسلامي
    في العصر الحاضر، ذلك أن الاستعمار حينما رحل عن البلاد العربية الإسلامية
    حرص على أن يترك الأمور في أيدي هؤلاء من أتباعه. كما أنه حاول بعد رحيله
    أن يكون لهم تأثير في السيطرة السياسية والفكرية والثقافية في العالم
    العربي الإسلامي. ومن مظاهر قوة نفوذهم في العالم الإسلامي أنهم يهيمنون
    على كثير من منابر الإعلام والتوجيه والرأي. كما أنهم يعقدون الندوات
    والمؤتمرات الخاصة بهم التي من الصعب أن يقتحمها أحد غيرهم. ومن الأمثلة
    على هؤلاء مؤسسة التميمي بتونس([12]) ومؤسسة الأهرام بمصر، ومؤسسة ابن خلدون الإنمائية التي أسسها سعد الدين إبراهيم الأستاذ بالجامعة الأمريكية في القاهرة.([13])
    وهذه المؤسسات تتلقى دعماً سخياً من المؤسسات الغربية مثل مؤسسة فورد
    (الأمريكية) ومؤسسة اديناور كونراد (الألمانية) وغيرها من المؤسسات.

    ومن مظاهر سطوة هذا التوجه الاستشراقي أن معظم الدول العربية
    الإسلامية جعلت الشريعة الإسلامية أحد المصادر الرئيسة في تشريعاتها وليس
    المصدر الرئيس. وقد صرحت عدة دول إسلامية بأنها علمانية ومن هذه الدول
    تركيا وإندونيسيا وتونس. والعجيب أنها علمانية تختلف عن علمانية الغرب؛
    فالعلمانية في الغرب تفصل بين الدين والدنيا ولكن علمانية من تعلمن من
    المسلمين هي محاربة الدين الإسلامي بل وصل الأمر ببعضهم إلى المناداة
    بتجفيف منابع التدين. مع أنه في العلمانية الغربية يعد الدين مسألة شخصية
    لا يضار أحد بسبب تدينه. بل يشهد الغرب في السنوات الأخيرة دعوات جادة
    وقوية للعودة إلى الدين حتى إن التجمع البروتستانتي في الولايات المتحدة
    الأمريكية يعد من أقوى التجمعات السياسية هناك.

    ومن الأمثلة المؤلمة في العصر الحاضر أنه بعد أن سقطت الشيوعية
    تنادى الشيوعيون السابقون إلى التمسك بالعلمانية والعقل وظهر مثل هذا في
    محاربة الحركات الإسلامية أو الدعوات الإسلامية التي تدعو أبناء الأمة
    الإسلامية العودة إلى الهوية الإسلامية ونبذ الانحرافات العقدية والسلوكية
    والاستقلال عن التشبه بالغرب والذوبان في الثقافات الأخرى. ويعد نموذج
    تركيا والجزائر ومصر من الأمثلة التي تواصل العلمانية فيها محاربة الاتجاه
    الإسلامي بشتى الوسائل ويتنادى المستشرقون بتأييد هذه الاتجاهات العلمانية
    فيهتمون بهؤلاء من أبناء العالم الإسلامي. فالجامعات الغربية والندوات
    والمؤتمرات الغربية مفتوحة لهؤلاء وكذلك الصحف ووسائل الإعلام الغربية. فمن
    المحاضرين الذين يترددون إلى الجامعات الغربية صادق جلال العظم -الذي يعلن
    بصراحة إلحاده - ومحمد سعيد العشماوي، ونصر حامد أبو زيد، ونوال السعداوي،
    وعزيز العظمة، ورفعت حسن (الباكستان) وفضل الرحمن (باكستان) وفؤاد عجمي
    ومسعود ضاهر (لبنان)


    ثالثاُ: شمولية الظاهرة الاستشراقية
    المقصود بالشمولية احتواء الظاهرة كظاهرة فكرية لكل مجالات
    المعرفة الشرقية، فهي ظاهرة علمية تحتوي الشرق عامة وليس الشرق الإسلامي
    فقط، فدراساتها تغطى الهند والصين واليابان وغيرها فضلاً عن تغطيتها للعالم
    الإسلامي. فهي إذن تحتوي معرفياً الشرق كله.

    ومن مظاهر الشمولية أيضاً تغطيتها لكل مجالات المعرفية الإنسانية
    المرتبطة بالشرق. فهي تغطي المجالات الدينية والسياسية والتاريخية
    والاقتصادية والجغرافية والاجتماعية والأخلاقية والأدبي والعلمية والفنية
    للشرق وغيرها. ولم يُبْق الاستشراق شيئاً شرقياً إلا درسه.

    وفي زيارة لي لعدد من أقسام الدراسات الشرق الأوسطية أو معاهد
    الدراسات الشرق أوسطية أو مراكز البحوث أو المعاهد في الجامعات الأمريكية
    في صيف عام 1416(1995) وجدت أن العالم الإسلامي (الشرق الأوسط) يدرس في
    جامعة كاليفورنيا بفرعها في مدينة بيركلي من خلال ثمانية عشر قسماً يقوم
    بالتنسيق بينها مركز دراسات الشرق الأوسط وأذكر فيما يأتي بعض الأقسام التي
    تدرس العالم الإسلامي: علم الإنسان (الأنثروبولوجي)، والاقتصاد، والسياسة،
    ودراسات المرأة في الشرق الأوسط، والزراعة، والتعدين، والجيولوجيا،
    والعمارة، والأدب والتاريخ، ومقارنة الأديان ...ويمكن أن أضيف إلى ذلك
    الفولوكلور واللهجات العامية أو اللغات العامية، والغناء والرقص والطعام
    والشراب حتى الخرافات والأساطير وغيرها مما يمكن أن يوجد في العالم
    الإسلامي فإنه يُدْرس في الجامعات الغربية. وقد استحدثت جامعة نيويورك
    دراسة الصحافة والشرق الأوسط فيتخصص الباحث الغربي في الصحافة ويطبق ذلك
    على العالم العربي الإسلامي. وبعض هذه التخصصات قد استحدثت من أجل إيجاد
    وظائف للمتخرجين فيها؛ فهم قوم عمليون. ولا بد أن أضيف أن هذه الأقسام
    تعتمد في الحصول على مادتها العلمية ومصادرها التي يمكن أن يصعب على
    الغربيين الحصول عليها فإنهم يحصلون عليها من أبناء المسلمين الذين ذهبوا
    للدراسة في هذه الجامعات للحصول على الدرجات العلمية وبخاصة الدراسات
    العليا.


    رابعاً: تعدد أهداف الظاهرة الاستشراقية
    تتصف الظاهرة الاستشراقية بأنها متعددة الأهداف، ولذلك يصنف
    الاستشراق وفقاً لأهدافه الموضوعة له. فهناك استشراق علمي هدفه تحصيل
    المعرفة العلمية عن الشرق بعامة والعالم الإسلامي بخاصة، من أجل العلم ذاته
    وبدون الخضوع لأية أهداف أخرى غير علمية، وكثيراً ما يكون الدافع للمعرفة
    الاستشراقية دافعاً ذاتياً معبراً عن رغبة شخصية لدى الدارس يتجه على
    أساسها إلى التخصص في بلد شرقي دينياً وحضارياً وفكرياً. فلا يخضع المستشرق
    هنا تحت تأثير أية حكومة أو مؤسسة، ويمثل هؤلاء عادة قله بين المستشرقين
    ومعظمهم في الوقت نفسه يتصف بحب الموضوع الشرقي الذي يدرسه والتعاطف مع
    الحضارات الشرقية، وبالتالي الاتصاف بالموضوعية العلمية في دراساته. ولكننا
    يجب أن ندرك أن هؤلاء يُستغلّون من قبل حكوماتهم بأن نتائج دراساتهم
    وبحوثهم تصل إلى دوائر صناعة القرار السياسي ويستفاد منها. كما أن دول
    الغرب تستفيد أيضاً من الدراسات التي يقوم بها العرب والمسلمون. فمكتبة
    الكونجرس مثلاً لديها مندوب في دول العالم العربي الإسلامي، كما أن لديها
    مندوبين إقليميين. فالقاهرة لديهم هي المركز الإقليمي بالنسبة للعالم
    العربي. وهم يتابعون كل ما يصدر عندنا في جميع التخصصات. فيحصل هذا المندوب
    على ثلاثة نسخ من كل عمل، ثم بعد دراسة هذه الكتب يمكن أن يطلب عشرة نسخ
    أو زيادة، وتقوم مكتبة الكونجرس بتبليغ الجامعات بالكتب الجديدة مع تقارير
    عن هذه الكتب وأهميتها فيمكن لهذه الجامعات أن تطلبها من مندوب الكونجرس
    الذي قد يطلبها من المؤلف نفسه إن لم يجد الكتاب في الأسواق ومع توفر شبكة
    المعلومات الدولية (الإنترنت) أصبح الإعلان عن صدور الكتب العربية أسرع.

    وهناك استشراق سياسي هدفه خدمة المصالح السياسية لبلده وبخاصة إذا كان
    بلداً استعمارياً يتبنى محاولة فرض السيادة السياسية على البلد الشرقي من
    خلال معرفة علمية وافية عن هذا البلد على المستويات الدينية والسياسية
    والاقتصادية والاجتماعية. وهناك عدد كبير من المستشرقين عملوا في السياسة
    في خدمة أهداف بلدانهم بل خدم بعضهم في جيوش بلدانهم أو في استخباراتها([14]).
    وينتمي معظم هؤلاء إلى البلاد الاستعمارية المشهورة مثل بريطانيا وفرنسا
    وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وهولندا ، وينتمي بعضهم إلى الاتحاد
    السوفيتي(سابقا) ومن النماذج الحديثة جداً عن هذا التوجه السياسي أن مؤسسة
    راند (مؤسسة غير ربحية في سانتا مونيكا بكاليفورنيا) قد كلّفت الباحث
    الأرمني الأصل الأمريكي الجنسية اللبناني المولد والنشأة جوزيف كيششيان
    للقيام بإعداد بحث عن الأوضاع الأمنية في المملكة العربية السعودية، وقد
    استضافته القنصلية الأمريكية في جدة، كما استضافته السفارة في الرياض و
    الظهران ودعت عدداً من أساتذة الجامعات السعوديين وبعض المثقفين للاجتماع
    مع هذا الباحث ليفيد من آرائهم حول أوضاع بلادهم وما يرونه. وقد زرته في
    مكتبه بكاليفورنيا فأشار إلى أدراج خلفه وقال بنبرة فيها بعض الكبرياء
    والافتخار: "إن في هذه الأدراج بحثاً يحمل معلومات سرية عن السعودية." وثمة
    نموذج ثان وهو الباحث الأرمني ريشارد هرير دكمجيان الذي أعد بحثاً بتمويل
    من بعض المؤسسات حول الأصولية في العالم العربي، فنشر الكتاب في طبعته
    الأولى عام 1985م يتضمن الحديث عن اثنتين وتسعين جماعة إسلامية وأعيد طبع
    الكتاب عام 1996م وتضمن الحديث عن ثمان ومئة جماعة إسلامية. وقد درسها من
    خلال منشوراتها العلنية والسرية ومن خلال المقابلات مع أعضاء في هذه
    الجماعات أو من معلومات استخباراتية. ولا شك أن الحكومات الغربية تفيد
    كثيراً من هذه الدراسات.([15])

    وثمة استشراق ديني فهذا الاستشراق يهدف إلى الدفاع الديني عن اليهودية
    والنصرانية ضد الإسلامية والنقد الموجه لهاتين الديانتين، وقد بدأ هذا
    الاستشراق دفاعياً في هدفه ثم تحوّل إلى الهجوم على الإسلام من أجل تحريفه
    وتشويهه وتقديمه في صورة محرفة إلى الغرب وسعياً وراء إبعاد المسلمين عن
    دينهم من جهة، وتنمية عداوة الغرب للإسلام من جهة أخرى. ويتوزع الاستشراق
    الديني بين مدرستين كبيرتين: المدرسة اليهودية والمدرسة النصرانية. ولكل
    مدرسة أهدافها الخاصة ولكنهما يشتركان في هدفين أساسيين هما:

    1- الدفاع عن اليهودية والنصرانية ، 2- الهجوم على الإسلام.

    وقد تطورت المدرسة النصرانية وجمعت بين هذين الهدفين وبين هدف آخر
    انفردت به عن المدرسة الأخرى وأدى إلى تطور نوع جديد من الاستشراق هو
    "الاستشراق التنصيري" . فمن المعروف أن النصرانية تدعي العالمية وتسعى إلى
    الانتشار في كل العالم، فاستغلت المعرفة الاستشراقية من أجل تيسير التنصير
    ومد المنصِّرين بالمعلومات الضرورية عن المجتمعات المستهدفة بالتنصير، وهي
    تغطي العالم كلِّه، فظهر فريق من المستشرقين النصارى المهتمين بانتشار
    النصرانية، واشتغل بالاستشراق من أجل الحصول على المعرفة الخاصة بالمجتمعات
    الشرقية، كما أن الحركة العلمية التنصيرية لا تتوقف عند معرفة الشرق فقط،
    ولكنها تدرس كل المجتمعات في الشرق والغرب من أجل تقديم النصرانية إليها.
    ويصح أن نطلق على هؤلاء النصارى الغربيين العاملين في مجال التنصير في
    البلاد الإسلامية وغيرها من الشرق اسم المستشرقون المنصرون لأن الهدف من
    استشراقهم هدف ديني تنصيري. وقد ارتبط الاستشراق التنصيري بالتعليم فقد
    أسست المؤسسات الكنسية المعاهد والجامعات في العالم العربي الإسلامي ومن
    هذه المؤسسات التي ما تزال قائمة حتى الآن الجامعة الأمريكية في القاهرة
    وفي بيروت وفي استنبول وفي دبي، بالإضافة إلى المعاهد الأخرى. وقد أسهمت
    هذه الجامعات في تخريج أعداد من الطلاب العرب المسلمين الذين تسنموا مناصب
    مهمة في بلادهم.

    ونظراً لأن الاستشراق له أهداف فكرية يسعى إلى تحقيقها ومن أهمها
    نشر الفكر والثقافة الغربية في بلاد الشرق، وتحقيق تغريب الشرق وربطه
    بالحضارة الغربية نشأ استشراق يمكن أن تسميته "الاستشراق الفكري" وهو يخدم -
    في المقام الأول- الفكر الغربي ويسعى إلى نشر قيم الحضارة الغربية. ولم
    يقتصر هذا الاستشراق على البحوث الأكاديمية فقد انضم إلى الجامعات وسائل
    الإعلام المختلفة من صحافة وتلفاز وسينما. وأخيراً جاء البث المباشر الذي
    تولى كبره بعض المؤسسات العربية الإسلامية وأخذت تروج للثقافة الغربية وفي
    الغالب تروج لأسوأ ما في هذا الثقافة حيث تحرص على تسطيح الفكر وإشغال
    الناس بالتفاهات من الأمور. وقد ظهر هذا الاستشراق مع انتشار الاستعمار في
    الشرق .

    وارتبط بالاستشراق السياسي نوع من الاستشراق يسعى إلى الحصول على
    المعلومات الاقتصادية عن البلاد المستعمَرة والمساعدة في فتح أسواق جيدة
    للمنتجات الغربية من خلال دراسة السوق الشرقي. فتطور الاهتمام بالموضوعات
    الاقتصادية ومع انحسار الاستعمار ظهرت وظيفة جديدة تمثل امتداداً لهذا
    الاهتمام الاقتصادي في الحقبة الاستعمارية وهي وظيفة الخبير الاقتصادي في
    العصر الحاضر، وهو يعمل لدى الحكومات الغربية وبخاصة في وزارات الخارجية
    والاقتصاد، ويتخصص الباحث منهم في بلد شرقي ليقدم المعلومات والدراسات
    اللازمة في الناحية الاقتصادية.

    وتوجد هذه الوظيفة لدى الشركات الكبرى الغربية الاقتصادية التي
    تعتمد على السوق الشرقي، أو تعمل في مجالات اقتصادية مرتبطة ببعض الشعوب
    الشرقية مثل شركات البترول العالمية، وشركات السيارات، والأجهزة
    الإلكترونية ...الخ، حيث يتوفر لديها الخبراء الاقتصاديون المتخصصون. ومن
    الجهات التي تهتم باقتصاد العالم الإسلامي بعض البنوك العالمية مثل البنك
    السويسري، وبنك لويد وبنك تشيس مانهاتن وغيرها. ومن المعروف أن بنك سويسرا
    يصدر تقريراً شهرياً عن أوضاع الدول الإسلامية المختلفة ولا يهتم بالاقتصاد
    وحده بل يقدم معلومات عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية
    والاقتصادية.

    بالإضافة إلى هذه الأنواع من الاستشراق المرتبطة بالأهداف المعروف:
    علمية وسياسية ودينية و اقتصادية فهناك نوعان من الاستشراق يعبران عن
    مناحي أدبية وفنية تبلور عنها ما يعرف ب"الاستشراق الأدبي والفني" حيث تخصص
    بعض المستشرقين في الآداب العربية والإسلامية كما تخصص بعضهم في الفنون
    الإسلامية، وقد تميزت هذه النوعية من المستشرقين باندماجها الشخصي ورغبتها
    الذاتية في تثقيف نفسها -أدبياً وفنياً- والرفع من درجة تذوقها للآداب
    والفنون الغربية من خلال إدخال موضوعات شرقية -أدبية وفنية- في الأدب
    والفنون الغربية.وقد تجاوز تأثيرهم الجانب الذاتي أو الشخصي إلى التأثير
    العام في الحركة الأدبية والفنية في الغرب، وكانت النتيجة ظهور أدباء
    وفنانون غربيون لا يعملون بالاستشراق أصلاً، ولكنهم تأثروا بالموضوع الشرقي
    من خلال الاستشراق الأدبي والفني فطوروا فناً غربياً يخلط بين الأذواق
    الشرقية والغربية، أو يستفيد من الموضوع الشرفي في ترقية الفنون الغربية .

    والحقيقة أن هذا المجال- الأدبي والفني- يعدّ أكبر مجال متأثر
    بالثقافة الإسلامية الأدبية والفنية، فقد دخلت الموضوعات الإسلامية بدون
    حساسية في بنية الأعمال الأدبية والفنية، وحدث توجه شامل للحركة الأدبية
    والفنية إلى الموضوع الشرقي بعامة، والإسلامي بخاصة. والسبب في حدوث هذا
    التأثير الشرقي على الفكر الغربي هو بعده عن أمور الدين والعقيدة، وكونه
    موضوعاً فنياً لا يحدث من خلاله تأثير عقدي أو ديني على الإنسان الغربي.
    وقد أطلق على هذا النوع من الاستشراق بالاستشراق الأدبي أو الفني، وهو مجال
    مهمل في الدراسات الاستشراقية عند المسلمين الذين انشغلوا بقراءة الأعمال
    الاستشراقية الدينية والعقدية للدفاع عن الإسلام والرد على الشبهات، ودفع
    التأثير الاستشراقي في مجال الدين.

    أما الاستشراق الأدبي والفني فيمثل تأثيراً مضاداً أو عكسياً
    فالمؤثر هو الإسلام وموضوعاته بتراثه الفني والأدبي. والأمثلة على ذلك تتضح
    في التأثير الكبير لقصة " ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة"، والملاحم
    والسير العربية الإسلامية والشرقية، وعناصر أخرى من التراث الشعبي على
    الأدب الغربي، وكذلك تأثير الموضوعات والأشكال الفنية الشرقية على الفنون
    الغربية الذي سيطر على الحركة الفنية في الغرب لفترة من الزمن.([16])

    ويمكن أن نضيف اهتمام الغرب بفن العمارة الإسلامي وأنهم بلا شك
    أفادوا كثيراً من فن العمارة الإسلامي، وما زال هناك اهتمام بالعمارة
    الإسلامية في الدراسات العربية والإسلامية في الغرب ضمن أقسام الهندسة
    المعمارية أو أقسام العمارة أو أقسام الفنون الجميلة. وسوف تكون إحدى ندوات
    مهرجان الجنادرية الذي يقيمه الحرس الوطني لعام 1417 ندوة حول تأثير فن
    العمارة الإسلامي في العمارة الغربية ويشارك فيها الأمير تشارلز ولي العهد
    البريطاني.

    ولكن لهذا الاستشراق جانب سلبي ربما طغى على ما تقدم من الجوانب
    الإيجابية وهو أن الاهتمام بألف ليلة وليلة على ما فيها من قصص مجون وفجور
    ألصقت بالإسلام زوراً وبهتاناً فالإسلام دين العفة والطهر، ويحارب الرذيلة
    والفسق والفجور. ومن جناية هذه القصص أنها أقحمت اسم الخليفة العظيم هارون
    الرشيد في هذه القصص، مع أن هذا الخليفة كان من أبعد الناس عن المجون
    واللهو؛ فقد كان يحج سنة ويغزو سنة، كما كان يصلى كثيراً من النوافل وقد
    اهتم بالعلم والعلماء.

    ويتركز الاهتمام المعاصر بالآداب العربية الإسلامية في الاهتمام
    بالكتاب والأدباء العرب المسلمين المتأثرين بالفكر الغربي. فها هو نجيب
    محفوظ ينال جائزة نوبل لأنه ثبت تبنيه للفكر الغربي، كما أنه كتب في بعض
    رواياته يتجنى على الحركات الإسلامية في مصر وعلى العقيدة الإسلامية. وانظر
    إلى المؤسسات والمعاهد الأدبية والغربية تهتم بمن يزعم أنه كاتب مثل محمد
    شكري صاحب كتاب (الخبز الحافي) وغيرهم. ومن الأمور الطريفة التي وجدتها في
    نشرات مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط بجامعة لندن (مدرسة الدراسات
    الشرقية والأفريقية) اهتمامهم بنوال السعداوي وعبد الرحمن منيف ومحمد شكري
    وفاطمة مرنيسي وغيرهم. ولدى مراجعة نشاطات رابطة دراسات المرأة في الشرق
    الأوسط التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها تهتم بالأدباء
    والكتاب المتغربين ،وتعلي من شأنهم وتفسح لهم المجال في المنتديات الأدبية
    في الغرب. ولو كان هذا الاهتمام إيجابياً كما أشار الدكتور خليفة فلماذا لا
    تتم ترجمة كتابات كتّاب مثل على أحمد باكثير أو محمد صادق الرافعي أو نجيب
    الكيلاني وغيرهم. فهم لا يهتمون الاهتمام إلاّ بمن كان متأثراً بهم. فقد
    جاء وفد مؤسسة مالوني وهم مجموعة من أساتذة الجامعات الأمريكية لزيارة
    المملكة العربية السعودي للتعرف على هذا البلد معرفة أولية فكان ممن اهتم
    بمقابلته الكاتبة رجاء عالم، ومحمد على قدس (أمين سر نادي جدة الأدبي)
    وغيرهما. وأتساءل لماذا لم يحرصوا على الالتقاء بأصحاب الاتجاه الإسلامي
    الرصين المعتدل وهم الغالبية في هذا البلد الطيب؟



    خامساً : اتساع دائرة التأثير الاستشراقي.

    من خصائص الظاهرة الاستشراقية أنها على الرغم من أنها ظاهرة فكرية
    غربية ، فقد اتسع مجال تأثرها لكي تصل إلى الشرق والغرب معاً. وعادة ما يظن
    أن التأثير الاستشراقي محصور في الشعوب الشرقية لكن الحقيقة أن الاستشراق
    له تأثيره الكبير في الفكر الغربي نفسه، وبهذا ينفرد الاستشراق كظاهرة في
    مسألة شمولية التأثير وتغطية العالم بأسره.

    أما بالنسبة للتأثير الاستشراقي في الغرب فيتضح في الأمور الآتية:

    1- إن الاستشراق مسؤول عن نقل المعرفة الإسلامية والشرقية -عامة- إلى الغرب
    الذي أفاد من هذه المعرفة حيث عكف المستشرقون على ترجمة النصوص الأساسية
    في الديانات وأيضاً ترجمة النصوص العلمية في العلوم عند المسلمين، وعند أهل
    الشرق وهي العلوم التي كانت أساساً في النهضة العلمية في الغرب. وهذا يعني
    أن الاستشراق مسؤول عن نهضة الغرب العلمية وله إسهاماته في تقدم العلم في
    الغرب من خلال النصوص الشرقية والإسلامية التي ترجمت إلى اللغات الأوروبية
    قبل عصر النهضة.

    2- هو أيضاً مسؤول عن تطور المنهج النقدي العقلي في الغرب وبخاصة في مجال
    الدين ، فقد أفاد المستشرقون وغيرهم من علماء الدين في الغرب من المادة
    والنصوص الدينية التي ترجمت إلى اللغات الأوروبية ومن أهمها ترجمات معاني
    القرآن الكريم، والكتابات الإسلامية في تاريخ الأديان، ونقد الكتب المقدسة،
    وبخاصة اليهودية والنصرانية، وترجمة النصوص الكلامية والفلسفية ولاسيما
    النصوص ذات الاتجاه العقلاني مثل النصوص الاعتزالية وأعمال الفلاسفة مثل
    الفارابي، والكندي وابن سينا.

    وقد أثر بعض هؤلاء في الفكر الغربي تأثيراً مباشراً مثل ابن رشد الذي
    أصبحت له مدرسة غربية تسمي " المدرسة الرشدية" وينتمي أتباعها من الفلاسفة
    الغربيين إلى فلسفة ابن رشد ومنهجه.

    3- يمتد تأثير الاستشراق في الغرب إلى صبغ الحركة الأدبية والفنية في الغرب
    بصبغة شرقية من حيث الموضوع في الأدب والفن ومن حيث الأشكال الفنية
    والأدبية.

    4- أثر الأدب الشعبي الشرقي في الفكر الغربي:وهذا الأدب كان له دور في تطور
    الفن القصصي والروائي في الغرب، وفي الملاحم، وله تأثيره أيضاً في الحركة
    السينمائية في القرن الأخير بإدخال موضوعات شرقية في الأعمال الروائية.

    5- من تأثير الاستشراق أيضاً ظهور حركة نقد الكتاب المقدس في الغرب منذ
    القرن الثامن عشر وحتى الآن على أساس من النقد الإسلامي لكتب اليهود
    والنصارى ويشار بالذات إلى مدرسة المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن، وهو
    مستشرق كبير ومؤسس حركة نقد الكتاب المقدس.

    سادسا: أنها ظاهرة مُستَغَلّة:

    تتصف الظاهرة الاستشراقية في تاريخها الطويل بأنها "ظاهرة
    مُسْتَغَلَّة" باسم العلم بواسطة قوى دينية وسياسية واقتصادية وفكرية.
    فالاستشراق في ظاهره علم واسع يغطي مجالات من الحياة الشرقية ولكنه في
    حقيقة الأمر " علم موجه لخدمة أغراض وأهداف سياسية واقتصادية وفكرية." وقد
    تمّ استغلاله بواسطة الاستعمار، كما اعتمد الاستشراق أيضاً على الاستعمار
    في تحقيق ما يمكن تسميته ب "السيادة الاستشراقية" في مجال الفكر في الغرب
    والشرق" والاستعمار اعتمد على الاستشراق واستغله من أجل الحصول على المعرفة
    اللازمة عن شعوب الشرق حتى يتمكن من معرفة أوضاعها ويخطط لاستعمارها.

    وظل الاستشراق مستغَلاً من قبل الاستعمار، ويظهر ذلك في صورة واضحة في
    المرحلة الاستعمارية الأخيرة منذ القرن الثامن عشر. حيث انطلقت جيوش
    الاستعمار بصحبة المستشرقين الذين عملوا أحياناً كضباط وجنود وموظفين في
    جيوش بلادهم، فأساءوا إلى العلم أو وظفوه لخدمة مصالحهم السياسية.

    ووصل الأمر إلى حد قيام بعضهم بأعمال التجسس من خلال جمع المعلومات عن
    البلاد الشرقية، وتسليمها للمسؤولين لاستخدامها سياسياً وعسكرياً وفي
    التاريخ المعاصر -بعد انحسار الاستعمار- لا يزال الاستشراق مستغَلاً من
    جانب الحكومات الأوروبية والأمريكية، حيث خصصت في دوائر الخارجية وظائف "
    الخبراء السياسيين والدينيين والاقتصاديين" الذين يمدونها بالمعلومات
    ويشاركون في تخطيط السيطرة السياسية...الخ. ومن المعروف أن عدداً من
    الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث تتلقى دعماً من الحكومة الفدرالية في
    البرنامج الذي بدأ منذ انتهاء الحرب الثانية (العالمية) فهذه الجامعات لا
    شك تقدم ما لديها من بحوث وندوات إلى الجهات الرسمية.

    وقد قامت وكالة الاستخبارات المركزية قبل سنوات بتمويل عقد ندوة في
    جامعة هارفرد حول الحركات الإسلامية في العالم العربي بإشراف اليهودي ناداف
    سفران، فلما انكشف الأمر قبـل انعقاد الندوة تم إلغاؤها. ولكن ما مرت
    سنوات حتى كانت الاستخبارات المركزية الأمريكية تعلن أنها ستعقد ندوة شهرية
    وإن كانت ستظل مفتوحة حول الحركات الإسلامية (الأصولـية) حيث يشارك
    المتخصصون من الأمريكيين وغيرهم في تقديم معلومات وآراء حول هذه الحركات.
    وقد نشرت هذه الأخبار صحيفة ( الشرق الأوسط) في صفحتها الأولى([17]).

    وكما تم استغلال الاستشراق بواسطة الاستعمار، تم استغلاله -أيضاً-
    بواسطة الدوائر الدينية في الغرب، فقد استخدمته الكنيسة كعلم يدرس أديان
    الشرق وبخاصة الإسلام. ويقدم لها المعرفة الدينية اللازمة لمحاربة الأديان
    الأخرى وتشويهها فضلاً عن استخدام الدوائر التنصيرية له لتيسير مهمتها في
    البلاد الإسلامية، من خلال دراسة الأوضاع الدينية للشعوب والبحث في أنجح
    السبل لتقديم النصرانية إليهم. وقد تطور قطاع استشراقي سمي باسم "
    الاستشراق التنصيري " ويديره عدد كبير من المستشرقين المنصرين.

    ومن الجهات التي استغلت الاستشراق واستخدمته لتحقيق مصالحها: الدوائر
    اليهودية الصهيونية التي استخدمته من أجل الدفاع عن اليهودية ضد الإسلام
    بالذات، واستخدمته ...من اجل تحقيق هدف قومي وهو إنشاء "الوطن القومي
    لليهود في فلسطين." والدور الذي قام به هذا الاستشراق يتراوح ما بين "الدور
    النظري التأصيلي." و"الدور العملي التطبيقي."

    فمن الناحية النظرية ركزت المدرسة الاستشراقية الصهيونية على عملية
    "تأصيل الوجود اليهودي في فلسطين على المستوى التاريخي والديني." فصدرت
    آلاف البحوث المثبتة للحقوق التاريخية
    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:18




    كثر
    الحديث عن نهاية الاستشراق ومن ذلك ما كتبه علي حرب في صحيفة محلية في
    المملكة زاعماً أن الاستشراق أضعف فروع المعرفة في الغرب وهو في طريقه إلى
    الانقراض[1]. وناقش الدكتور أكرم ضياء العمري هذه المسألة في محاضرة له بعنوان "الاستشراق هل استنفد أغراضه؟"[2]
    وقد خلص الدكتور العمري أن الاستشراق لم يستنفد أغراضه بعد فما زال قائماً
    ومازالت مئات الدوريات تصدر عنه ومازالت المطابع تدفع إلى الأسواق مئات أو
    ألوف الكتب كل عام من تأليف الباحثين الغربيين. وطالب في ختام محاضرته أو
    كتابه أن يتقدم المسلمون أولاً لتمثيل أنفسهم أمام أنفسهم ثم يمثلوا أنفسهم
    أمام العالم.

    وتعود قضية نهاية الاستشراق إلى آخر مؤتمر للمستشرقين عقد تحت رعاية
    المنظمة الدولية للمستشرقين في مدينة باريس بفرنسا عام 1973م، وكان هذا
    المؤتمر الاستشراقي في مناسبة مرور مائة عام على بداية عقد المستشرقين. وفي
    هذا المؤتمر دار نقاش وتصويت بين المستشرقين على تغيير الاسم وتسمية
    الجمعية باسم جديد هو "المؤتمر العالمي للدراسات الإنسانية حول آسيا وشمال
    أفريقيا". وعقد تحت هذا الاسم مؤتمران ثم تغير الاسم إلى "المؤتمر العالمي
    للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية". وقد عقد المؤتمر مؤخرا في مدينة
    بودابست بالمجر، وحضره أكثر من ألف باحث معظمهم من أوروبا وأمريكا وروسيا
    في شهر ربيع الأول 1418هـ (7-12يوليه 1998م) وحددوا موعد المؤتمر القادم في
    مونتريال بكندا عام 2000م.

    وقد يقول بنهاية الاستشراق من ليس له إطلاع على أقسام الدراسات العربية
    وأقسام دراسات الشرق الأدنى والشرق الأوسط أو مراكز البحوث والمعاهد
    المتخصصة أو معاهد البحوث الاستراتيجية أو معاهد البحوث حول الشؤون
    الدولية. ذلك أن النشاط الاستشراقي في هذه المراكز والأقسام مستمر ومتواصل
    وأن القوم لم تنقطع صلتهم بالحركة الاستشراقية بل هناك من الدلائل على أنهم
    ينطلقون في دراساتهم للعالم الإسلامي عقيدة وشريعة وأخلاقاً واجتماعاً
    وغير ذلك من المجالات مستندين إلى الجهود الاستشراقية لجولدزيهر وشاخت
    وبيكر ونولدكه وتوماس آرنولد وغيرهم.

    وقد يكون الاسم قد تغير ودخل إلى مجال الدراسات الشرق أوسطية باحثون لا
    يتصفون بالصفات أو المؤهلات التي كانت للمستشرقين ولكن العمل في البحث في
    كل قضايا المسلمين ما زال قائماً وإن تغيرت بعض مناهج الدراسات أو أساليبها
    أو طريقة عرضها. كما أن الدراسات العربية الإسلامية تستعين حالياً بعدد
    كبير من الباحثين المسلمين والعرب الذين يجدون كل التأييد والدعم والمساندة
    من المراكز الاستشراقية أو مراكز دراسات الشرق الأوسط.

    نهاية الاستشراق كما يراها الغربيون

    بعد أن أصدر إدوارد سعيد كتابه الاستشراق بأربعة أعوام كتب برنارد لويس
    مقالة طويلة بعنوان (مسألة الاستشراق) يتناول فيها ما توصل إليه المستشرقون
    في مؤتمرهم العالمي في باريس عام 1973 فكان مما قاله "لقد أصبحت كلمة
    "مستشرق" منذ الآن فصاعداً ملوثة هي الأخرى أيضاً، وليس هناك أمل في
    الخلاص، ولكن الضرر هنا أقل لأن الكلمة كانت قد فقدت قيمتها وحتى أولئك
    الذين تدل عليهم تخلوا عنها …". وكانت مناسبة جيدة لإعادة النظر في طبيعة
    المؤتمر ووظائفه، ثم سرعان ما تبين لهم أنهم متفقون جميعاً على ضرورة
    التخلي عن هذه التسمية (تسمــية الاستشراق) [3]

    ولنا أن نتساءل، ما الأسباب التي أدت إلى أن تصبح كلمة "مستشرق" ملوثة؟ هل
    أتي هذا التلوث من فراغ أو كان للمستشرقين يد في إحداث هذا التلوث بما
    ارتكبوه من أخطاء جسيمة في دراساتهم للإسلام ولتاريخ الأمة الإسلامية. فلو
    توقفنا عند الاستشراق في القرون الوسطى الأوروبية نجد أن الأوروبيين أنفسهم
    قد اكتشفوا ضخامة الأحقاد التي حملتها تلك الكتابات التي كانت مدفوعة
    بمحاربة الإسلام وتشويه صورته في أذهان الغربيين حتى لا يقبلوا على الإسلام
    أو حتى يستخدمها المنصرّون الذين بدؤوا ينطلقون إلى أنحاء العالم لنشر
    ديانتهم أو السيطرة على الشعوب الأخرى التي كانوا ومازالوا يرونها أقل منهم
    حضارة ومدنية.

    والأسباب كثيرة التي أدت إلى تلوث مسمى الاستشراق ومن ذلك ارتباط بعض
    المستشرقين بالدوائر السياسية والمخابراتية لبلادهم حيث قدموا خدمة الأغراض
    السياسية على الإخلاص للبحث العلمي. كما أن بعضهم كان مدفوعاً بأحقاد
    الماضي التي لم يستطع التخلص منها.(*)

    وهل انتهى التلوث بانتهاء هذا الاسم؟ بعد أن لم يعد في معظم الجامعات
    الأوروبية والأمريكية أقساماً يطلق عليها اسم (الاستشراق)؟ فالذي يبحث في
    إنتاج هذه الأقسام أو الأساتذة الذين يعملون فيها أو الاهتمام الذي يولونه
    لبعض العرب والمسلمين المتأثرين بالفكر الغربي في النظرة إلى الإسلام
    والمسلمين أو الذين ترفضهم المجتمعات الإسلامية فيجدون الملاذ الآمن في
    المجتمعات الغربية يعرف أن التلوث مازال قائماً حتى في الأقسام الجديدة فقد
    تغير الاسم وبقي المسمى.

    ويمكننا القول إن ظهور هذه الأسماء الجديدة أو الأقسام والتخصصات والتفرعات
    الجديدة لا يعني نهاية الاستشراق، وإنما ذلك تطور طبيعي لمجال معرفي كان
    محصوراً في عدد محدد من المتخصصين في الشرق وبخاصة العالم العربي الإسلامي.
    ولما أصبحت العلوم المختلفة ذات كيانات مستقلة كعلم الاجتماع وعلم الإنسان
    والعلوم الأخرى وأصبح لها معطيات ومناهج جديدة فلا بد أن يستفاد منها في
    دراسة الشعوب الأخرى للتمكن من المعرفة الدقيقة لهذه الشعوب.

    ويرى رودنسون أنه بالرغم من ذلك فإن كثيراً من المستشرقين مازالوا مصرين
    على وجود هذا المجال وأنهم كما يقول "سجناء الاستشراق، منغلقون على أنفسهم
    داخل غيتو، وهم سعداء في ذلك غالباً! بل إن مفهوم الاستشراق نفسه ناتج عن
    ضرورات عملية عابرة التقى عندها العلماء الأوروبيون المتمرسون بدراسة
    الثقافات الأخرى، وشوّهت هذه الحالة بقوة رؤيتهم للأشياء."[4]

    وليس الأمر صحيحاً في أن مفهوم الاستشراق نفسه ناتج عن ضرورات عملية وأن
    هذه الحالة شوهت بقوة رؤيتهم للأشياء فما زال الباحثون الغربيون ينهلون من
    الكتابات الاستشراقية وما زالت بعض كتاباتهم تحتوي على التشوهات نفسها التي
    ظهرت حتى في كتاباتهم في القرون الوسطى الأوروبية. وقد أصبحت كتابات
    المستشرقين مصادر لكثير من الإعلاميين فانتقلت التشوهات والأخطاء
    والمفتريات الاستشراقية من المجال الأكاديمي إلى المجال الإعلامي فازدادت
    انتشاراً وذلك لسيطرة وسائل الإعلام في مجال نشر الفكر والثقافة في العصر
    الحاضر. ويؤخذ على الإعلاميين أنهم يأخذون أبحاث المستشرقين الغربيين على
    أنها مسلمات ثابتة وليست أفكاراً قابلة للخطأ والصواب، وقابلة للتحيز
    والإنصاف.

    أما المستشرق الإسباني فراسيسكو غابرييلي فيرى أن الاستشراق الذي كان يعد
    في البداية علماً واحداً متكاملاً "سرعان ما انقسم إلى فروع وتخصصات مستقلة
    بعضها عن بعض ومتعلقة بمختلف الحضارات الخاصة بالشرق الأفريقي -الأسيوي.
    "وأشار إلى الجمعيات الاستشراقية التي ما تزال قائمة مثل (الجمعية
    الاستشراقية الألمانية، والجمعية الآسيوية الملكية الإنجليزية والجمعية
    الآسيوية الفرنسية) وكذلك المؤتمرات الاستشراقية" قد أخذت تميل إلى عقد
    مؤتمرات أكثر تخصصاً بشؤون العالم العربي والإسلامي والهندي والصيني وغير
    ذلك من مجالات البحث والتخصص." [5]

    ويرى غابرييلي أن الاستشراق "الذي كان في طريقه إلى الضياع أو بالأحرى إلى
    الانحلال والذوبان في تخصصات فرعية دقيقة أكثر فأكثر، وذلك من وجهة نظر
    علمية بحتة، أصبح الآن موحداً من جديد ومتحلياً بشخصية أيديولوجية
    وسوسيولوجية وسياسية. ولكن هذه الصورة المقدمة عنه غير مقبولة من وجهة
    نظرنا، وذلك لأنه من خلال هذه الصورة بالذات وضع في قفص الاتهام، وراحوا
    يحاكمونه على أصوله ومقاصده ومناهجه ونتائجه."[6]

    ويؤكد غابرييلي على أن الاستشراق الذي درس الشعوب الأخرى بمناهجه ومفاهيمه
    الخاصة لا يمكنه التراجع عن ذلك بل يرى أن ذلك حقاً له "فالواقع أنه يحق
    للغرب أن يطبق على الشرق مفاهيمه ومناهجه وأدواته الخاصة التي كان قد
    بلورها في تاريخه الحديث، كما يحق له أن يطبق معاييره الخاصة على ما ندعوه
    بالتاريخ والحضارة والثقافة والفلسفة والشعر، بمعنى آخر فإنه إذا كان البعض
    يحلمون بإمكانية جعل الفكر الغربي يتراجع عن نتائج دراساته التاريخية
    الطويلة للبشرية وتفسيرها فإنهم واهمون."[7]

    ومن الذين تناولوا نهاية الاستشراق المستشرق الفرنسي كلود كاهين في رده على
    مقالة أنور عبد الملك (أزمة الاستشراق) حيث بدأ بالحديث عن إنجازات
    الاستشراق وفضله على الباحثين العرب المسلمين فقال "ولكن ينبغي أن يعرفوا
    أيضاً أن الاستشراق الأوروبي هو الذي أخذ المبادرة في العصور الحديثة
    لدراسة تاريخهم الخاص، وأنه لولاه لكانوا عاجزين عن أن يقولوا عن ماضيهم
    نصف ما يستطيعون قوله اليوم بطريقتهم الخاص، فنحن لا نزال نمتلك حتى الآن
    الميزة المتفوقة التالية، إننا قادرون على الاهتمام بتاريخ كل شعوب العالم
    وليس بتاريخنا الخاص."[8]

    ويرى كاهن أن التقدم العلمي الغربي الحاضر يفرض على الشعوب الأخرى حين تريد
    دراسة الحضارات الأخرى أن تأخذ بالنموذج الغربي وذلك في قوله "وفي يومنا
    هذا نلاحظ أن خط التقدم العلمي والنضج الثقافي اللازم لدراسة هذه الحضارات
    الشرقية أو الغربية لا يزل يمر من خلال الاستشراق الغربي، أي من خلال الفكر
    التاريخي والفيلولوجي والاجتماعي الأوروبي"[9]
    ويضيف كاهن قائلاً "ونلاحظ أن بعض الشرقيين الأذكياء والجريئين قد أخذوا
    يسلكون هذا الطريق واستطاعوا في بعض الحالات أن يصلوا إلى مستوى زملائهم
    الغربيين أنفسهم من حيث السيطرة على المنهجية العلمية."[10]

    هذه هي نظرة الاستعلاء الغربية فالعلماء العرب لم ينكروا تقدم الغرب
    ومدنيتهم ولكن أن يسعى العالم فقط لأن يلحق بالغرب فقط وينتظر من علمائه
    شهادة التفوق والذكاء فهذا أمر لا تقبل به أي حضارة مهما كانت متخلفة فكيف
    بالحضارة الإسلامية؟ وحتى إن كانت البلاد الإسلامية تعاني من التخلف في
    المجالات العلمية والتقنية فإننا لا ننتظر الشهادة من الباحثين الغربيين.
    ويمكن أن نلاحظ أن الباحثين العرب الذين وصلوا إلى المستوى الذي يرضى عنه
    كاهن إنما هم طه حسين وهشام جعيط ومحمد عابد الجابري وأنور عبد الملك
    وعزيز العظمة وأمثالهم ممن تأثروا بالفكر الغربي والمناهج الغربية.(*)

    أما بالنسبة لمشاركة المسلمين في دراسة قضاياهم الاجتماعية والسياسية
    والاقتصادية فإن معهد الدراسات الإسلامية في مونتريال بكندا قد بدأ منذ
    أكثر من خمسين سنة يشجع الطلاب العرب والمسلمين على دراسة أوضاع بلادهم تحت
    إشراف أساتذتهم من المستشرقين. وقد كان المبرر الذي ذكره تقرير هايتر لذلك
    أن الطالب العربي المسلم يكون بعيداً عن بلاده ومشكلاتها ويستطيع بالتالي
    أن يبحث بحرية وتجرد أكثر مما لو كان في بلاده. وقد أعجبت هذه الفكرة معدو
    تقرير هايتر فقرروا نقل الفكرة إلى الجامعات البريطانية.[11]
    ولكن لا بد أن نذكر أن هناك مبررات أخرى وهي أن الباحث العربي المسلم أقدر
    على جمع مادته العلمية من بلاده، وقد يكون في ذلك أحياناً توفير للنفقات
    المالية التي يمكن أن يتكلفها الباحث الغربي لو كان محتاجاً لجمع هذه
    المادة. وذكر أحمد غراب أن بعض البحوث التي يوجه الطلاب العرب للقيام بها
    ذات طبيعة استخباراتية وذكر من ذلك أنه طلب من أكثر من باحث مسلم أن يبحث
    في قضايا الحركات الإسلامية في بلاده وإذا ما رفض الطالب فإنه قد لا يسمح
    له بتسجيل موضوع آخر.[12]

    ويرى برايان تيرنر Bryan S. Turnerأن الاستشراق قد أظهر العديد من
    أعراض الأزمات الداخلية والانهيار منذ الحرب العالمية الثانية ، ولكن
    البديل لم يكن من السهل إيجاده وذلك لأن الاستشراق ما زال يحتفظ بدعم فكري
    ومؤسساتي، فالاستشراق يملك مقومات ذاتية تدعم وجوده. وقد جرت عدة محاولات
    لإعادة بناء هذا المجال العلمي ومن أمثلة ذلك ما قامت به مجلة دراسات الشرق
    الأوسط Review of Middle East Studies ومشروع بحوث ومعلومات الشرق
    الأوسط Middle East Research and Information Project.(MERIP) [13]


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] -علي حرب. " الأنا والآخر بين الاستشراق والاستغراب. في عكاظ. ع (11603)، 4صفر 1419 الموافق 29مايو 1998.

    [2] -أكرم ضياء
    العمري . موقف الاستشراق من السيرة والسنّة النبوية. (الرياض :مركز
    الدراسات والإعلام:دار إشبيليا، 1417/1998. وكان هذا الكتاب قد نشر في ملحق
    التراث بجريدة المدينة المنورة بعد إلقاء المحاضرة بعدة أشهر من إعداد
    كاتب هذه السطور حيث استنسختها من الشريط.

    [3] -برنارد لويس.
    "مسألة الاستشراق" في الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. إعداد هاشم صالح
    (لندن: دار الساقي، 1994) ص 159-182. وقد نشرت المقالة أصلاً في New York
    Review of Books وقد ناقشت هذه المقالة في كتابي ( الاستشراق والاتجاهات
    الفكرية في التاريخ الإسلامي ( الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية ، 1416)

    * -من المستشرقين
    الذين ارتبطوا بالدوائر الاستعمارية صراحة المستشرق الهولندي سنوك
    هورخرونيه ولكن كبار المسؤولين الهولنديين في جامعة ليدن بهولندا أصروا على
    الإشادة به في افتتاح المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد
    والعشرين الذي عقد في ليدن في يونيو 1996.

    [4] -المرجع نفسه.

    [5] -فرانسيسكو
    غابرييلي. "ثناء على الاستشراق" في المرجع السابق. ص 21-30 ونشر الأصل
    بالفرنسية بعنوان Apologie de l’Orientalisme. In Diogene, No. (50) 1965.

    [6] - المرجع نفسه .

    [7] - المرجع نفسه.

    [8] -كلود كاهن. "كلود كاهن يرد على أنور عبد الملك :رسالة إلى رئيس تحرير مجلة "ديوجين." في الاستشراق بين دعاته ، مرجع سابق ص 35-38.

    [9] - المرجع نفسه.

    [10] - المرجع نفسه.

    * -تحدث أحد
    المستشرقين الكنديين في المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام في القرن الواحد
    والعشرين الذي عقد في ليدن في الفترة من 3-7يونيو 1996 عن تجربته مع
    الباحثين الإندونيسيين بحكم تخصصه في الإسلام الإندونيسي وأثنى على تطورهم
    . فتعجبت من هذا الأسلوب الأبوي فيكف يضع المستشرق نفسه في موضع الحَكَم
    على الباحثين المسلمين ، وكأنه يشير إلى أن احتكاكهم بالغرب هو الذي أفادهم
    وجعلهم يتطورون.

    [11] -Sir William Hayter. Report of The Sub-Committee on Oriental, Slavonic, East European and African Studies. London, 1961.

    [12] -أحمد عبد الحميد غراب. رؤية إسلامية للاستشراق.ط2 (بيرمنجهام : المنتدى الإسلامي، 1411)ص 145.

    [13] -Bryan S.
    Turner. “ Islam” and Orientalism”. In Orientalism, Islam and
    Islamists.ed. Asaf Hussain et al.( Brattleboro: Vermont: 1984.) p.p.
    23-43.

    Admin
    Admin
    المشرف العام
    المشرف العام


    عدد المساهمات : 5500
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    ما هو الاستشراق ..... Empty رد: ما هو الاستشراق .....

    مُساهمة من طرف Admin الخميس 13 ديسمبر 2012 - 21:18





    لقد أطلق هذه العبارة أنور عبد الملك في مقالة له بعنوان " الاستشراق
    في أزمة " نشرها في مجلة الجدلية الاجتماعية La Sociale Dailiqtique باريس
    عام1971م. وأعيد نشرها في مجلة الفكر العربي المعاصر) (عدد 32في) تناول
    فيها نقد الاستشراق من حيث مسلماته ومناهجه وأدواته، وأكد على ضرورة نقد
    الاستشراق لاسيما وان الدول التي كانت خاضعة للاستعمار أصبحت دولاً ذات
    سيادة " أصبحوا "ذواتاً" أسياداً"([1]).

    وختم عبد الملك مقالته بعدد من التوصيات حول إعداد الباحث الغربي
    في الدراسات الاستشراقية من حيث معرفة اللغة والتمكن من المعارف المختلفة
    الخاصة بالعالم العربي الإسلامي. وكان مما قاله :" لقد حان الوقت لاعتماد
    توجه جديد بالضرورة ، ويرى المرء من الناحية الموضوعية أن مختلف قطاعات
    الاستشراق المعاصر في السنوات الأخيرة قد بدأت تعي هذه الضـرورة. "([2])

    أما الدكتور محمد خليفة فقد تناول أزمة الاستشراق بمذكراته التي أثبت هنا نصها مع بعض الإضافات التي أشير إليها في حينه:

    تعود أزمة الاستشراق المعاصر إلى عدد من الأسباب التي يعود معظمها
    إلى فترات تاريخية مختلفة منها أسباب واكبت الاستشراق منذ بدايته واستمرت
    معه حتى العصر الحديث، ومن بينها أسباب تعود إلى التاريخ الحديث والمعاصر.
    وقد أثرت هذه الأسباب على طبيعة الاستراق وأدت إلى نوع من الغموض في ماهية
    الاستشراق وطبيعته وفي شخصية المستشرقين عبر العصور وولدت هـذه الأسباب
    مجموعة من الأزمات المتداخلة فيما بينها أزمة الهوية وهي تختص بغموض
    الاستشراق وعدم القدرة على تحديد طبيعته هل هو علم أو حركة فكرية أو مذهب
    أو غير ذلك.

    وولدت أزمة منهجية من حيث أن الاستشراق ليس له منهج واضح يمكن مقارنته
    بالمناهج العلمية التي طورتها العلوم المختلفة نظرية أو تجريبية أو
    اجتماعية أو إنسانية الأمر هذا فظلاً عن الأزمة الأخلاقية التي نتجت عن
    الارتباطات السياسية والدينية للاستشراق الأمر الذي أدى إلى استغلال
    المعرفة الاستشراقية بواسطة القوى السياسية الاستعمارية والقوى الدينية
    التنصيرية والصهيونية وأخيراً هناك الأزمة التي أوجدها الاستشراق في
    العلاقة بين الشرق والغرب وبخاصة العلاقة بين المسلمين والغرب وما تولد عن
    هذه الأزمة في العلاقات من صراع ديني حضاري بين الإسلام من ناحية وديانات
    الغرب من ناحية أخرى .

    وهذه الأزمة لها أسبابها ومظاهرها ولها أيضاً نتائجها وآثارها.

    أولاً : أسباب الأزمة وهي :

    1- التبعية الاستشراقية للاستعمار والتنصير والصهيونية.

    2- تطور العلوم الاجتماعية والإنسانية في الغرب.

    3- غياب المنهج في الاستشراق .

    4- الصحوة الإسلامية ومواجهة الاستشراق والتنصير.



    1- التبعية الاستشراقية للاستعمار والتنصير والصهيونية :

    من المعروف تاريخيا أن الاستشراق ارتبط منذ بدايته بقوى مختلفة من
    أهمها القوى السياسية التي رأت في الإسلام والمسلمين عدواً للغرب
    وللنصرانية ولليهودية منذ ظهور الإسلام وانتشاره في بلاد كانت نصرانية
    الأصل، بل تمثل قلب العالم النصراني مثل منطقة الشرق الأدنى القديم وبخاصة
    فلسطين التي يعدها النصارى واليهود أرضاً مقدسة شهدت مولد الديانتين
    اليهودية والنصرانية. وشهدت أيضاً ظهور أنبياء بني إسرائيل ومن بينهم عيسى
    عليه السلام وبها الآثار الدينية والتاريخية المقدسة في هاتين الديانتين.

    كما انتشر الإسلام فيما بعد في بلاد نصرانية خارج حدود الشرق الأدنى
    القديم في أوروبا وأفريقيا حيث حل الإسلام محل النصرانية في البلاد التي
    كانت خاضعة للدولة البيزنطية، ثم تمكن المسلمون من فتح الأندلس وجزر البحر
    المتوسط كما توغلت الفتوحات العثمانية في قلب القارة الأوروبية. وقد أدى
    هذا السقوط لمعظم بلاد النصرانية في يد المسلمين إلى اعتبار الإسلام
    والمسلمين العدو الأول للغرب، وبدأت استعدادات الغرب لاسترجاع الأرض
    النصرانية والهجوم على الإسلام في الوقت نفسه، فقام الغرب بحملاته الصليبية
    لاسترداد بيت المقدس وكل الأراضي النصرانية السابقة (بزعمه) كما استعد
    الغرب فكرياً ودينياً لمواجهة الإسلام بتشجيع الاستشراق وحض المستشرقين على
    الحصول على المعرفة الإسلامية وترجمة معاني القران الكريم والاستعداد
    لتكوين جبهة فكرية دينية لمهاجمة الإسلام.

    وبعد فشل الحروب الصليبية استمر الهجوم الفكري الديني إلى مرحلة
    الاستعمار الحديث الذي جمع من جديد بين الهجوم العسكري والهجوم الفكري وهو
    الوضع الذي استمر إلى التاريخ المعاصر حيث انتهى الاستعمار الغربي لبلاد
    المسلمين واستمر الهجوم الديني والفكري .

    وواضح من هذا العرض التاريخي السريع أن علاقة العرب بالإسلام
    والمسلمين مبنية على أساس من العداوة والكراهية واستخدام كل الوسائل
    الممكنة لمواجهة الإسلام والمسلمين. وخلال هذا الصراع الطويل أصبح
    الاستشراق علماً تابعاً للقوى الغربية السياسية والدينية ولم ينفصل عنها
    سوى في خلال مراحل انحسار المد الاستعماري أو فشل الجهود العسكرية، ولذلك
    فالمواجهة الفكرية والدينية أطول عمراً واستمرارية من المواجهة العسكرية.
    ولم يشعر المستشرقون بحرج من علاقاتهم بالقوى السياسية والدينية في بلادهم
    وفي الغرب بعامة فالإسلام عدو الجميع سواءً كانوا سياسيين أم مفكرين أم
    سياسيين . فالمستشرق مواطن ينتمي إلى بلده ويشعر بأنه يؤدي واجبه ويعمل على
    تحقيق مصالحها بصرف النظر عن كون معرفته أو علمه مستغلاً من جانب القوى
    السياسية والدينية. فهو مواطن لا يمكن عزله عن بلده ومصالحه ولم يشعر
    المستشرق بحرج من هذه العلاقة خاصة في الفترات الاستعمارية الطويلة مثل
    فترة الحروب الصليبية التي زادت عن قرنين وفترة الاستعمار الحديث التي غطت
    ثلاثة قرون تقريباً ".

    وأود أن أضيف إلى هذا الارتباط بعض الحقائق التي أصبحت معروفة عن
    ارتباط الاستشراق أو الدراسات العربية الإسلامية بالدول الغربية التي من
    أهدافها استمرار الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي في المجالات
    المختلفة: السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وأبدأ ببريطانيا
    فهي التي احتلت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي فقد اقترح أحد أعضاء
    البرلمان البريطاني عام 1916م إنشاء معهد للدراسات العربية والإسلامية في
    بريطانيا. فقد كلفت الحكومة البريطانية لجنة حكومية عام 1947م برئاسة
    الايرل سكاربرو لدراسة أوضاع الدراسات العربية الإسلامية في الجامعات
    البريطانية، وتقديم المقترحات اللازمة لاستمرار هذه الدراسات وتطويرها. وقد
    أعدت اللجنة تقريراً مؤلفاً من حوالي مائتي صفحة عدّه الدكتور خليق نظامي
    دستور الاستشراق الحديث. حيث أوضحت استمرار حاجة بريطانيا لمعرفة الشعوب
    العربية الإسلامية والحاجة إلى متخصصين في هذا المجال.

    وقامت الحكومة البريطانية بتأليف لجنة أخرى عام 1961م برئاسة السير
    وليام هايتر لدراسة أوضاع الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات
    البريطانية وقامت اللجنة بتمويل من مؤسسة روكفللر بزيارة عدد من الجامعات
    الأمريكية والكندية للإفادة من التجربة الأمريكية والكندية في هذا المجال.
    وأصدرت تقريراً ضخماً ضمنته توصيات كثيرة منها ضرورة استمرار هذه الدراسات
    وتخصيص ميزانيات لدعم هذه الدراسات، واقتراح إنشاء أقسام علمية جديدة.

    أما في الولايات المتحدة فإنها بعد الحرب العالمية الثانية وجدت أنها
    يجب أن تحل محل النفوذ البريطاني ولمّا لم تجد العدد الكافي من المتخصصين
    في الدراسات العربية الإسلامية فقد عرضت على عدد من كبار المستشرقين
    الأوروبيين العمل في الجامعات الأمريكية ومن هؤلاء على سبيل المثال هاملتون
    جيب الذي أسس قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد ، ونال جيب مكانة
    رفيعة في هذه الجامعة. كما استقدمت جوستاف فون جرونباوم بجامعة كاليفورنيا
    بلوس انجلوس، وبرنارد لويس الذي عمل عدد من السنوات أستاذاً زائراً حتى
    انتقل كلياً إلى جامعة برنستون عام 1974.

    وأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوماً بتوفير مبالغ ضخمة لدعم مراكز
    دراسات الشرق الأوسط في عدد من الجامعات الأمريكية ( أربع وعشرين جامعة )
    من بينها جامعة برنستون وجامعة نيويورك وجامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس
    وفي بيركلي وجامعة انديانا في بلومنجتون وغيرها. وما تزال هذه الجامعات منذ
    الخمسينيات وحتى هذا العام 1997 تتلقى الدعم الحكومي الأمريكي. ولم يقتصر
    الدعم الحكومي الأمريكي على هذه الجامعات فهناك معاهد ومراكز بحوث كثيرة
    تتلقى الدعم المباشر من الحكومة الأمريكية. وبالتالي فان الغالبية العظمى
    من الباحثين (المستشرقين) يعملون لدى الحكومة الأمريكية.([3])

    وفي عام 1985 عقدت لجنة الشؤون الخارجية جلسات استماع لعدد كبير من
    الباحثين في مجال الدراسات العربية الإسلامية ونشرت محاضر الجلسات في كتاب
    بلغت عدد صفحاته أكثر من أربعمائة صفحة وشارك فيه عشرات الباحثين المتخصصين
    في هذا المجال. ( وقد قامت مجلة المجتمع الكويتية بنشر معظم هذا التقرير
    في أربع وخمسين حلقة.قبل احتلال العراق الكويت)([4])

    وقد كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تمتنع ظاهراً الإفصاح
    عن صلتها بهذه الدراسات حتى إنها عندما اكتشف صلتها بمؤتمر علمي بجامعة
    هارفارد قبل عدة سنوات قام ناداف سافران الأستاذ بجامعة هارفارد والمسؤول
    عن تنظيم المؤتمر بتقديم استقالته وتم إلغاء المؤتمر. ولكن الأمر تغير مع
    ازدياد نفوذ الجماعات الإسلامية في الدول العربية الإسلامية فأصبحت هذه
    الوكالة تتبنى عقد ندوة شهرية للمتخصصين في الدراسات العربية الإسلامية
    (وبخاصة الأصولية) لمساعدة الحكومة الأمريكية في التعامل مع هذه الظاهرة.

    وأود أن أضيف أيضاً إلى مسألة ارتباط الدراسات العربية الإسلامية
    بنزعة الغرب إلى الهيمنة والسيطرة (الاستعمار سابقا) أن ما تقوم به
    المؤسسات غير الحكومية (ذات الهدف غير التجاري) مثل مؤسسة روكفللر ومؤسسة
    فورد ومؤسسة كارينجي في تمويل الدراسات العربية الإسلامية يعد تأكيداً
    للنزعة التي ذكرنا سابقاً. وقد انضمت بعض الدول العربية الإسلامي إلى دعم
    هذه الدراسات بهدف تحقيق أهداف معينة ففي نشرة مركز دراسات الشرق الأدنى
    والأوسط التابع لجامعة لندن (مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية) نجد أسماء
    مكاتب المعلومات التابع لعدة دول عربية وهذه المكاتب إنما هي فروع
    لاستخبارات تلك الدول. ويكفي المرء الرجوع إلى مقدمات بعض الكتب
    الاستشراقية ليجد الدعم السخي الذي يتلقاه هؤلاء الباحثون من هذه المؤسسات.
    ومن الأمثلة القريبة جداً قيام باحث من مؤسسة راند بكاليفورنيا-هو جوزيف
    كيششيان- بإعداد دراسة عن الأوضاع الأمنية في المملكة العربية السعودية .
    والمرء يتساءل وما علاقة هذه المؤسسة بمثل هذه الموضوعات؟ كما أن هذا
    الباحث وجد دعماً من وكالة استعلامات الولايات المتحدة في المملكة ليجتمع
    مع عدد من أساتذة الجامعات والباحثين والمثقفين السعوديين في رحابها.([5])

    أما ارتباط الاستشراق بالتنصير فان المعاهد اللاهوتية والتنصيرية ما
    تزال تقوم بجهود كبيرة في القيام بنشر البحوث والدراسات حول العالم
    الإسلامي. ويمكن أن نشير إلى مؤتمر كولورادو التنصيري الذي ضم مئات
    المنصرين من كل أنحاء الولايات المتحدة ونشرت بحوثه في أكثر من ألف صفحة
    يتناول أدق التفاصيل عن الأوضاع الاعتقادية والاجتماعية والاقتصادية
    والسياسية للعالم الإسلامي. ويمكن أن نضيف بان الجامعات الأمريكية التي
    تتبنّى العلمانية تسمح للمنصرين الدراسة في أقسام الدراسات العربية
    والإسلامية فمن ذلك أن هـ. كونوي زيجلر قد أعد رسالته للماجستير حول
    التنصير في الخليج العربي من عام 1889حتى 1973م في جامعة برنستون، ولم
    يعدها في كلية لاهوتية.

    والارتباط بالصهيونية أمر قد لا يكون واضحاً بسهولة ولكن المتمعن في
    العلاقات بين دولة يهود والجامعات الأمريكية ومراكز البحوث يجد أن هناك
    تعاوناً وثيقاً بالإضافة إلى العدد الكبير من الباحثين الأمريكيين الذين لا
    يفصحون عن انتمائهم اليهودي الصهيوني. كما أن مراكز بحوث ومعاهد الشرق
    الأوسط في الجامعات اليهودية في إسرائيل دائمة الاتصال بالجامعات
    الأمريكية. وقد اطلعت على نشرة مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الأوسط
    وأفريقيا فوجدت أن هذا المركز يبعث بالعديد من باحثيه للاتصال بالجامعات
    الأمريكية وكذلك الاتصال بوزارات الخارجية ومراكز صناعة القرار السياسي
    الغربي. فهل نفطن نحن في العالم الإسلامي إلى أهمية مثل هذه الاتصالات
    لتعريف العالم بوجهات نظرنا؟

    2- تطور العلوم الاجتماعية والإنسانية وأثره في تعميق الأزمة:

    ازدادت ظاهرة غياب المنهج في الدراسات الاستشراقية حدة في القرنين
    الأخيرين مع تطور العلوم الاجتماعية والإسلامية واعتمادها على مناهج علمية
    واضحة في دراسة الجوانب الاجتماعية والإنسانية. ومن المعروف أن نشأة العلوم
    الإنسانية والاجتماعية تعود إلى عصر النهضة الأوروبية وفيما بعد عصر
    التنوير الأوروبي الذي قامت فلسفته الفكرية على أسس عقلية نقدية تحليلية
    معتمدة -اعتماداً كلياً- على العلم الحديث الذي تطور منذ عصر النهضة. وتم
    إخضاع الآداب والفنون ونصوص الكتاب المقدس (في اليهودية والنصرانية)
    للتحليل العقلي والنقد القائم على أساس من البحث التاريخي النقدي والقائم
    -أيضاً- على أساس نقد النصوص. وقد تمت هذه العملية في حرية تامة في زمن
    انفصل فيه الدين عن العلم في الغرب، وأصبح العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة،
    وتم إخضاع المعرفة الدينية لسلطة العقل. وخضعت الدراسات الإنسانية
    والاجتماعية للمناهج العقلية نفسها، وبدأت في التطور مجموعة جديدة من
    العلوم التي عرفت فيما بعد باسم العلوم الإنسانية والاجتماعية.

    ورغم البدايات القديمة لهذه العلوم، فإنها لم تأخذ شكل العلم إلاّ في
    القرون الثلاثة الأخيرة حيث أصبحت علماً مميزة بمنهج ومحتوى معروفين، ومالت
    إلى التخصصية بل تشعبت أيضاً- فيما بعد- إلى علوم متفرعة عن أصل علمي
    واحد. فمثلاً: تشعب علم الاجتماع إلى عدة علوم اجتماعية :

    أ‌- علم الاجتماع النفسي،

    ب-علم الاجتماع الحضري

    جـ- علم الاجتماع الريفي

    د-علم الاجتماع الديني

    هـ- علم الاجتماع الصناعي. واستقل علم الإنسان عن هذا العلم وتشعب بدوره
    إلى علوم عدة مثل: علم الانثروبلوجيا الثقافية، والدينية وعلم الأجناس ..
    وهكذا بالنسبة لبقية العلوم الاجتماعية التي تشتمل على ما سبق من المسميات،
    والعلوم الإنسانية المشتملة على علم التاريخ، والأدب واللغة، والفنون،
    والدين.

    وقد وضع تطور هذه العلوم ذات المحتوى والمنهج الواضحين الاستشراق في
    أزمة منهجية، وسبق القول ذكر غياب المنهج في الدراسات الاستشراقية، وقد كان
    ذلك مقبولاً في الماضي لان معظم العلوم لم يكن لها مناهج واضحة. كما أن
    العلاقات بين العوم المختلفة لم تكن قد حسمت بشكل يدع كل علم مستقلاً عن
    الآخر محتوى ومنهجاً.

    والخاصية الأساسية في العلوم الإنسانية والاجتماعية هو ميلها الواضح
    إلى التخصص وهو ما يفتقد إليه الاستشراق الذي اتسم بالموسوعية والشمولية
    المعرفية. وبهذا وجد المستشرق نفسه مضطراً إلى تحديد موقفه العلمي من هذه
    العلوم ذات التخصص الواضح والمنهج المبين . وقد طرح هذا السؤال لان
    الاستشراق يعالج كل الموضوعات الإنسانية والاجتماعية المرتبطة بالشرق، وهو
    يفعل ذلك دون منهج واضح وبعيداً عن التخصصية التي تميزت بها العوالم
    الأخرى. ومن الأسئلة المطروحة مثلاً: كيف يدرس المستشرق المجتمع المسلم؟ هل
    يطبق عليه المنهج المستخدم في علم الاجتماع لدراسة المجتمعات.

    ولكننا يجب أن نضيف هنا -مع التقدير والاحترام للدكتور خليفة- أن
    الاستشراق التقليدي الذي كان يهيمن على مجالات الدراسات العربية والإسلامية
    قد اختفى إلى حد كبير- ونقول ذلك بسبب وجود بعض الباحثين الغربيين
    المعاصرين الذين يخوضون في كل ما يخص الإسلام والمسلمين- وأصبحت دراسة
    العالم الإسلامي تتم بالتنسيق بين قسم دراسة الشرق الأدنى أو الأوسط وبين
    الأقسام المختلفة . بل أصبح دور هذه الأقسام أو المراكز كما يطلق عليها في
    بعض الجامعات هو دور المنسق بين مختلف التخصصات. وفي جامعة كاليفورنيا فرع
    بيركلي تتم دراسة العالم الإسلامي في ثمانية عشر قسماً. وقد لاحظت في جامعة
    برنستون رسائل علمية للماجستير والدكتوراه تتم بالتنسيق بين قسم الاستشراق
    وبين قسم الاجتماع أو قسم الأنثروبولوجي أو الاقتصاد وهكذا.

    3- غياب المنهج في الاستشراق:

    نظراً لان نشأة الاستشراق وتطوره كان رد فعل لظهور الإسلام وانتصاره
    على اليهودية والنصرانية وانتشاره في المناطق التي كانت تابعة لهاتين
    الديانتين أصبح الاستشراق يمثل اتجاهاً فكرياً معادياً للإسلام منذ
    البداية، ولهذا السبب افتقد الاستراق مقومات العلم والمعرفة الموضوعية التي
    تسعى إلى اكتساب المعرفة ذاتها، ومعرفة الأمور معرفة موضوعية.

    وتطور الاستشراق وهو يساير حركة الإسلام كدين في انتشاره ومواكباً
    للمسلمين في قوتهم وضعفهم وهو يحاول جاهداً أن يضع العراقيل أما انتشار
    الإسلام ويجابه المسلمين كقوة سياسية ودينية وحضارية وعلى الرغم من تعدد
    مجالات الاستشراق ووجود مجال علمي محدد سعى فيه بعض المستشرقين إلى المعرفة
    الإسلامية كموضوع للقراءة والاطلاع والبحث لكن غلب على الاستشراق من موقف
    العداء والكراهية، وبالتالي لم يتمكن المستشرقون من تكوين رؤية موضوعية عن
    الإسلام كما لم يتمكنوا من تطوير منهج واضح يدرس الإسلام من خلاله وقد
    تراكمت المعرفة الاستشراقية عبر القرون وغطت كل مجالات الإسلام وأصبحت تمثل
    كماً معرفياً ضخماً غير قابل للتصنيف العلمي وغير متحد في منهجيته، وهناك
    عدة أسباب يمكن ان تفسر غياب المنهج في الدراسات الاستشراقية :

    أ- عدم ظهور الاستشراق منذ البداية كعلم واضح له مجاله المحدود وله منهجيته
    المحدودة فالاستشراق كما ذكرنا تراث ضخم من المعرفة حول الإسلام تراكمت
    عبر القرون وأصبح من الصعب إخضاعها للوصف العلمي المنهجي خاصة وان
    المستشرقين الأوائل لم يهتموا بأمور المنهج قدر اهتمامهم بتشويه المضامين
    الإسلامية وتحريف الحقائق حول الإسلام ووضع الأساليب والوسائل التي توصل
    إلى تحقيق هذا الهدف غير العلمي بل إن هناك ما يمكن تسميته بسوء استخدام
    المنهج والمقصود بهذا إخضاع المنهج لتحقيق أهداف الاستشراق. أو استخدام
    العناصر المنهجية استخداماً خاطئاً من أجل تحقيق أهداف التشويه.

    ب- تغطية الاستشراق كل مجالات الفكر الإسلامي جعل من الصعب تطوير منهج واحد
    يمكن تطبيقه على كل هذه المجالات، فالدراسات الاستشراقية حول الإسلام تغطي
    المجالات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واللغوية والأدبية
    والفنية والأخلاقية والفلسفية والعلمية التجريبية مثل مجالات العلوم عند
    المسلمين كالطب والكيمياء والصيدلة والرياضيات والفلك. ومن المعروف أن كل
    مجال من هذه المجالات يغطي علماً من العلوم أو فناً من الفنون له منهجه
    الخاص به وقيام المستشرق الواحد بدراسة الإسلام هذه الدراسة الشمولية معناه
    أن يعمل المستشرق بأكثر من منهج في الوقت الواحد فهو إذا اشتغل بالاقتصاد
    الإسلامي يستخدم المنهج المناسب لهذا المجال ، وإذا درس المجتمع الإسلامي
    فهو يستخدم المنهج الاجتماعي وإذا درس الدين والعقيدة الإسلامية فهو يستخدم
    المنهج الديني (اللاهوتي)، في الفلسفة يستخدم المنهج الفلسفي وهكذا.

    4- الصحوة الإسلامية ودورها في تطوير النقد الإسلامي للاستشراق.

    تعود أزمة الاستشراق المعاصر إلى سبب إسلامي يضاف إلى الأسباب الأخرى
    التي نتجت بفعل الأسباب الخارجية التي تخص الاستشراق بصفتها حركة فكرية
    غربية، فقد أدت الصحوة الإسلامية إلى تطور وعي ديني قوي أدى إلى عودة
    إسلامية إلى مصادر الدين، وإلى حركة علمية إسلامية ضخمة تناولت جميع جوانب
    الفكر الإسلامي، كما أدت إلى معرفة إسلامية جيدة بالغرب وحضارته وثقافاته.
    وقد اصبح المسلمون - بفضل الله ثم بفضل هذه الصحوة- على وعي كامل
    بالاستشراق بصفته حركة من الحركات التي المناهضة للإسلام فترجمت بعض أعمال
    المستشرقين إلى اللغة العربية ولغات إسلامية أخرى، وكتبت مؤلفات إسلامية
    باللغات الأوروبية تقدم الإسلام إلى الغرب بصورة سليمة، ونتج عن هذا حركة
    إسلامية نقدية لأعمال المستشرقين، وبدأ المسلمون يتعاملون مع الاستشراق
    تعاملاً علمياً، ينقدون سلبياته ويعترفون بإيجابياته ويشتركون في مؤتمرات
    المستشرقين، وبدأ ظهور بعض الشخصيات العلمية المسلمة في الجامعات الغربية
    ومراكز بحوثها وهم بلا شك يسهمون في تغيير الصورة الاستشراقية التقليدية عن
    الإسلام والمسلمين. ومن أمثال هؤلاء الدكتور إسماعيل راجي فاروقي،
    والدكتور خالد يحي بلانكنشب، وجاكسون، وسليمان ناينج، وابراهيم العاني،
    وغيرهم- وان كانوا قلّة.

    وقد أحس المستشرقون بهذا النقد الإسلامي لأعمالهم، وعرفوا انهم فقدوا
    ثقة المسلمين في الاستشراق، في الوقت الذي ازداد المستشرقون اتصالاً
    بالعالم الإسلامي فحصل بعضهم على الصور الحقيقية لهذا المجتمع، كما كان
    لبعض الأعمال الإسلامية الناقدة للاستشراق أثر كبير في تعميق أزمة
    الاستشراق وكشفه أمام أصحابه كقوة فكرية مناصرة للاستعمار والتنصير
    والصهيونية. ويمكن أن نعود بنقد الاستشراق إلى بداية القرن العشرين أو قبل
    ذلك بقليل فقد وردت بعض العبارات في كتابات جمال الدين الأفغاني (تحتفل به
    إيران هذه الأيام) تشير إلى تأثير أبناء الأمة الذين يقلدون الغرب. كما
    لابد من ذكر ردود الشيخ محمد عبده على رينان وهناتو وغيرهما من الفلاسفة
    الفرنسيين. وبعد ذلك عندما برزت الحركات الإسلامية الداعية إلى إخراج
    المستعمر من العالم الإسلامي نجد انه كان من بين اهتمامات هذه الحركات الرد
    على المستشرقين وعلى الإعلام الغربي في تعرضه للإسلام. ففي الجزائر مثلاً
    كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في صحفها المختلفة وكذلك مجلة "
    الشهاب " التي أصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس تهتم بالرد على الاستشراق.
    ويمكننا أن نجد ردوداً على الاستشراق في صحف الإخوان المسلمين في مصر ،
    وبعد ذلك في مجلة (الرسالة) المصرية وغيرها من المجلات . ولا بد من الإشارة
    إلى كتاب الدكتور مصطفي السباعي رحمه الله (السنّة ومكانتها في التشريع
    الإسلامي) فهو من الكتب الرائعة في تفنيد كلام المستشرقين، وكذلك كتابه
    (المرأة بين الفقه والقانون). كما كان رحمه الله رائداً في القيام بجولات
    ميدانية لمعاقل الاستشراق والحوار مع المستشرقين.

    ومن العرب المسلمين الذين كتبوا باللغة الإنجليزية الدكتور عبد
    اللطيف الطيباوي الذي نشر مقالتين في مجلة " دراسات إسلامية " التي يصدرها
    المركز الثقافي الإسلامي بعنوان (نقد المستشرقين الناطقين باللغة
    الإنجليزية) وقام الدكتور قاسم السامرائي بترجمتهما ونشرهما في كتاب عن
    إدارة النشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ولا بد أن نذكر أن
    كتابات سيد قطب رحمه الله فيها ردود على الاستشراق، وكذلك كتب الأستاذ محمد
    قطب ومنها كتابه (شبهات حول الإسلام) و(المذاهب الفكرية المعاصرة) وكتابه
    (واقعنا المعاصر) وغيرها. وأضيف هنا كتابات الدكتور محمد محمد حسين رحمه
    الله ومنها كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) وكتابه (الإسلام والحضارة
    الغربية) بالإضافة إلى كتابه المهم (الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي
    الحديث) ولم يكتف الدكتور حسين بنقد الاستشراق بل تناول من تأثر بهم من
    أبناء المسلمين. ومن الذين تناولوا الاستشراق بالنقد الأستاذ محمود شاكر
    (أبو فهر) في كتابه (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) وهو مقدمة لكتابه عن
    المتنبي. ولا يمكن أن ننسى الأستاذ الكبير أنور الجندي –رحمه الله تعالى-
    فله كتابات كثيرة جداً حول نقد الاستشراق وان كان ينقصها التوثيق العلمي
    الدقيق، لكنها مهمة في تنوير عامة القراء من مخاطر الاستشراق والتنصير فله
    جهود كبيرة ورائدة في هذا المجال. وأختم بذكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
    فقد كتب الكثير عن مطاعن المستشرقين.

    كما كانت هناك أعمال غربية ناقدة للاستشراق ومطالبة لتغيير وجهة
    الاستشراق وتصحيح صورته عند المسلمين . ومن أهم هذه الكتب : الكتاب الذي
    حرره ليونارد بايندر Leonard Binder بعنوان: "دراسة الإسلام" الصادر عام
    1976م، واشترك فيه عدد من كبار المستشرقين تناول كل منهم مجالاً من
    الدراسات الاستشراقية ونقده نقداً علمياً وطالبت الدراسة بمراجعة العمل
    الاستشراقي وتصحيح أخطاء منهجه ونقد الاتجاه التنصيري في دراسة الإسلام،
    وتقديم مقترحات علمية تخص تصحيح مسيرة الاستشراق.

    ومن الأعمال الغربية الأخرى المهمة في نقد الاستشراق وكشف صلته
    بالاستعمار والتنصير كتاب إدوارد سعيد( الاستشراق). ومن فضائل الصحوة أيضاً
    أنها نبهت المسلمين إلى الغزو الثقافي الغربي، وإلى عملية تغريب العالم
    الإسلامي التي يعتبر الاستشراق مسؤولاً عنها. وللصحوة الإسلامية أيضاً دور
    في مقاومة هذا الغزو وردّ المسلمين إلى أصولهم وتقوية وعيهم بدينهم
    وحضارتهم وبأفضلية الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية.

    ونتيجة لهذه الجهود تم كشف الاستشراق كقوة معادية للدين والحضارة
    الإسلامية. وقد أفادت هذه الجهود في اعتراف بعض المستشرقين بأخطاء
    الاستشراق ومحاولة تغيير الاستشراق بل الهروب من هذه التسمية إلى مسميات
    أخرى إما لتضليل المسلمين أو كاعتراف مباشر بأخطاء المرحلة السابقة من
    تاريخه والرغبة في دخول مرحلة جديدة يتخلص فيها الاستشراق من سلبيات
    الماضي.

    ويضاف إلى ما سبق التقدم العلمي في مجال دراسات الاستشراق عند
    المسلمين، فقد بدأت هذه الدراسات تدخل مرحلة جديدة ابتعدت فيها عن
    العمومية في المعالجة والعاطفة في التعامل مع الاستشراق والمستشرقين،
    وتطورت نظرة علمية نقدية تحلل الأعمال الاستشراقية وتنقدها وتتعرف على
    إيجابياتها للإفادة منها، والتعرف على سلبياتها ومن بينها الشبهات المثارة
    لتفنيدها والرد عليها رداً علمياً مستنداً إلى المصادر الإسلامية الصحيحة
    وإلى المنهج العلمي السليم وإلى المصادر الاستشراقية ذاتها، وذلك بالعودة
    إلى آراء المستشرقين المختلفة حول الموضوع الواحد والرد على بعضهم بآراء
    البعض الآخر، وتوضيح التناقض الاستشراقي.

    ومن بين علامات النهضة العلمية في دراسة الاستشراق إدخال مناهج دراسية
    عن الاستشراق والتنصير في بعض كليات المرحلة الجامعية وبخاصة في كليات
    الشريعة والدعوة والاهتمام بالرد على آراء المستشرقين في العديد من المناهج
    الأخرى مثل: مناهج التاريخ واللغة والأدب وغيرها. حيث أصبح المعلمون على
    وعي كاف بآراء المستشرقين في تخصصاتهم بعد دراستهم لها في مرحلتهم الجامعية
    أو في دراساتهم العليا فينتقدون آراءهم إجمالاً في المناهج التي
    يدرّسونها.

    أما التقدم الحقيقي في مجال دراسة الاستشراق فيظهر في اهتمام الجامعات
    الإسلامية بإنشاء مراكز للدراسات الاستشراقية وتنفرد جامعة الإمام محمد بن
    سعود الإسلامية بإنشاء قسم للدراسات الاستشراقية وهو قسم علمي مستقل وهو
    القسم الوحيد من نوعه في العالم الإسلامي.([6])
    وفي هذا القسم يدرس الاستشراق موزعاً على عدة مجالات علمية، وعلى عدد من
    المناهج المحددة التي تغطي الدراسات الاستشراقية تغطية كاملة. وفي المراكز
    التي أنشئت في العالم الإسلامي مراكز بحوث الشرق الأوسط في مصر والأردن ،
    ومراكز الدراسات الشرقية في مصر، ومراكز البحوث الإسلامية المنتشرة في كثير
    من البلاد الإسلامية. وبعض المراكز المتخصصة مثل مركز الدراسات العثمانية
    في القاهرة، ومركز الدراسات الاستشراقية والحضارية بكلية الدعوة بالمدينة
    المنورة ووحدة بحوث الاستشراق والتنصير التابعة لعمادة البحث العلمي بجامعة
    الإمام بالرياض. وكل هذا يدل على نهضة إسلامية لمواجهة الاستشراق مواجهة
    علمية فكرية ودينية حضارية على أسس علمية وبعيداً عن التعميم والعواطف التي
    أثرت في الكتابات الإسلامية عن الاستشراق في العقود الماضية.

    مظاهر الأزمة الاستشراقية:

    من أبرز مظاهر الأزمة الاستشراقية ما يأتي:

    1- غياب المستشرق التقليدي وظهور الخبير :

    بدأت الدوائر الاستشراقية في أوروبا وفي أمريكا - على وجه الخصوص-
    تهتم بالواقع السياسي و الديني والاقتصادي والاجتماعي للشعوب الشرقية، وقد
    تم بهذا التحول من الدراسات الاستشراقية التقليدية - أو ما يسمى
    بالكلاسيكية- إلى دراسة الواقع الشرقي، وبدأ المستشرقون يهجرون المجالات
    الاستشراقية التقليدية مثل: مجالات القران، والحديث، والعقيدة الإسلامية،
    والفقه، والسيرة النبوية، والفرق الإسلامية، ومجالات التاريخ الإسلامي
    والحضارة الإسلامية، ومجالات الأدب واللغة، وبدأوا يتجهون إلى دراسة
    الأوضاع الاجتماعية للمجتمعات المسلمة من النواحي السياسية والدينية
    والاقتصادية والاجتماعية.([7])

    ويشير هذا التحول الخطير إلى ندرة الموضوعات العلمية وغياب المستشرق
    المهتم بعلوم القران والحديث والفقه والشريعة وحل بدلاً منه الخبير-
    والكلمة تعني إنساناً غربياً أو غير غربي متخصص فيما يعرف بشؤون الشرق
    الأوسط- أي بالأمور المالية والأوضاع التي تمر بها شعوب الشرق الأوسط
    وغيرها من شعوب الشرق.

    والكلمة تشير -أيضاً- إلى وظيفة يقوم صاحبها بتوفير المعلومات الحديثة
    اللازمة للدوائر السياسية والاقتصادية في بلد أوروبي له اهتماماته ومصالحه
    السياسية والاقتصادية في العالم الإسلامي وبقية بلاد الشرق. وهذا الخبير
    ليس لديه دراسة علمية بمجالات الاستشراق التقليدية، وتنقصه الخلفية العلمية
    في موضوعات الاستشراق التقليدية -إلاّ في حدود ما يحتاج إلى تفسيره من
    ظواهر حديثة أو أمور واقعة بربطه بشي من الماضي لشعوب الشرق. والمعلومات
    التي يقدمها للدوائر السياسية والاقتصادية معلومات حية بعيدة عن التوجه
    الاستشراقي أو الرؤية المذهبة الاستشراقية، فخدماته لا تنتمي إلى علوم
    الاستشراق، ولكنها خدمات في شكل تحليلات سياسية ودينية -أحياناً- تستفيد
    منها الدوائر المعنية.

    2-ظهور مراكز الدراسات الإقليمية:

    وقد نتج عن هذا غياب مراكز الاستشراق التقليدية، وظهور ما يسمى
    بمراكز بحوث الشـرق الأوسط، أو مراكز بحوث ذات طابع إقليمي تهتم بمتابعة
    الشؤون السياسية والاقتصادية لبلد من بلدان الشرق أو لإقليم منه. فهناك
    مراكز لبحوث الشرق الأوسط، ومراكز لبحوث الشرق الأقصى، ومراكز مرتبطة ببلد
    معين مثل: مركز البحوث الإيرانية، أو مركز البحوث اليابانية أو التركية أو
    الصينية أو معهد الدراسات اليمنية، فهي مراكز متخصصة في بلد واحد، واضطر
    الغرب إلى غلق معظم المراكز التقليدية. واستبدالها بالمراكز الإقليمية أو
    القطرية. ووظيفة المركز ككـل هي تقديم الخبرات في مجالات السياسة والاقتصاد
    للدوائر التي تحتاجها مثل وزارات الخارجية والاقتصاد والمنظمات الإقليمية،
    أو الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة، ومنظمة اليونسكو وغيرها.([8])

    ويلاحظ متابعة هذه المراكز وخبرائها للأحداث الجارية، ولذلك تتم
    الاستعانة بهم في التلفزيون والإذاعة والصحافة، فضلاً عن الدوائر الحكومية
    في تفسير الوقائع التي تحدث في كل بلد، وتوقعات الخبير بالنسبة لمستقبل
    الحدث سياسياً أو دينياً.

    ويلاحظ أيضاً فقدان مراكز هذه البحوث استقلالها، وذلك بسبب ارتباطها
    المباشر وتمويل مشروعاتها من قبل جهات حكومية معينة أو شركات اقتصادية كبرى
    لها مصالح اقتصادية في الشرق.

    وعلى الرغم من الارتباط القديم بين الاستشراق والتنصير والاستعمار،
    فهذا الارتباط كان مرتبطاً بالمصالح الاستعمارية والتنصيرية في بعض
    الفترات، وهو ارتباط لم يلغ شخصية المستشرق، ولم يقض على توجهه العلمي
    الخاص به. أما الخبير الحال والمركز الذي يتبعه فهو لا يتمتع بالاستقلالية،
    ولكنه رغم انحسار الاستعمار يرتبط ارتباطاً مباشراً بالدولة صاحبة المصلحة
    السياسية والاقتصادية أو الشركة صاحبة المصلحة الأخيرة. ويشبه الخبير هنا
    بجامع المعلومات ذات الطابع الحديث عن بلد شرقي معين، ليست له (الخبير)
    أهداف علمية، ولا يسعى إلى تحقيق معرفة ذاتية، أو تحصيل فكر ثابت ولكنه جمع
    المعلومات ويحللها ويقدمها للجهة الرسمية التي تطلبها.

    وتعود نشأة الدراسات الإقليمية وتطورها الكبير في الفترة الحالية إلى
    توجه استشراقي أمريكي للتركيز على دراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية
    والدينية لبلد واحد أو مجموعة بلدان داخل إقليم واحد، ولذلك أطلق عليها اسم
    "الدراسات القطرية" إذا درست قطراً و" الدراسات الإقليمية " إذا درست
    إقليماً كاملاً. وهو توجه أمريكي لان أمريكا ليس لها تراث استشراقي تقليدي
    كبير، كما أنها-لأسباب داخلية- لم تهتم بالعامل الخارجي إلاّ بعد الحرب
    العالمية الأولى حيث بدأ الاهتمام بالعالم. وقد اكتشف الأمريكان النقض
    الشديد في الكوادر العلمية المتخصصة في تاريخ شعوب الشرق وحضاراتها
    وجغرافيتها وآدابها ولغاتها وأديانها. صحيح أن بعض الجامعات الأمريكية قد
    استعانت ببعض المستشرقين المهاجرين إلى أمريكا ضمن حركة الهجرة الأوروبية
    العامة إلى ما يسمى بالعالم الجديد، وحصل هؤلاء على وظائف تعليمية في
    الجامعات الأمريكية ، ولكن لقلتهم ونقص تنظيمهم واتساع أمريكا لم يتمكنوا
    من تكوين ما يمكن تسميته ب "الاستشراق الأمريكي التقليدي" ولذا يمكن وصف
    الاستشراق الأمريكي بأنه "استشراق معاصر".

    3-ضعف التكوين العلمي والأيدلوجي للمستشرق المعاصر.

    نشأة المستشرق التقليدي في ظل مذاهب دينية وفكرية قوية مسيطرة على
    الفكر الغربيمن أهمها :أ- المدرسة اليهودية في الاستشراق ب- المدرسة
    النصرانية بصفتهما مدرستين دينيتين قويتين ، وأيضاً في ظل عدد من
    الأيدولوجيات القوية منها العلمانية ، والشيويعية.

    وكل مستشرق تقليدي انتمى إلى واحدة من هذه المدارس والمذاهب يحقق لها
    أهدافها ويعمل من خلال منهجها، وقد تنوعت المدارس الاستشراقية بسبب تنوع
    المذاهب الفكرية الغربية -رغم الاتفاق في بعض المظاهر- إلاّ أن كل مدرسة
    تتميز عن الأخرى من خلال الأيديولوجية التي تمثلها.

    وبدأ هذا الوضع الاستشراقي القديم في التغير في القرن العشرين ،وبدأ
    الضعف الأيدولوجي يدب في الاستشراق لأسباب مرتبطة بالفكر الغربي في هذا
    القرن ، فالمستشرق ابن بيئته الفكرية ويتأثر بما يطرأ عليها من متغيرات
    مختلفة ومن أهمها:

    أ- تدهور الأوضاع الدينية اليهودية والنصرانية.

    ب- سيادة العقلانية في الفكر الغربي.

    جـ- سيادة العقلانية في الفكر الغربي.

    د- انتصار العلمانية

    هـ- سقوط الشيوعية.

    ز- ظهور المدرسة الإقليمية الأمريكية.


    أ-تدهور الأوضاع اليهودية والنصرانية الدينية.

    لا يمكن تحديد تاريخ معين لبداية هذا التدهور، ولكن من الممكن اعتبار
    تفتت اليهودية والنصرانية إلى عدة مذاهب هو العامل الأول في التدهور. فقد
    انقسمت اليهودية إلى عدة فرق، وكذا النصرانية مما أدى إلى تشتت عملية
    الدفاع الاستشراقية عن اليهودية والنصرانية، بل توزع المستشرقون أنفسهم إلى
    عدة مذاهب وأصبح كل منهم يدافع عن مذهبه الديني الخاص ضد الإسلام. فاختلفت
    حججهم، وتشتت جهودهم وذلك بانعكاس الاختلاف المذهبي على العمل الاستشراقي.
    ولعل هذا يلاحظ في التنصير كهدف استشراقي نصراني، فكل مستشرق ينصّر حسب
    مذهبه، ووفق معتقداته الدينية.

    ب- سيادة العقلانية في الفكر الغربي:

    فمنذ فصل الكنيسة عن الدولة في العصور الوسطى، ودخول الغرب في عصر
    النهضة ثم في عصر التنوير، أصبحت الحياة الغربية حياة لا علاقة لها بالدين،
    وتقوم على أساس من العقل المحض الذي طبق على الفكر الديني، وأُخضع الفكر
    اليهودي والنصراني للنقد العقلي، وأثبت هذا النقد الشغف العقلي للديانتين،
    وان المعتقدات لا يمكن للعقل تفسيرها فيهما بسبب زيادة الأساطير والخرافات
    والمتناقضات فيها. كما تم إخضاع الكتاب المقدس( بعهديه) للنقد العقلي،
    وأثبت علماء نقد الكتاب المقدس عدم إلهية هذه الكتب، وحددوا مصادرها
    الإنسانية، وفقدت بذلك مكانتها المقدسة واعتبرت من كتب الأدب العالي، بمعنى
    أنها تمثل أفضل ما استطاع الإنسان إنتاجه، وطبق عليها ما طبق على غيرها من
    الأعمال الكلاسيكية.

    ويعد زيادة العقلانية من الأسباب الرئيسة لتدهور الديانتين في الغرب، وتدهور وضع الكتب المقدسة عندهما.

    جـ- انتصار العلمانية

    ونتيجة رئيسة لتطبيق المنهج العقلي على الديانتين وكتبهما وإثبات
    إنسانيتهما وسيطرة الحياة العقلية في الغرب هي أن بدأت العلمانية في
    الانتشار حيث تخلّى الغرب عن دينه، وأصبحوا بلا دين ملحدين أو علمانيين وان
    حاولت بعض مذاهب الديانتين التوفيق بين معتقداتها والعلمانية، حيث أنشأت
    ما يمكن تسميته "علمانية دينية" وقد أثرت العلمانية في المستشرقين تأثيراً
    كبيراً، فتحول كثير منهم من مستشرقين يهود ونصارى إلى مستشرقين ملحدين
    وعلمانيين فسقط هدف الدفاع عن اليهودية والنصرانية ليظهر هدف جديد هو نشر
    الفكر العلماني في الشرق من خلال إبعاد المسلمين عن دينهم من غير إدخالهم
    في دين آخر. وهناك صعوبة في تحديد المستشرق العلماني، لان هويته غير محددة
    وبخاصة لاتساع العلمانية وتغطيتها لكل الفكر الغربي اللاديني.

    د- ظهور الاستشراق الأمريكي:

    وهو استشراق غير تقليدي، لان أمريكا ليس لها تاريخ استشراقي باستثناء بعض
    المهاجرين من المستشرقين الأوروبيين الذين حملوا معهم أفكار الاستشراق
    التقليدي، ولكن نظراً لقلتهم لم يكن لهم تأثير كبير على مسيرة الدراسات
    الاستشراقية هناك،بل خضعوا في النهاية للتوجه الاستشراقي الأمريكي حيث
    إهمال الدراسات التقليدية لأسباب عملية منها صعوبتها وعدم وجود الاستعداد
    اللغوي والعلمي للدخول في الاستشراق التقليدي الذي يعود تراثه إلى مدرسة
    فقه اللغة.

    هـ- سقوط الشيوعية:

    مثّلت الشيوعية- قبل سقوطها- واحدة من اكبر الأيديولوجيات في العصر
    الحديث وتمكنت من الوقوف في وجه الغرب الرأسمالي كمنافس قوي، من النواحي
    الفكرية والسياسية والعسكرية.وتكونت مدرسة كبيرة شيوعية في الاستشراق سيطرت
    على الدراسات العربية والإسلامية في كل أوروبا الشرقية ، وتمكنت من
    التغلغل في العديد من البلاد العربية الإسلامية، وأثرت في توجهات بعض
    مفكريها الذين تبنوا هذه النظرية وفسروا من خلالها الإسلام والأحداث
    الجارية في الشرق الأوسط. كما أصبح لهذه النظرية أتباع في أوروبا الغربية
    حيث ظهرت بعض الأحزاب الشيوعية القوية في فرنسا وإيطاليا ..الخ.

    وفجأة تبدأ الشيوعية في السقوط، ويتخلى أصحابها عن الأيديولوجية
    بكاملها وما يهمنا -في هذا الوقت- هو سقوط واحدة من أكبر المدارس
    الاستشراقية في العالم، وأصبح مصير هذه المدرسة مجهولاً. هل ستحدث فيها
    تغيرات جديدة فيما يتعلق بالدراسات العربية و الإسلامية؟ هل ستطور المدرسة
    القديمة من نفسها وتتكيف مع الأوضاع الجديدة؟ وإذا كان الاتحاد السوفيتي
    -السابق- يتجه الآن إلى النظام الغربي. فهل سينعكس هذا على الدراسات
    الاستشراقية فيها؟ أم سيكون هناك وجود لمدرستين فيها- مدرسة تقليدية
    يتولاها بقايا الشيوعيين، ومدرسة حديثة تأخذ بالفكر الرأسمالي أو
    الأيديولوجيات الأوروبية في دراسة الإسلام.

    وما موقف المتخصصين في الدراسات الإسلامية من أبناء المسلمين الذين
    كانوا بالأمس شيوعيين؟ ودرسوا الإسلام-بالفعل - من وجهة نظر شيوعية؟ هل
    سيكونون مدرسة إسلامية جديدة؟ أو سيتبعون إحدى المدرستين السابقتين.([9])

    ولا يمكن التكهن -الآن- بما سيحدث للدراسات الإسلامية والعربية، ولا
    بد من الانتظار بعض الوقت حتى تتضح الرؤى وتتبلور أفكار هذه المدارس حتى
    يمكن الحكم على توجهها في دراسة الإسلام.

    والعبرة التي نخرج بها من هذا السقوط المخجل للشيوعية ومدرستها
    الاستشراقية تكمن في: الضعف الأيدلوجي لمدارس الاستشراق -عامة- فقد بدأت
    معظم هذه الأيديولوجيات تدخل مرحلة من الضعف ستؤدي بها إلى السقوط
    الأيديولوجي وستؤدي بمدارسها الاستشراقي إلى الانهيار كذلك.

    فبعد الشيوعية ستدخل المدرسة الإلحادية والعلمانية في مراحل من الضعف
    كما دخلت المدرستان الدينيتان اليهودية والنصرانية في مرحلة التدهور
    الفعلي ويبدو أن العصر الذي نعيشه يشهد -بالفعل- عصر الأزمة الحقيقية
    للمدارس الاستشراقية.([10])


    ما هو الاستشراق ..... Line2

    - الحواشي :






    [1] -أنور عبد الملك . " الاستشراق في أزمة" ترجمة حسن قبيسي ، في " الفكر العربي المعاصر" عدد 32 في ص 70.

    [2] -المرجع نفسه ص 91.

    [3] –أشرنا في
    الصفحات الماضية إلى مرسوم جديد لم يمض عليه سنوات لتقديم مساعدات وتمويل
    لهذه الدراسات مع اشتراط عمل المنتسبين لهذه الأقسام للاستخبارات المركزية
    الأمريكية.

    [4]– انظر كتابنا
    الغرب في مواجهة الإسلام نشرت الطبعة الثانية عن الندوة العالمية للشباب
    الإسلامي بالمدينة المنورة عام 1418هـ وفيه إشارة لهذه الترجمة.

    [5] – وهل يمكن أن
    تقوم سفارات الدول العربية والإسلامية بدور شبيه بمساعدة الباحثين
    والأكاديميين العرب والمسلمين في إجراء بحوثهم في الدول الغربية وتوفر لهم
    الفرصة للقاء قادة الفكر في الغرب؟

    [6] – توقفت الدراسة
    في هذا القسم منذ عدة سنوات، وهناك اتجاه إلى تحويل القسم إلى مركز بحوث أو
    معهد للدراسات الاستشراقية، ولكن أرجو أن لا يتحقق هذا الأمر حيث إن القسم
    ينبغي أن يستمر وأن يزدهر بل أن يتطور إلى كلية للدراسات الأوروبية
    والأمريكية.

    [7] - إن المتابع
    للدراسات العربية الإسلامية في الجامعات الغربية يجد أن اهتمامهم
    بالموضوعات ( التقليدية) لم يتوقف فما زالت هناك دراسات حول القران الكريم
    والحديث الشريف ، والفقه واللغة والآداب، وما زالت الكتب الاستشراقية
    التقليدية تحتل مكاناً مرموقاً في مصادر الدراسات هناك. ومن ذلك أنني وجدت
    كتاب توماس آرنولد (الدعوة إلى الإسلام) مرجعاً لإحدى المواد الدراسية في
    جامعة جورجتاون بواشنطن. وكذلك الحال في جامعة أدنبرة ببريطانيا فقد أفاد
    الأستاذ طلال ملوش المبتعث من قسم الاستشراق إلى وجود تخصصات في العلوم
    الشرعية عندهم.

    [8] - مع تقديري
    للدكتور خليفة فليس هذا صحيحاً تماماً ففي مراكز دراسات الشرق الأوسط أو
    أقسام دراسات الشرق الأوسط ما تزال بعض المواد تتناول دراسة القران الكريم
    والحديث وغيرها من العلوم الشرعية ، فان فهم العالم الإسلامي لا يمكن أن
    يتم دون الإلمام الحقيقي بهذه المصادر. قد تكون هذه الدراسات أقل من السابق
    لكنها لم تتوقف كلياً.(مازن)

    [9] - ليس من الصعب
    معرفة أوضاع الشيوعيين السابقين فقد انضموا إلى صفوف الحكومات العلمانية

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 19 مايو 2024 - 22:58