بسم
الله الرحمن الرحيم
استشهاد
الحسين رضي الله عنه .. دراسة نقدية تحليلة
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
إن
يوم عاشوراء يمثل للرافضة يوم ليس كسائر الأيام .. إنه يوم مقتل الإمام الحسين بن
علي رضي الله عنه .. لذا يتخذونه مأتماً يفعلون فيه كل أصناف البدع والمنكرات .. و
كل أمور الجاهلية .. وبما أن الصورة الحقيقة لمقتل الحسين رضي الله عنه لم تتضح
بعد لدى كثير ممن يسمع عنها ..كما وأن الدكتور طارق سويدان حفظه الله تناول هذه
الحادثة في سلسلته قصص من التاريخ ، لكنه تناولها بصورة مشوهة وكان جل اعتماده على
روايات أبي مخنف الكذاب .. لذا فإني أحببت أن أعيد هذه المقالة التي كتبتها منذ
فترة طويلة ؛ لكن مع إضافات كثيرة و تفصيل أكثر و تحليل للحقائق لعل الله يشرح بها
الصدور لقبول الحق .. وأعتذر مقدماً على طول المقالة .
تمثل
معارضة الحسين بن علي ليزيد بن معاوية نقطة تحول خطيرة في تاريخ المسلمين ، و قد
جرت هذه الحادثة من التبعات والانقسامات الشيء الكثير ، وكان خطر هذه الحادثة لا
يقتصر على تأثيرها المباشر على المجتمع المسلم في ذلك الوقت فقط ، بل يتعداه إلى
أبعد من ذلك حتى يومنا هذا ، حيث يمثل نقطة خطيرة لانحراف طائفة ترى محبته و
موالاته فقط ، و تكفير الأمة بسببه ، و من ثم تتخذ من هذه الحادثة مادة لتأجيج
المشاعر ضد أهل السنة بأجمعهم ، وكأنهم هم السبب الحقيقي لمأساته رضوان الله عليه
.
لقد
كان موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية هو موقف المعارض ، و قد شاركه في هذه
المعارضة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، غير أنهما لم يبديا أسباباً واضحة
لممانعتهما بالبيعة أقصد بذلك : أنهما لم
يتهما يزيد في سلوكه ، و لم يأتيا بأمور واضحة تطعن في تأهله للخلافة ، فيبقى
السبب الرئيسي ، و هو إرادة الشورى - ، في حين أن ابن عمر و ضح السبب ، و هو أن
هذه الطريقة في أخذ البيعة لا تشابه طريقة بيعة الخلفاء الراشدين ، تاريخ أبي زرعة
(1/229) و تاريخ خليفة ( ص 214) بإسناد صحيح . و بالفعل أرسل ابن عمر البيعة
مباشرة عندما توفي معاوية رضي الله عنه .
و
إن تلك الممانعة الشديدة من قبل الحسين بن علي ، هي أنه أحق بالخلافة من غيره ، و
كان يرى أن الخلافة صائرة إليه بعد وفاة معاوية ، و كان مؤدى هذا الشعور تلك
المكانة التي يتبوأها الحسين في قلوب المسلمين ، ثم اطمئنانه بالقاعدة العريضة من
المؤيدين له في الكوفة وغيرها ، فليس من الغريب أن يقف الحسين في وجه بيعة يزيد و
يرفضها رفضاً شديداً و بكل قوة ، و لهذا قال الذهبي في السير (3/291) : و لما بايع
معاوية ليزيد تألم الحسين .
بعد
أن توفي معاوية رضي الله عنه و بويع ليزيد بالخلافة في الشام ، كتب يزيد إلى والي
المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يدعو الناس للبيعة و أن يبدأ بوجوه قريش .
انظر : ابن سعد في الطبقات (5/359) بإسناد جمعي ، و تاريخ خليفة ( ص 232) بإسناد
فيه محمد بن الزبير الحنظلي ، و هو متروك .
استشار
الوليد بن عتبة مروان بن الحكم فأشار عليه بأن يبعث في طلب الحسين وابن الزبير
للبيعة ، فيروي خليفة في تاريخه ( ص 233) : أن ابن الزبير حضر عند الوليد و رفض
البيعة واعتذر بأن وضعه الاجتماعي يحتم عليه مبايعته علانية أما الناس ، و طلب منه
أن يكون ذلك من الغد في المسجد إن شاء الله . واستدعى الحسين بعد ذلك و يبدوا أن
الوليد تحاشى أن يناقش معه موضوع البيعة ليزيد ، فغادر الحسين مجلس الوليد من
ساعته ، فلما جنّ الليل خرج ابن الزبير والحسين متجهين إلى مكة كل منها على حدة .
ورواية خليفة هي الأقرب في نظري إلى الحقيقة ، فإضافة إلى تسلسل الحدث فيها ،
فإن الرواية نفسها عن جويرية بن أسماء و هو مدني .
في
طريق مكة التقى الحسين وابن الزبير بابن عمر و بعد الله بن عياش ، و هما منصرفين
من العمرة قادمين إلى المدينة ، فقال لهما ابن عمر : أذكركما الله إلا رجعتما
فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس و تنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا ، و إن
افترق عليه كان الذي تريدان . ابن سعد في الطبقات (5/360) والمزي في تهذيب الكمال
(6/416) من طريق ابن سعد ، و الطبري (5/343) لكنه ذكر أن الذي لقيهما ابن عمر وابن
عباس ، و لعله تحريف في اسم عياش ، والصحيح أن ابن عباس كان موجوداً بمكة حينذاك .
فلما
علمت شيعة الكوفة بموت معاوية و خروج الحسين إلى مكة و رفض البيعة ليزيد ، فاجتمع
أمرهم على نصرته ، ثم كتبوا إليه ، و بعد توافد الكتب على الحسين و هو بمكة و
جميعها تؤكد الرغبة في حضوره و مبايعته ، نستطيع أن نقول : إن الحسين لم يفكر
بالخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفيين يدعونه بالخروج إليهم ، و
أنهم يدعونه مرحبين به طائعين ، فأراد الحسين أن يتأكد من صحة هذه الأقوال ، فأرسل
مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه لينظر في أمر أهل الكوفة و يقف على الحقائق
بنفسه . انظر : تاريخ الطبري (5/354 ) و البلاذري في أنساب الأشارف (3/159) .
ذهب
مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، و وقف على ما يحدث هناك و كتب إلى الحسين يدعوه إلى
الخروج إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه .
و
قد تتابعت النصائح من الصحابة و التابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة ، و من
الذين نصحوا : محمد بن الحنفية أخوه - ، و
ابن عباس ، وابن عمر وابن الزبير و أبو سعيد الخدري و جابر بن عبد الله ، و غيرهم
الكثير ، ينهونه عن القدوم إلى الكوفة ، غير أن هذه النصائح الغالية الثمينة لم
تؤثر في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة ، بل عقد العزم على الخروج ، فأرسل إلى
المدينة و قدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب ، و هم تسعة عشر رجلاً و نساء و
صبياناً من اخوته و بناته و نسائه ، فتبعهم محمد بن الحنفية وأدرك الحسين قبل
الخروج من مكة فحاول مرة أخرى أن يثني الحسين عن خروجه لكنه لم يستطع . انظر : ابن
سعد في الطبقات (5/266-267) .
و
جاء ابن عباس و نصحه فأبى إلا الخروج إلى الكوفة ، فقال له ابن عباس : لولا أن
يزري بي و بك ، لنشبت يدي في رأسك ، فقال
أي الحسين - : لإن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أستحل حرمتها ، يعني
الكعبة ، فقال ابن عباس فيما بعد : و كان
ذلك الذي سلى نفسي عنه . و كان ابن عباس من أشد الناس تعظيماً للحرم . انظر: مصنف
ابن أبي شيبة (5/96-97) بإسناد صحيح ، و الطبراني في المعجم الكبير (9/193) و قال
الهيثمي في المجمع (9/192) و رجاله رجال الصحيح ، و الذهبي في السير (2/292) و
غيرهم الكثير .
إن
حقيقة الأمر في موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا
الحسين بعدم الخروج ، والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال : لقي
عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال : يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد
العراق ، قال : أجل ، فلا تفعل ، فإنهم قتلة أبيك ، الطاعنين بطن أخيك ، وإن
أتيتهم قتلوك . المصنف (7/477) .
و
لما علم ابن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين
أين وجهتك ؟ فقال : أريد العراق ، ثم أخرج إليه كتب القوم ، ثم قال : هذه بيعتهم و
كتبهم ، فناشده الله أن يرجع ، فأبى الحسين ، ثم قال ابن عمر : أحدثك بحديث ما
حدثت به أحداً قبلك : إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا
والآخرة ، فاختار الآخرة ، و إنكم بضعة منه ، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته ،
ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم ، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق و ما كان
يلقى أبوك منهم ، فأبى ، فاعتنقه و قال : استودعتك من قتيل . ابن سعد في الطبقات
(5/360) و ابن حبان (9/58) وكشف الأستار (3/232-233) بسند رجاله ثقات . و عند
غيرهم .
لكن
هذه النصائح والتحذيرات لم تثن الحسين عن إرادته و عزمه على الخروج نحو الكوفة .
و هنا يبرز سؤال ملح : و هو كيف يجمع عدد من الصحابة و
كبراؤهم و كبار التابعين و أصحاب العقل منهم ، و من له قرابة بالحسين على رأي واحد
و هو الخوف على الحسين من الخروج وأن النتيجة معروفة سلفاً ، و في المقابل كيف يصر
الحسين على رأيه وترك نصائح الصحابة وكبار التابعين ؟
و الإجابة على هذا السؤال تكمن في سببين اثنين :-
الأول
: وهو إرادة الله جل وعلا و أن ما قدره سيكون و إن أجمع الناس كلهم على رده
فسينفذه الله لا راد لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى .
الثاني
: و هو السبب الواقعي الذي تسبب في وجود الأمر الأول ، و هو أن الحسين رضي الله
عنه أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله
بالقوة على البيعة ، و لن يسمح يزيد بأكثر مما حدث ، فرسل تأتي و رسل تذهب و دعوة
عريضة له بالكوفة ، كل هذا يجعل الحسين يدرك أن موقفه في مكة يزداد حرجاً ، و هو
يمانع البيعة للخليفة دون أن يكون هناك ما يبرر موقفه بشكل واضح ، ثم إن خشية
الحسين من وقوع أي مجابهة بينه و بين الأمويين في مكة هو الذي جعله يفكر بالخروج
من مكة سريعاً ، و هو ما أكده لابن عباس ، ولعل الأمر الذي جعله يسارع في الخروج
إلى الكوفة هي الصورة المشرقة والمشجعة التي نقلها له ابن عمه لحال الكوفة و أنها
كلها مبايعة له .
و
في نظري أن مسلم بن عقيل و الحسين رضي الله عنهما لم يكونا يحيطون بكثير من أمور
السياسة ، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين و ظن أن هؤلاء سيكونون
مخلصين أوفياء و لم يجعل في حسبانه أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد ، فكان على
مسلم بن عقيل أن يستثمر الوضع لصالحه وأن يعايش الواقع الفعلي حتى يخرج بتصور صحيح
، وأما أن يرسل للحسين منذ الوهلة الأولى و يوهمه بأن الوضع يسير لصالحه ، فهذا
خطأ كبير وقع فيه مسلم بن عقيل ، ثم إن الحسين رضي الله عنه وثق بكلام مسلم بن
عقيل و صدق أن الكوفة ستقف معه بمجرد مجيئه إليها ، و نسي أن الكوفة هي التي عانى
أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل والتقاعس و عدم الامتثال لأوامره ثم كانت
النهاية باغتياله رضي الله عنه ، ثم إن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهل
الكوفة ، وكان يحذره منهم حتى على فراش الموت ، ثم إن الذين نصحوه يحملون حساً
سياسياً واضحاً فالكل حذره و بين خطأه الذي سيقدم عليه ، و من المستحيل أن يكون كل
الناصحون على خطأ و أن فرداً واحداً هو على الحق و بالأخص إذا عرفنا من هم
الناصحون ، لكنه قدر الله ، و حدث ما حدث و قتل الحسين في معركة كربلاء .
أما عن صفة مقتله رضي الله عنه : قلت : ذلك الفتق الذي لا يرتق و الثلمة
التي لم تسد و الصدع الذي لم يرأب ، إنه جرح الأمة الإسلامية في فلذة كبدها و التي
لا تزال تتألم من المرارة و الحسرة منه ، إنه مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله
عنهما في لحظة من أحرج اللحظات و أصعبها على أمة الإسلام و المسلمين .
قال
الطبري (5/343) : إن ابن الزبير و الحسين لما دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا و خرجا
من ليلتهما إلى مكة ، فلقيهما ابن عياش و ابن عمر جائيين من مكة فسألاهما ما
وراءكما ؟ قالا : موت معاوية و البيعة ليزيد ، فقال لهما ابن عمر : اتقيا الله ولا
تفرقا جماعة المسلمين . أما ابن عمر فقدم المدينة فأقام أياماً فانتظر حتى جائت
البيعة من البلدان فتقدم و بايع .
الله الرحمن الرحيم
استشهاد
الحسين رضي الله عنه .. دراسة نقدية تحليلة
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
إن
يوم عاشوراء يمثل للرافضة يوم ليس كسائر الأيام .. إنه يوم مقتل الإمام الحسين بن
علي رضي الله عنه .. لذا يتخذونه مأتماً يفعلون فيه كل أصناف البدع والمنكرات .. و
كل أمور الجاهلية .. وبما أن الصورة الحقيقة لمقتل الحسين رضي الله عنه لم تتضح
بعد لدى كثير ممن يسمع عنها ..كما وأن الدكتور طارق سويدان حفظه الله تناول هذه
الحادثة في سلسلته قصص من التاريخ ، لكنه تناولها بصورة مشوهة وكان جل اعتماده على
روايات أبي مخنف الكذاب .. لذا فإني أحببت أن أعيد هذه المقالة التي كتبتها منذ
فترة طويلة ؛ لكن مع إضافات كثيرة و تفصيل أكثر و تحليل للحقائق لعل الله يشرح بها
الصدور لقبول الحق .. وأعتذر مقدماً على طول المقالة .
تمثل
معارضة الحسين بن علي ليزيد بن معاوية نقطة تحول خطيرة في تاريخ المسلمين ، و قد
جرت هذه الحادثة من التبعات والانقسامات الشيء الكثير ، وكان خطر هذه الحادثة لا
يقتصر على تأثيرها المباشر على المجتمع المسلم في ذلك الوقت فقط ، بل يتعداه إلى
أبعد من ذلك حتى يومنا هذا ، حيث يمثل نقطة خطيرة لانحراف طائفة ترى محبته و
موالاته فقط ، و تكفير الأمة بسببه ، و من ثم تتخذ من هذه الحادثة مادة لتأجيج
المشاعر ضد أهل السنة بأجمعهم ، وكأنهم هم السبب الحقيقي لمأساته رضوان الله عليه
.
لقد
كان موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية هو موقف المعارض ، و قد شاركه في هذه
المعارضة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، غير أنهما لم يبديا أسباباً واضحة
لممانعتهما بالبيعة أقصد بذلك : أنهما لم
يتهما يزيد في سلوكه ، و لم يأتيا بأمور واضحة تطعن في تأهله للخلافة ، فيبقى
السبب الرئيسي ، و هو إرادة الشورى - ، في حين أن ابن عمر و ضح السبب ، و هو أن
هذه الطريقة في أخذ البيعة لا تشابه طريقة بيعة الخلفاء الراشدين ، تاريخ أبي زرعة
(1/229) و تاريخ خليفة ( ص 214) بإسناد صحيح . و بالفعل أرسل ابن عمر البيعة
مباشرة عندما توفي معاوية رضي الله عنه .
و
إن تلك الممانعة الشديدة من قبل الحسين بن علي ، هي أنه أحق بالخلافة من غيره ، و
كان يرى أن الخلافة صائرة إليه بعد وفاة معاوية ، و كان مؤدى هذا الشعور تلك
المكانة التي يتبوأها الحسين في قلوب المسلمين ، ثم اطمئنانه بالقاعدة العريضة من
المؤيدين له في الكوفة وغيرها ، فليس من الغريب أن يقف الحسين في وجه بيعة يزيد و
يرفضها رفضاً شديداً و بكل قوة ، و لهذا قال الذهبي في السير (3/291) : و لما بايع
معاوية ليزيد تألم الحسين .
بعد
أن توفي معاوية رضي الله عنه و بويع ليزيد بالخلافة في الشام ، كتب يزيد إلى والي
المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يدعو الناس للبيعة و أن يبدأ بوجوه قريش .
انظر : ابن سعد في الطبقات (5/359) بإسناد جمعي ، و تاريخ خليفة ( ص 232) بإسناد
فيه محمد بن الزبير الحنظلي ، و هو متروك .
استشار
الوليد بن عتبة مروان بن الحكم فأشار عليه بأن يبعث في طلب الحسين وابن الزبير
للبيعة ، فيروي خليفة في تاريخه ( ص 233) : أن ابن الزبير حضر عند الوليد و رفض
البيعة واعتذر بأن وضعه الاجتماعي يحتم عليه مبايعته علانية أما الناس ، و طلب منه
أن يكون ذلك من الغد في المسجد إن شاء الله . واستدعى الحسين بعد ذلك و يبدوا أن
الوليد تحاشى أن يناقش معه موضوع البيعة ليزيد ، فغادر الحسين مجلس الوليد من
ساعته ، فلما جنّ الليل خرج ابن الزبير والحسين متجهين إلى مكة كل منها على حدة .
ورواية خليفة هي الأقرب في نظري إلى الحقيقة ، فإضافة إلى تسلسل الحدث فيها ،
فإن الرواية نفسها عن جويرية بن أسماء و هو مدني .
في
طريق مكة التقى الحسين وابن الزبير بابن عمر و بعد الله بن عياش ، و هما منصرفين
من العمرة قادمين إلى المدينة ، فقال لهما ابن عمر : أذكركما الله إلا رجعتما
فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس و تنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا ، و إن
افترق عليه كان الذي تريدان . ابن سعد في الطبقات (5/360) والمزي في تهذيب الكمال
(6/416) من طريق ابن سعد ، و الطبري (5/343) لكنه ذكر أن الذي لقيهما ابن عمر وابن
عباس ، و لعله تحريف في اسم عياش ، والصحيح أن ابن عباس كان موجوداً بمكة حينذاك .
فلما
علمت شيعة الكوفة بموت معاوية و خروج الحسين إلى مكة و رفض البيعة ليزيد ، فاجتمع
أمرهم على نصرته ، ثم كتبوا إليه ، و بعد توافد الكتب على الحسين و هو بمكة و
جميعها تؤكد الرغبة في حضوره و مبايعته ، نستطيع أن نقول : إن الحسين لم يفكر
بالخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفيين يدعونه بالخروج إليهم ، و
أنهم يدعونه مرحبين به طائعين ، فأراد الحسين أن يتأكد من صحة هذه الأقوال ، فأرسل
مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه لينظر في أمر أهل الكوفة و يقف على الحقائق
بنفسه . انظر : تاريخ الطبري (5/354 ) و البلاذري في أنساب الأشارف (3/159) .
ذهب
مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، و وقف على ما يحدث هناك و كتب إلى الحسين يدعوه إلى
الخروج إلى الكوفة وأن الأمر مهيأ لقدومه .
و
قد تتابعت النصائح من الصحابة و التابعين تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة ، و من
الذين نصحوا : محمد بن الحنفية أخوه - ، و
ابن عباس ، وابن عمر وابن الزبير و أبو سعيد الخدري و جابر بن عبد الله ، و غيرهم
الكثير ، ينهونه عن القدوم إلى الكوفة ، غير أن هذه النصائح الغالية الثمينة لم
تؤثر في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة ، بل عقد العزم على الخروج ، فأرسل إلى
المدينة و قدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب ، و هم تسعة عشر رجلاً و نساء و
صبياناً من اخوته و بناته و نسائه ، فتبعهم محمد بن الحنفية وأدرك الحسين قبل
الخروج من مكة فحاول مرة أخرى أن يثني الحسين عن خروجه لكنه لم يستطع . انظر : ابن
سعد في الطبقات (5/266-267) .
و
جاء ابن عباس و نصحه فأبى إلا الخروج إلى الكوفة ، فقال له ابن عباس : لولا أن
يزري بي و بك ، لنشبت يدي في رأسك ، فقال
أي الحسين - : لإن أقتل بمكان كذا و كذا أحب إلي من أستحل حرمتها ، يعني
الكعبة ، فقال ابن عباس فيما بعد : و كان
ذلك الذي سلى نفسي عنه . و كان ابن عباس من أشد الناس تعظيماً للحرم . انظر: مصنف
ابن أبي شيبة (5/96-97) بإسناد صحيح ، و الطبراني في المعجم الكبير (9/193) و قال
الهيثمي في المجمع (9/192) و رجاله رجال الصحيح ، و الذهبي في السير (2/292) و
غيرهم الكثير .
إن
حقيقة الأمر في موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا
الحسين بعدم الخروج ، والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال : لقي
عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال : يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد
العراق ، قال : أجل ، فلا تفعل ، فإنهم قتلة أبيك ، الطاعنين بطن أخيك ، وإن
أتيتهم قتلوك . المصنف (7/477) .
و
لما علم ابن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين
أين وجهتك ؟ فقال : أريد العراق ، ثم أخرج إليه كتب القوم ، ثم قال : هذه بيعتهم و
كتبهم ، فناشده الله أن يرجع ، فأبى الحسين ، ثم قال ابن عمر : أحدثك بحديث ما
حدثت به أحداً قبلك : إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا
والآخرة ، فاختار الآخرة ، و إنكم بضعة منه ، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته ،
ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم ، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق و ما كان
يلقى أبوك منهم ، فأبى ، فاعتنقه و قال : استودعتك من قتيل . ابن سعد في الطبقات
(5/360) و ابن حبان (9/58) وكشف الأستار (3/232-233) بسند رجاله ثقات . و عند
غيرهم .
لكن
هذه النصائح والتحذيرات لم تثن الحسين عن إرادته و عزمه على الخروج نحو الكوفة .
و هنا يبرز سؤال ملح : و هو كيف يجمع عدد من الصحابة و
كبراؤهم و كبار التابعين و أصحاب العقل منهم ، و من له قرابة بالحسين على رأي واحد
و هو الخوف على الحسين من الخروج وأن النتيجة معروفة سلفاً ، و في المقابل كيف يصر
الحسين على رأيه وترك نصائح الصحابة وكبار التابعين ؟
و الإجابة على هذا السؤال تكمن في سببين اثنين :-
الأول
: وهو إرادة الله جل وعلا و أن ما قدره سيكون و إن أجمع الناس كلهم على رده
فسينفذه الله لا راد لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى .
الثاني
: و هو السبب الواقعي الذي تسبب في وجود الأمر الأول ، و هو أن الحسين رضي الله
عنه أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله
بالقوة على البيعة ، و لن يسمح يزيد بأكثر مما حدث ، فرسل تأتي و رسل تذهب و دعوة
عريضة له بالكوفة ، كل هذا يجعل الحسين يدرك أن موقفه في مكة يزداد حرجاً ، و هو
يمانع البيعة للخليفة دون أن يكون هناك ما يبرر موقفه بشكل واضح ، ثم إن خشية
الحسين من وقوع أي مجابهة بينه و بين الأمويين في مكة هو الذي جعله يفكر بالخروج
من مكة سريعاً ، و هو ما أكده لابن عباس ، ولعل الأمر الذي جعله يسارع في الخروج
إلى الكوفة هي الصورة المشرقة والمشجعة التي نقلها له ابن عمه لحال الكوفة و أنها
كلها مبايعة له .
و
في نظري أن مسلم بن عقيل و الحسين رضي الله عنهما لم يكونا يحيطون بكثير من أمور
السياسة ، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين و ظن أن هؤلاء سيكونون
مخلصين أوفياء و لم يجعل في حسبانه أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد ، فكان على
مسلم بن عقيل أن يستثمر الوضع لصالحه وأن يعايش الواقع الفعلي حتى يخرج بتصور صحيح
، وأما أن يرسل للحسين منذ الوهلة الأولى و يوهمه بأن الوضع يسير لصالحه ، فهذا
خطأ كبير وقع فيه مسلم بن عقيل ، ثم إن الحسين رضي الله عنه وثق بكلام مسلم بن
عقيل و صدق أن الكوفة ستقف معه بمجرد مجيئه إليها ، و نسي أن الكوفة هي التي عانى
أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل والتقاعس و عدم الامتثال لأوامره ثم كانت
النهاية باغتياله رضي الله عنه ، ثم إن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهل
الكوفة ، وكان يحذره منهم حتى على فراش الموت ، ثم إن الذين نصحوه يحملون حساً
سياسياً واضحاً فالكل حذره و بين خطأه الذي سيقدم عليه ، و من المستحيل أن يكون كل
الناصحون على خطأ و أن فرداً واحداً هو على الحق و بالأخص إذا عرفنا من هم
الناصحون ، لكنه قدر الله ، و حدث ما حدث و قتل الحسين في معركة كربلاء .
أما عن صفة مقتله رضي الله عنه : قلت : ذلك الفتق الذي لا يرتق و الثلمة
التي لم تسد و الصدع الذي لم يرأب ، إنه جرح الأمة الإسلامية في فلذة كبدها و التي
لا تزال تتألم من المرارة و الحسرة منه ، إنه مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله
عنهما في لحظة من أحرج اللحظات و أصعبها على أمة الإسلام و المسلمين .
قال
الطبري (5/343) : إن ابن الزبير و الحسين لما دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا و خرجا
من ليلتهما إلى مكة ، فلقيهما ابن عياش و ابن عمر جائيين من مكة فسألاهما ما
وراءكما ؟ قالا : موت معاوية و البيعة ليزيد ، فقال لهما ابن عمر : اتقيا الله ولا
تفرقا جماعة المسلمين . أما ابن عمر فقدم المدينة فأقام أياماً فانتظر حتى جائت
البيعة من البلدان فتقدم و بايع .
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin